الصورة أرشيفية
ليلة الإسراء والمعراج تبث في النفوس العزيمة والصبر على تجاوز الشدائد
تفوح من ذكرى ليلة الإسراء والمعراج التي تصادف يوم غد الخميس رسائل عميقة ومعاني بليغة، تبث في النفس العزيمة والإرادة على تخطّي الشدائد، وتبشّر بقرب زوالها، فالشدة لا تدوم والألم لا يبقى، فكلما ادلهمت الظلمة قرب بزوغ الصبح، وما من عسر إلا ويعقبه اليسر.
فكما جاءت معجزة الإسراء بعد سنوات من المشقة والصبر الذي بذله النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإننا نستبشر في ذكراها خيراً ويقينا برحمة الله تعالى، في أن يرفع عن الأمة والبشرية جمعاء هذا البلاء، وفقا لأكاديميين وعلماء دين.
وجاءت دعواتهم عبر وكالة الأنباء الأردنية (بترا) إلى العمل والاجتهاد والتعاون من خلال الأخذ بالأسباب المادية ووقوف أفراد المجتمع كالجسد الواحد بتضامنهم وتكاتفهم وتعاطفهم لمواجهة الجائحة والتخلص منها، واللجوء إلى الله وحده بالذّكر والدعاء، والثبات والصبر للخروج من حلق الضيق إلى أوسع الطريق.
سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد الكريم الخصاونة قال لـ (بترا) إنه في الوقت الذي بعث الله تعالى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هادياً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، واجه عليه الصلاة والسلام تحديات عظيمة، في سبيل الدعوة إلى الله، وقد بلغت هذه الابتلاءات أوجها في عام الحزن، حين مات عمّه أبو طالب الذي كان يحميه ويدافع عنه، وزوجته خديجة التي كانت تواسيه، وتدعمه، وبعد أن لاقى الأذى من أهل الطائف، ما أثار فيه بواعث الحزن.
فجاءت مواساة الله تعالى له بإحدى أعظم المعجزات، تطييباً لنفس نبيه صلى الله عليه وسلم، ورسالة له تدعوه للصبر والثبات على العقبات والمحن، وإشارةً له إلى أن الله تعالى لا يتخلى عن عباده الصادقين المخلصين، فإن خذله أهل الدنيا، فإن أهل السماء سينصرونه، وإن وضع المشركون من قدره، فإن الله سيرفع مكانته ويعلي ذكره في الملأ الأعلى، وإن أخرجه أهل مكة والطائف من أرضهم، فإن الله يدعوه إلى زيارة البيت المعمور، وسدرة المنتهى، في أرفع مكان وأعلى مقام، وفقا لسماحته.
وأوضح أنه أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ليبدأ بعمارة الأرض بعد خرابها وإصلاحها بعد فسادها، ومن المسجد الأقصى عُرج بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى السموات العُلا ووصل إلى سدرة المنتهى إلى حدٍّ انقطعت عنده علوم الخلائق من ملائكة وإنس وجن، ورأى من آيات ربه الكبرى، وقرّبه الله تعالى من حضرته القدسية، وأسبغ عليه من فيض نعمه وفضله.
وبين سماحة الشيخ الخصاونة أن المسجد الأقصى بهذه الرحلة المباركة هو جزء لا يتجزأ من عقيدة المسلمين ودينهم، فهو مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، وإليه تشد الرحال، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى "، فالمسجد الأقصى متقدمٌ على غيره من المساجد، وهو ثاني بقعة ظهرت فيه معالم العبودية لله عز وجل.
وأشار إلى أن القدس والمسجد الأقصى ارتبطتا ارتباطاً وثيقاً بالأردن من خلال ارتباطهما المباشر بالهاشميين، فهم سلالة النبي صلى الله عليه وسلم، وآل بيته الأطهار، فارتباطهم بهما هو ارتباط عقائدي قبل أن يكون في السياقين الإداري او القانوني.
فالعلاقة بين الهاشميين وبيت المقدس، كما أوضحها الشيخ الخصاونة، علاقة تاريخية لم تنفصم عراها منذ مبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فالقدس هي ضمير الأمة وقلبها النابض ولم يزل الهاشميون يقدمون لها الرعاية والدعم والإعمار على امتداد أدوارهم التاريخية، منذ عهد الشريف الحسين بن علي رحمه الله، إلى عهد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه، وهي من لبَّ عقيدتهم وإيمانهم في واجبهم اتجاه مقدساتهم الإسلامية وانتمائهم لأمتهم العربية والإسلامية.
ورأى أن أعظم درس يمكن أن نتعلمه من معجزة الإسراء والمعراج ونحن في زمن المحن وانتشار الوباء هو الصبر، كما صبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن المسلم يعمل بجد واجتهاد ويأخذ بكل الأسباب المادية والوسائل العملية التي تقيه من الوقوع في البلاء والتعرض للأمراض، وأن يلجأ إلى الله تعالى وعندئذ فالفرج قريب.
عضو رابطة علماء الأردن وعضو مؤسس في اتحاد الأكاديميين والعلماء العرب الدكتور محمد مصلح الزعبي، بين أن هذه الرحلة أسعدت النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلت روحا جديدة تسري فيه وفي أصحابه، وشحذت همته ورفعت معنوياته بشكل كبير.
وقال وهو أستاذ الحديث النبوي في جامعة آل البيت، تمر هذه الذكرى بنا والعالم بأسره يعاني من جائحة كورونا، لنستذكر المصائب والشدائد التي أصابت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فكان المخرج الوحيد منها هو اللجوء إلى الله جل جلاله وتجديد الثقة به والحرص على رضاه والتضرع إليه بالدعاء بكشف البلاء، ونصرة المسجد الاقصى.
أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور علاء الدين عدوي قال إن معجزة الإسراء والمعراج خالدة في كتاب الله الكريم، فكانت باسمها سورة من سوره، وهي سورة الإسراء، مبينا أن للمعجزة العظيمة دلالات على أن الله سبحانه وتعالى استجاب دعاء نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم، ونصره وأمده بالقوة، وأيده بالثقة بصدق دعوته، ونشر رسالته الوسطية، وفرض الله في هذه الليلة المباركة خمس صلوات، لتكون الصلاة معراجا لأرواح العباد كل يوم وصلة دائمة بالله العلي الكريم، يعيش المسلم كل يوم أثر الإسراء والمعراج في صلاته ويستذكر معاني تلك المعجزة العظيمة.
وأوضح أن هذه المناسبة العزيزة تأتي لتشحذ في النفوس الهمم والعمل والاجتهاد والوقوف كالجسد الواحد بالتضامن والتكاتف والتعاطف لمواجهة أزمة كورونا والتخلص منها، فالنبي الكريم صاحب الإسراء والمعراج رسم صورة عظيمة للمجتمع بقوله: "مثل المؤمنين في توادهم، وتعاطفهم، وتراحمهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى".
وفي هذا حث نبينا الكريم على طلب السلامة للنفس وللآخرين ودفع الأذى والضرر عنهم بعدم نقل المرض إليهم، في قوله صلى الله عليه وسلم:" المسلم من سلم الناس من لسانه ويده"، بحسب الدكتور عدوي.
وأشار إلى أن للإسراء والمعراج أثر عظيم في حياة النبي الكريم وصحابته، والمسلمين من بعدهم، إذ جاءت هذه المعجزة لتحول المحنة إلى منحة، وتهوّن من آثار المصاعب والشدائد والمشقة والابتلاءات، وتجعلهم أقوى وأقدر على التعامل معها والصبر عليها.
أستاذ الشريعة في جامعة آل البيت الدكتور محمد حمد عبد الحميد، قال: حري بنا أن نستظل بظلال هذه الذكرى العطرة في زمن الجائحة، لنستلهم منها الدروس والعبر، ولعل من أبرزها الأمل والعمل وعدم اليأس رغم الظروف الصعبة.
وفي هذا السياق دعا إلى الاستفادة من البعد التربوي لهذه المناسبة العزيزة بإحياء الأمل في النفوس، في وقت أحوج ما يكون الناس إليه، بعد أن أصاب البعض منهم الإحباط واليأس، وهو أمر لا يجوز بحق المسلم الذي يعلم أن له ربا أمره بيده، وهذا -لا قدر الله- استسلام للمرض والجائحة وفيه عواقبه خطيرة، مشيرا إلى أن رحلة المعراج أظهرت مكانة النبي عند الله تعالى، فقد وصل لمكان لم يصل اليه نبي مرسل ولا ملك مقرب،أستاذة التفسير وعلوم القرآن في الجامعة الأردنية الدكتورة يسرى احمد اليبرودي، قالت إن معجزة الإسراء والمعراج تحمل الكثير من المعاني، وما كانت لتحدث هذه المعجزة إلا بفضل ذكر النبي محمد الكثير لربه، والذي رفعه عند ملائكته وخلقه، مشيرة الى ان ما نعيشه اليوم في ظل الجائحة يحتاج منّا إلى التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير الكثير.