عمالة الأطفال
تحذيرات من تزايد عمالة الأطفال في الأردن بعد أزمة "كورونا"
يعد اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال الذي يصادف في 12 حزيران من كل عام؛ فرصة للوقوف على حالة عمالة الأطفال، حيث يوجد أكثر من 152 مليون طفل يخضعون للتشغيل في العالم قبل الدخول في أزمة وباء "كورونا المستجد"، منهم 72 مليون يعملون في مهن خطرة. الأمر الذي يمنعهم من ممارسة طفولتهم الطبيعية، ويحرمهم من فرصة التعليم الطبيعي، بالإضافة إلى أن كثيرًا منهم لا يتلقون غذاءً سليمًا أو أي نوع من أنواع الرعاية، وبذلك يحرمون من حقوقهم الأساسية.
وأقرّ الأردن عدداً من التشريعات لمكافحة عمل الأطفال في السنوات الأخيرة، وذلك بهدف خفض معدلات انتشار هذه الظاهرة، مثل: زيادة الغرامات على صاحب العمل المشغل للأطفال، منع تشغيل الأطفال لمن هم أقل من 16 عاماً تحت أي ظرف.
ووفق لتقرير المرصد العمالي الاردني، الذي اطلعت عليه "رؤيا"، انه علـى الرغـم مـن أن القانـون الأردني يحظـر تشغيل من هم تحت 16 عاماً، فـإن معدلات عمالـة الأطفال سـجلت ازديـادًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية. وبحسب أحدث الإحصائيات المتوفرة في في الأردن لعام 2016، والتي أعدتها منظمة العمل الدولية بالتعاون مع دائرة الإحصاءات العامة ووزارة العمل؛ فإنّ أكثـر مـن 70 ألف طفـل فـي الأردن منخرطـون فـي مجـال عمالـة الأطفال، منهم 45 ألفًا يعملون بمهن خطرة.
ويقصد بالأطفال حسب التعريف الذي قدمته اتفاقية حقوق الطفل المعتمدة من الأمم المتحدة عام 1989:"جميع الأشخاص الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 عاماً". وفي هذا السياق تم تقسيم الأطفال إلى شريحتين: الأولى تتمثل في الأطفال دون سن 16 عامًا، ويحظر تشغيلهم بأي شكل من الأشكال، والشريحة الثانية تتمثل في الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين (16-18) عاماً، يسمح بتشغيلهم في مهن غير خطرة وغير مضرة بالصحة.
هذا إلى جانب تأكيد أهداف التنمية المستدامة SDGs 2030 على أولوية مكافحة عمالة الأطفال، حيث نصت الغاية السابعة من الهدف الثامن على "اتخاذ تدابير "فورية" لضمان حظر واستئصال أسوأ أشكال عمل الأطفال، بما في ذلك تجنيدهم واستخدامهم كجنود، وإنهاء عمل الأطفال بجميع أشكاله بحلول عام 2025".
تفاقم الأسباب
وتعود الارتفاعات التي طرأت على عمالة الأطفال في الأردن إلى عدة أسباب، وأبرز هذه الأسباب؛ تفاقم التفاوت الاجتماعي وعدم المساواة، إضافةً إلى تراجع مؤشرات العدالة الاجتماعية، والتي نجمت بشكل أساسي عن تنفيذ سياسات اقتصادية لم تأخذ بعين الاعتبار النتائج والآثار الاجتماعية لهذه السياسات، والتي تركزت خلال العقود الماضية على تحرير الاقتصاد الوطني، والإمعان في تنفيذ سياسات مالية تقشفية متنوعة.
الأمر الذي أدى على أرض الواقع إلى تراجع المستويات المعيشية لقطاعات كبيرة من الأسر الأردنية، والتي برزت مؤشراتها بشكل واضح في ازدياد رقعة الفقراء، فالمؤشرات الرسمية ذات العلاقة تفيد بأن نسبة الفقر في الأردن ارتفعت من 13.3% عام 2008 إلى 14.4% عام 2010، والرقم المعلن من قبل الحكومة في عام 2018، والذي يشير إلى أن معدلات الفقر في الأردن يبلغ 15.7%، إضافةً إلى نسبة "الفقراء العابرين" الذين عاشوا الفقر ثلاثة أشهر على الأقل في السنة، والتي تشير أرقام البنك الدولي أن نسبتهم تقارب ما نسبته 18.6% من المجتمع.
وتشير مختلف المعطيات أن عمالة الأطفال سوف تزداد بشكل ملموس، وذلك جراء تداعيات أزمة فيروس "كورونا المستجد"، والتي تشير أيضًا إلى أن معدلات البطالة سوف ترتفع بشكل كبير إلى جانب ارتفاع معدلات الفقر. الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى زيادة عمالة الأطفال. لأن غالبية الأطفال العاملين ينحدرون من أسر فقيرة، حيث تضطر هذه الأسر لدفع أبنائها إلى سوق العمل للمساهمة في توفير دخل للأسرة، و/أو غير قادرة على الاستمرار في الإنفاق على أطفالها في المدارس.
التشريعات الوطنية
يمكن القول أن التشريعات الوطنية الناظمة لعمل الأطفال تتواءم مع المعايير الدولية ذات العلاقة بشكل كبير، إذ أن قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996 والتعديلات التي أجريت عليه، يحظر تشغيل الأطفال والأحداث، فقد نصت المادة (73) منه، على منع تشغيل الأحداث (الأطفال) الذين لم يكملوا سن السادسة عشرة من عمرهم بأي صورة من الصور، وحظرت المادة (74) من القانون ذاته تشغيل الأحداث الذين لم يكملوا الثامنة عشرة من عمرهم في الأعمال الخطرة أو المضرة بالصحة.
وهذا ينسجم مع الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بإلغاء والحد من عمالة الأطفال أهمها: اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1989 ودخلت حيز التنفيذ عام 1990، إلى جانب بعض اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتمثلة في اتفاقية الحد الأدنى لسن الاستخدام رقم 138، واتفاقية حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال رقم 182، واتفاقية العمل الجبري رقم 29.
ورغم أهمية التشريعات الوطنية في مكافحة عمالة الأطفال، الا أن الواقع أقوى منها، اذ أن الديناميات التي تحرك الاقتصاد الأردني وتزايد معدلات البطالة والفقر وجودة التعليم هي العامل الحاسم في زيادة أو تقليل عمالة الأطفال.
التوصيات
إعادة النظر في السياسات الاقتصادية التي يتم تطبيقها في الأردن منذ العقود الماضية، والتي أدت إلى زيادة معدلات الفقر، إذ أن أغلبية الأطفال العاملين ينتمون إلى أسر فقيرة، تدفعهم حاجتهم لإخراج أطفالهم من مقاعد الدراسة، أو التغاضي عن تسربهم من المدارس بهدف المساهمة في توفير مداخيل إضافية تساعد هذ الأسر على تلبية حاجاتها الأساسية.
إعادة بناء منظومة الحماية الاجتماعية على أساس حقوق الانسان، بحيث توفر الحياة الكريمة للجميع، وخاصة الفقراء بمختلف أنواعهم، واعادة النظر بسياسات الأجور باتجاه زيادتها بما يتواءم مع مستويات الأسعار المرتفعة في الأردن.
وقف العمل بأمر الدفاع رقم 6 وملاحقاته من قرارات وبلاغات، وذلك كي تعود مستويات الأجور إلى مستوياتها الطبيعية قبل الأزمة، كخطوة أولى قبل زيادتها، لتمكين الأسر من الحصول على الحياة الكريمة.
تطوير العملية التربوية والتعليمية خلال المرحلة الأساسية للحد من عمليات تسرب الأطفال من مدارسهم، وتوفير وسائل التعلم عن بعد للطلاب، لجميع الطلبة بشكل عادل.
تشديد الرقابة من قبل المؤسسات الرسمية على الأماكن التي تتركز فيها عمالة الأطفال، والعمل على تطبيق القوانين التي تحظر عمل الأطفال، ووضع عقوبات رادعة بحق المخالفين وعدم الاكتفاء بدفع غرامات بسيطة، هذا إلى جانب تفعيل الحملات التوعوية حول الآثار السلبية الناتجة عن عمل الأطفال في المدارس والأسر.
ضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته تجاه اللاجئين السوريين، للحيلولة دون اضطرارهم لدفع أطفالهم إلى سوق العمل لمساعدة اسرهم في تغطية نفقاتهم الأساسية.
ضرورة تطوير قاعدة بيانات دقيقة يتم تحديثها دوريًا لعمالة الأطفال في الأردن.