ياسر عرفات وبيل كلينتون وإيهود باراك في كامب ديفيد 2000
"من بيل كلينتون إلى جو بايدن".. خطط أمريكية للسلام مفطومة على دماء الفلسطينيين
- "بحث عن سلام" على صفيح ساخن دون أفق واضحة لتحقيقه
- عملية "طوفان الأقصى" استطاعت إبطاء مشروع الاحتلال الرامي لتهجير الفلسطينيين وأبرزت مخططات اليمن الاسرائيلي
- خطة أمريكية فضفاضة لتحقيق سلام طويل الأمد دون خطوات وجدول زمني واضح للإعلان عن الدولة الفلسطينية المستقلة
- مراقبون: لا حل سلمي للقضية الفلسطينية ولا وجود لحل الدولتين
بعد مرور 134 يوما على عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وتزعزع المنظومة الأمنية والعسكرية للاحتلال على أيدي عناصر المقاومة الفلسطينية، عاد الحديث مجددا حول السلام طويل الأمد بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين".
وساهم الحديث الذي يروج لطرح الإدارة الامريكية الحالية خطة سلام جديدة بين الأطراف بمشاركة عربية، إلى إعادة مباحثات "كامب ديفيد" بين الفلسطينيين والإسرائيليين والأمريكيين إلى الأذهان، وطرح الأسئلة حول مصير بنود تلك المباحثات.
"كامب ديفيد".. سلام موؤود على أيدي "الإسرائيليين"
قبل 23 عاما بالتمام والكمال، خاض القائد الفلسطيني آنذاك ياسر عرفات ورئيس وزراء الاحتلال الأسبق اليساري إيهود باراك والرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون مفاوضات موسعة للسلام.
ووفقا لوثائق رفعت عنها السرية في شهر تموز الماضي وافق الاحتلال من حيث المبدأ على التخلي عن سيادته في أجزاء من البلدة القديمة في القدس بما في ذلك جزء من الحرم القدسي، جاء ذلك خلال نشر هيئة أرشيف الاحتلال الرد الرسمي على اقتراح الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون للسلام بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين في عام 2000.
كيف رسم السلام آنذاك؟
وصفت المحادثات والموافقات التي قدمها الاحتلال على تلك المقترحات بالمتقدمة؛ لا سيما وأن المحتل طالب بثمانية بالمائة من الضفة الغربية – التي تضم 80% من المستوطنين وغالبية الفلسطينيين دون أن يكون هناك تبادل للأراضي في تلك المنطقة، في حين أن تبادل الأراضي في قطاع غزة – والذي اشتمل في تلك المرحلة على مساحات شاسعة من المستوطنات التابعة للاحتلال – لن يكون أكثر من 2%.
الأوراق المتعلقة بتلك المحادثات نشرت كجزء من الملف الأرشيفي لنوح كينارتي، الذي كان أحد المفاوضين من طرف الاحتلال خلال محادثات السلام، ويشار إلى أنها تضمنت الردود الرسمية الفلسطينية و"الإسرائيلية"، باللغة الإنجليزية، وسلطت الضوء على الاختلافات بين الطرفين، بالإضافة إلى وثيقة باللغة العبرية تفصل تحفظات العدو على اقتراح الرئيس الأمريكي كلينتون.
وفيما يتعلق بالقدس اقترح كلينتون أن “ما هو عربي يجب أن يكون فلسطينيا وما هو يهودي يجب أن يكون إسرائيليا”، وعلق الاحتلال على المقترح أنه سيتسبب بخلق مشاكل حقيقية تتعلق بالتواصل الجغرافي وأن هناك حاجة ملحة إلى “ترتيبات خاصة”.
وذكرت الوثائق أن الاحتلال تخلى عن مطالبه بأن تكون السيادة الفلسطينية مقتصرة على الأحياء ذات الأغلبية العربية المجاورة للبلدة القديمة، حيث تم وضع مقترح يقضي بتقسيم البلدة القديمة بين الاحتلال وفلسطين
واقترح الاحتلال أنه من باب الخليل في البلدة القديمة، ستكون الأرض إلى الأمام مباشرة وإلى اليسار جزءا من فلسطين، بينما ستكون الأرض إلى اليمين جزءا من "إسرائيل"، بينما كانت المقترحات الأمريكية حول الحرم القدسي تمنح السيادة على الموقع للفلسطينيين وتمنح السيادة على الحائط الغربي المتاخم له للاحتلال.
ستمنح الصيغة الأولى إسرائيل السيادة في “الفضاء المقدس لليهود الذي هو جزء منه؛ أو قدس الأقدس الذي هو جزء منه”. الصيغة الثانية ستشمل “سيادة وظيفية مشتركة على مسألة الحفريات تحت الحرم أو خلف الحائط”.
ويشار إلى أن تلك المقترحات قوبلت بموافقات مبدأية من العدو، حيث اعتبر الاحتلال مخطط كلينتون “أساسا للنقاش، بشرط أن يظل كما هو، أساسا للنقاش مقبولا على الفلسطينيين”، وأكد الاحتلال أنه سيطلب عددا من التوضيحات بشأن مسائل ذات أهمية حيوية "لإسرائيل".
السابع من أكتوبر يكشف وجه اليمين "الإسرائيلي"
وبعد مرور 23 عاما على تلك المباحثات التي ظلت حبيسة الأدراج، توسع الاستيطان في الضفة الغربية إلى أن قفز عدد المستوطنين إلى 517 ألف و407 مستوطنين بحلول 31 ديسمبر الماضي، كما وتشير التقديرات إلى أن عدد المستوطنات في الضفة الغربية بلغ مع بداية عام 2023 نحو 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية.
وفي ذات السياق مهد الاحتلال لاقتحامات وانتهاكات أوسع في الحرم القدسي الشريف، ومدينة القدس، ونفذ اقتحاماته على نطاق واسع وسهل الانتهاكات للمستوطنين المحروسين بالسلاح العسكري، عدا عن تضيقه على المصلين، ومنعه الفلسطينيين من حرية التنقل والعمل، وهو ما زاد من الاحتقان الشعبي على مدار أعوام، وكشف الوجه الحقيقي لمشروع الاستيطان الصهيوني ومدى خطورته على تهجير الفلسطينيين في الضفة وغزة، وتصفية القضية الفلسطينية.
وجاءت عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" وعدد من الفصائل الفلسطينية ردا على هذه الانتهاكات ومحاولة لعرقلة عجلة المشروع "الإسرائيلي" الرامي إلى تصفية القضية والسيطرة على الحرم القدسي بأكمله؛ للمضي قدما في مشروعهم الديني أسفل المسجد الأقصى المبارك.
ووفقا لمحللين استطاعت عملية "طوفان الأقصى" أن تبطئ مشروع الاحتلال وأن تبرز مخططاته للعالم أجمع؛ لا سيما وأن رغبات اليمين لدى الاحتلال غدت واضحة أمام الجميع من دون جماليات تخفي في ثناياها نوايا المحتل.
كما هدفت المقاومة من خلال العملية إلى وقف الانتهاكات في المسجد الأقصى والتخفيف عن الفلسطينيين في الضفة الغربية الذين يتعرضون لحصار مطبق من الاحتلال ويتعرضون لعشرات الحواجز الأمنية التي تجعل حياتهم على المحك، وأعمالهم على شفى مقربة من الانهيار، حيث ذكرت تلك التفاصيل في بيان من 18 صفحة.
وقالت الحركة في وقت سابق:"إن عملية "طوفان الأقصى" كانت "خطوة ضرورية واستجابة طبيعية، لمواجهة ما يحاك من مخططات إسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، والسيطرة على الأرض وتهويدها، وحسم السيادة على المسجد الأقصى والمقدسات، ولإنهاء "الحصار الجائر على قطاع غزة، وخطوة طبيعية في إطار التخلص من الاحتلال واستعادة الحقوق الوطنية وإنجاز الاستقلال والحرية كباقي شعوب العالم، وحق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس".
السلام بعد السابع من أكتوبر
وبعد السابع من أكتوبر تغيرت الصورة المرسومة للسلام في الشرق الأوسط، وتسبب الانهيار الكامل للمنظومة الأمنية داخل الاحتلال إلى هرولة القوى الغربية لتأمين الأمن المستقبلي لكيان الاحتلال ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها يبدأون مجددا في طرح مبادرات وخطط للسلام بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" كفكرة يدعى أنها قابلة للتحقيق وتقود إلى حل الدولتين لكن من وجهة نظر أمريكية.
فيما على السياق الآخر سربت بعض المعلومات حول الخطة الأمريكية العربية للسلام ووقف إطلاق النار في غزة، كما وبادر قادة غربيون على الكشف الصريح عن وجود نوايا للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة أو المشاركة في صياغة عملية سلام جديدة بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين".
الخطة الأمريكية وفقا لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية تهدف لتحقيق سلام طويل الأمد في الأراضي المحتلة بين كافة الأطراف، ويشرف على صياغتها إدارة الرئيس جو بايدن وعدد محدود من الشركاء الإقليميين العرب، على أن تتضمن الخطة جدولا زمنيا واضحا للإعلان عن الدولة الفلسطينية المستقلة.
وتهدف بعض بنود الخطة كما علمت "رؤيا" من مصدر مطلع، على سحب الاحتلال لعدد من المجتمعات الاستيطانية في الضفة الغربية، ومنح الفلسطينيين عاصمة في القدس الشرقية، عدا عن إعادة إعمار قطاع غزة، ووضع سياق واضح لترتيبات الأمن والحكم في الضفة وغزة معا، فيما سيمنح الاحتلال ضمانات بالحصول على الأمن، إضافة إلى تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية.
نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية الأردني الأسبق مروان المعشر اعتبر في وقت سابق أنه لا حل سلمي للقضية الفلسطينية، ولا وجود لحل الدولتين؛ لا سيما وأن كل المعاهدات السابقة لم تحدد الشكل الأخير للمفاوضات.
وقال المعشر إن الحل للقضية الفلسطينية يكون من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 ووضع سقف نهائي وشكل واضح من قبل الولايات المتحدة الأمريكية للمفاوضات المتعلقة بالسلام، إضافة إلى وقف بناء المستوطنات بشكل كامل في الضفة الغربية، وعدم وضع حكم قطاع غزة هدفاً نهائياً إنما وضعه كهدف في طريق إنهاء الاحتلال والوصول لحل الدولتين.
خطة أمريكية مبتورة
وبصرف النظر عن موقف البعض من اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل" إلا أنها وضعت الأساس واللبنة الأولى لمفاوضات متقدمة بين الطرفين حول القضايا الفيصلية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ألا وهي القدس والماء واللاجئين والحكم والأمن والدعم المالي والعلاقات مع الدول المحيطة وغيرها.
ونظرا لفشل الأطراف بعد سنوات في تحقيق ما نصت عليه بنود "أوسلو" ذهب عرفات وبيل كلينتون وايهود باراك إلى ما عرف بـ"كامب ديفيد 2000" لبحث تلك المخطط، فيما غابت هذه الملفات عن بال الإدارة الأمريكية الحالية، أو ربما تجاوزتها عامدة.
متابعون للمشهد تساءلوا عن مصير المقترحات التي وضعها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عام 2000، واستغربوا تجاهل الإدارة الأمريكية (الديمقراطية) الحالية لتلك المفاصل المهمة التي كانت في صالح القضية الفلسطينية في الكثير من نقاطها، واعتبروا أن المقترحات الأمريكية الحالية غير قابلة للتحقيق؛ بالنظر لموقف اليمين في إسرائيل والذي يردد علانية رفضهم لفكرة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، أو عقد السلام مع الفلسطينيين.
وينظر المتابعون إلى المقترحات الأمريكية باعتبارها أفكارا تخديرية جديدة توضع أمام الفلسطينيين لكسب المزيد من الوقت ومنح الاحتلال فرصة لالتقاط أنفاسه وإعادة ترتيب خططه وغاياته، لا سيما تلك المتعلقة بتهجير الفلسطينيين؛ بحكم أن عدد الفلسطينيين داخل المدن المحتلة عام 1948 زاد عن عدد اليهود للمرة الاولى تاريخيا، وهو ما أصبح يشكل تهديدا ديمغرافيا للعدو يجب التخلص منه.
وفي ذات السياق بعد مرور 134 يوما على بدء العدوان على قطاع غزة أكد الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة إن طوفان الأقصى انطلق من أجل القدس، في دلالة على أن الصراع الأساسي قائم على النقطة المتعلقة بقبلة المسلمين الأولى، فيما تجاهلت الخطة الأمريكية الخوض في صلب هذا الموضوع ومرت عبره بطريقة هامشيةن وهو ما يجعل من تنفيذ تلك الخطة أمر أقرب إلى المستحيل.
ويبقى السؤال على طاولة المفاوضات، هل يفرض السلام في الشرق الأوسط أخيرا؟ فيما تظل الإجابة راسخة على رقعة الشطرنج؛ حيث يحرك الطرف الفلسطيني و"الإسرائيلي" حجارة الدست، وهما الوحيدين القادرين على تقرير الشكل المستقبلي للقضية الأعنف، والأصعب.