صورة تعبيرية عن رجال مسلحين عند منجم ذهب
مناجم النزاع في نيجيريا.. حين يتحول الذهب إلى وقود للإرهاب
- معركة نيجيريا مع "ذهب النزاعات" تتطلب ما هو أبعد من الحظر الإداري
لم تعد مناجم الذهب في شمال نيجيريا ووسطها مصدرا للثراء الوطني، بل استحالت إلى بؤور للصراع الدامي الذي يقوده أمراء الحرب وعصابات السطو المنظم.
إن التحالف غير المقدس بين استخراج المعادن بطرق غير مشروعة وتصاعد الجريمة العابرة للحدود، بات يهدد بتقويض أركان الدولة، محولا نعمة الأرض إلى لعنة تطارد القرويين العزل وتقضي على أحلامهم في الاستقرار.
تكشف التقارير الرسمية عن تداخل مخيف بين شبكات التهريب والجماعات المسلحة؛ إذ لم تعد هذه المجموعات تكتفي بنهب المحاصيل أو حرق المنازل، بل باتت تبسط سيطرتها على مكامن المعدن النفيس بقوة السلاح.
وقد جسد توصيف الجنرال "آدم غربا"، مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، هذا الواقع حين ربط بين التنقيب العشوائي وتجارة السلاح، مؤكدا أن خطوط التهريب تمتد لتصل إلى أسواق عالمية بعيدة، حيث يغسل الذهب الملطخ بالدماء ليدخل الدورة الاقتصادية كمنتج شرعي.
وفي ظل هذا التغول، يبرز دور نخب نافذة تقف خلف ستار الخفاء لتدير هذه التجارة، بينما يدفع العمال البسطاء الثمن حياة أو خضوعا لضرائب "الحماية" القسرية.
ولعل مجزرة "كادونا" التي أودت بحياة ستة عشر عاملا ليست إلا غيضا من فيض العنف الذي يمارس لفرض الأمر الواقع.
وفي المقابل، تبدو محاولات الحظر الرسمي سيفا ذا حدين؛ فبينما ترى الحكومة في تعليق العمل ضرورة أمنية، تحذر الجمعيات النقابية من أن الإغلاق الشامل سيدخل آلاف الأسر في آتون الفقر، مما يهيئ بيئة خصبة لتجنيد مزيد من الساخطين في صفوف العصابات.
أما التحدي الأكبر، فيتمثل في الارتباط العضوي بين المطامع المالية والتطرف الديني؛ حيث تحالف قطاع الطرق مع تنظيمات راديكالية لتأمين تدفق الأسلحة الفتاكة.
هذا التحالف المصلحي جعل من ولايات الشمال مسرحا لصراع معقد تغذوه موارد طبيعية كان يفترض أن تكون سبيلا للرخاء، لا نفقا مظلما للضياع.
إن معركة نيجيريا مع "ذهب النزاعات" تتطلب ما هو أبعد من الحظر الإداري؛ إنها تقتضي إرادة سياسية صلبة لتجفيف منابع التمويل وملاحقة الرؤوس الكبيرة.
وما مشروع تبني مجموعات الدفاع الذاتي إلا مسكن مؤقت لأزمة تتجذر في غياب التنمية وضعف الرقابة.
إن لحظة الحقيقة تقتضي فرض سيادة القانون على كل شبر من أرض المناجم، قبل أن يبتلع بريق المعدن ما تبقى من سكينة الريف النيجيري.
