Please enable JavaScript
Email Marketing by Benchmark
الذكرى الستون لتعريب قيادة الجيش العربي الأردني | رؤيا الإخباري

الذكرى الستون لتعريب قيادة الجيش العربي الأردني

الأردن
نشر: 2016-02-29 22:04 آخر تحديث: 2016-07-30 15:50
الذكرى الستون لتعريب قيادة الجيش العربي الأردني
الذكرى الستون لتعريب قيادة الجيش العربي الأردني

رؤيا - بترا - يعتبر الأول من آذار (مارس) يوما مجيدا من أيام الوطن العابقة بالمجد والسؤدد، فيه تحمل ذاكرة الوطن وأيامه الخالدة إلى عقود ستة مضت، حفلت بمحطات فخار عنوانها تطور الجيش العربي، حيث تتزامن هذه الذكرى لهذا العام مع ذكرى ترتبط ارتباطا عضويا بهذا الجيش. وهذا التاريخ الذكرى المئوية الأولى لانطلاقة ثورة العرب الكبرى، وانبعاث مشروعها النهضَوي على يد المنقذ الأعظم الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه.

كان الأول من آذار (مارس)  لعام 1956، مرحلة تاريخية مهمة وانطلاقة واضحة المعالم في تاريخ هذا الجيش، ففي هذا اليوم اتّخذ جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، قراره القومي والتاريخي بتعريب قيادة الجيش العربي، حيث دوى صوت الحسين بنبراته القوية التي تعوّدنا عليها، ليعيد للوطن مجدا فوق ما له من مجد، وليضيف صفحة ناصعة للتاريخ الأردني العابق بالكرامة والحرية.

لقد مثلت خطوة تعريب قيادة الجيش العربي الأردني، محطة مفصلية في حياة الأردن والقوات المسلحة، حينما أقدم جلالة المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه، على اتخاذ هذا القرار الوطني والقومي الجريء، وذلك بإعفاء الجنرال كلوب من منصبه، وتعيين ضابط أردني قائداً للجيش، ليكون جيشاً عربياً هاشمياً واسما على مسمى.

لقد نبع هذا القرار وتلك الخطوة الجريئة من قيادة وعت حجم المسؤولية وكانت على قدر حملها، حيث جاء قرار الحسين، وجلالته في ريعان شبابه، حيث لم تمض سوى فترة قصيرة على تسلم جلالته سلطاته الدستورية، فجاء القرار تجسيداً حياً لكل التطلعات الكبيرة التي كانت تجول في قلب وعقل الملك الشاب، وتمنحه القوة والعزم والتصميم على استكمال تحرير الإرادة الوطنية بالانعتاق النهائي من هيمنة الأجنبي ونفوذه، الأمر الذي جعل من هذا القرار بداية لسلسلة طويلة من التطورات الوطنية الكبيرة التي تشكل في مجملها الملامح الأساسية لمسيرة الأردن القومية.

لم يكن اتخاذ قرار تعريب قيادة الجيش بالأمر السهل أو المألوف، فهو قرار يحتاج إلى قائد فذ بطل لا يضع نصب عينيه إلا حاضر وطنه ومستقبل شعبه وأمته، المستند أساسا إلى إرث تاريخي متجذر في وجدان القائد، فشكل هذا القرار محطة بارزة في نهج ومسيرة تحديث الدولة التي سارت بخطى واسعة نحو إتمام معاني الاستقلال والقرار السيادي الأردني، وإعطاء الجيش العربي حرية اتخاذ قراره وتأهيل كوادره وتسليحه، والتفكير الواقعي بأولوياته وما هو مطلوب منه في المراحل اللاحقة.

طموحات ملك شاب

لقد جاء قرار تعريب قيادة الجيش منسجماً وملبياً لطموحات الملك الشاب، الذي كان يدور في خلده منذ كان طالباً في كلية ساند هيرست، أن الجيش العربي تحت قيادة غير عربية سيبقى دون طموحات قيادته العليا، التي تريده أن يؤدي دوره في حماية الوطن وتأهيل ضباطه وتحقيق أهدافه التي وجد من أجلها، وصون ممتلكاته ومنجزات استقلاله، ومنع المعتدين أياً كانوا من النيل من سيادته على ترابه الوطني.

ويقول جلالة المغفور له عن تلك الخطوة في كتاب مهنتي كملك "لقد كنت مصمماً على إنشاء جيش قوي متوازن يدعمه غطاء جوي هام، وقد كان تحقيق ذلك مستحيلا ما دام كلوب بيننا، فكان علي إذن أن أنفصل عنه".

وصلت علاقات جلالة المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه في مطلع عام 1956 بكلوب إلى نقطة اللاعودة، فكان الحديث عن استبداله هاجساً متكرراً في فكر جلالته، حيث اتُّخذ القرار دون علم أي من المقربين إليه، وقد ذكر أسباب قيامه باتخاذ هذا القرار وإصراره على تنفيذه فوراً في كتاب مهنتي كملك حيث قال "يجهل الرأي العام عموماً أن عزل كلوب كان قضية أردنية تماماً، لقد كان السبب الرئيسي في عزله يقوم على عدم التفاهم بيننا، وعلى خلافنا حول مسألتين جوهريتين هما: دور الضباط العرب في جيشنا، واستراتيجيتنا الدفاعية، فأحد واجباتي كملك هو تحقيق الأمن لشعبي وبلادي، ولو لم أقم باستبداله لما كنت قد مارست أعباء مسؤولياتي".

ويضيف طيب الله ثراه قائلاً، "لقد طلبت مراراً من الإنجليز أن يدربوا مزيداً من الضباط الأردنيين القادرين على الارتقاء إلى الرتب العليا، وكان البريطانيون يتجاهلون مطالبي، كان أعلى منصب يستطيع أن يطمح فيه الأردنيون هو منصب قائد سرية ولا شيء أكثر من ذلك، بعد أشهر من المفاوضات اتسمت بالصبر والأناة استجيب الى طلبي، وذلك بقبول إنجلترا أن تفرض علينا خطة للتعريب يتم بمقتضاها منح الضباط الأردنيين في المستقبل مزيداً من الامتيازات، لقد كانت كلمة المستقبل تعني للإنجليز، وقد أبلغوني بذلك رسمياً، بأن سلاح الهندسة الملكي في الجيش العربي الأردني سوف يتولى قيادته ضابط عربي في عام 1985، وتقول حكومة بريطانيا إنها سوف تتحدث عن التعريب بعد ثلاثين سنة".

قائد فذ وحكيم رأى وضع الأمور على مسارها الصحيح، فنفذ في الأول من آذار (مارس) عام 1956 قراره القومي والتاريخي بتعريب قيادة الجيش العربي، وتحريره من قيادته الأجنبية، وأيقن أنه في الوضع السياسي الجديد الذي أوجده قيام إسرائيل كان لا بد من إعطاء الجيش إحساساً بالمسؤولية والكبرياء، ووفقاً لذلك فقد أعفى الفريق كلوب من منصبه، وعيَّن ضباطا أردنيين في جميع المراكز القيادية.

إنهاء خدمة الفريق كلوب

كانت خطوة تعريب قيادة الجيش العربي خطوة شجاعة، جاءت في ظروف سياسية صعبة، ومحيط مضطرب شهدتها حقبة الخمسينيات من القرن المنصرم، قرار كان على موعد مع القائد والوطن والشعب، أفصح عنه جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه عندما طلب عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء ترأسها رحمه الله بنفسه، وأبلغ فيها رئيس الوزراء آنذاك سمير الرفاعي، برغبته في إنهاء خدمات الفريق كلوب وتسفيره إلى بلاده حالاً، وعند الساعة الثانية والنصف من ظهر يوم الأول من آذار (مارس) عام 1956، وتنفيذاً للرغبة الملكية السامية، حمل رئيس الديوان الملكي القرار إلى جلالته فوشحه بالتوقيع الملكي السامي حيث نص القرار على:

 بناءً على الرغبة الملكية السامية قرر مجلس الوزراء ما يلي:

أولاً: إنهاء خدمة الفريق كلوب من منصب رئاسة أركان الجيش العربي الأردني.

ثانياً: ترفيع الزعيم راضي عناب إلى رتبة لواء وتعيينه رئيس أركان حرب الجيش العربي الأردني.

ثالثاً: إنهاء خدمات القائم مّقام باترك كوجهل مدير الاستخبارات.

رابعاً: إنهاء خدمات الزعيم هاتون مدير العمليات العسكرية.

وفي يوم الجمعة الثاني من آذار (مارس) وبناءً على أوامر جلالة المغفور له الملك الحسين رحمه الله، غادر الفريق كلوب الأردن من مطار عمان.

ويقول جلالة المغفور له في رده على رسالة رئيس الوزراء البريطاني التي جاء فيها أن الملك يتحمل المسؤولية ونتائج هذا القرار: "أنا أقدمت على هذا العمل وأعرف نتائجه وهذا حقي وأنا مارست هذا الحق ولا رجعة فيه مطلقاً وجاء رده، يرحمه الله، رداً حازماً نابعاً من حبه لوطنه وشعبه وقوميته".

وفي الساعة السابعة والنصف نقلت الإذاعة الأردنية من مدينة القدس، القرار الذي لم يكن يتوقعه أو يخطر على بال أحد، وحمل الأثير صوت الراحل العظيم يزف البشرى للشعب الأردني بنبراته القوية الواضحة قائلا:

" أيها الضباط والجنود البواسل، أحييكم أينما كنتم وحيثما وجدتم، ضباطاً وحرساً وجنوداً وبعد، فقد رأينا نفعاً لجيشنا وخدمة لبلدنا ووطننا، أن نجري بعضاً من الإجراءات الضرورية في مناصب الجيش، فنفذناها متكلين على الله العلي القدير، ومتوخين مصلحة أمتنا وإعلاء كلمتها، وإنني آمل منكم كما هو عهدي بكم النظام والطاعة، وأنت أيها الشعب الوفي هنيئاً لك جيشك المظفر الذي وهب نفسه في سبيل الوطن، ونذر روحه لدفع العاديات عنك مستمداً من تاريخنا، روح التضحية والفداء، مترسماً نهج الأُلى في جعل كلمة الله هي العليا، إن ينصركم الله فلا غالب لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

ووجه جلالة الراحل العظيم بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة اهتمامه ورعايته لبناء الجيش الذي أسسه جده الملك المؤسس، ليجدد جيش الثورة العربية الكبرى، ويجعله قوياً في الإرادة قادراً على تحمل أعباء مسؤولياته الوطنية والقومية الشاملة، إعداداً وتدريباً وتسليحا، وتأهيله وفق أحدث الأساليب العسكرية، وكان يرحمه الله عندما أقدم على هذه الخطوة الشجاعة الجريئة يتمثل وصية جده الملك المؤسس المغفور له عبدالله بن الحسين حيث قال له: "تذكر يا بُني أن أهم شيء في الحياة هو أن يكون لدى المرء العزم والتصميم على العمل، وأن يكون مستعداً لأن يعطي خير ما في نفسه على الرغم من العوائق، ومهما كانت الصعوبات، وعندها فقط تستطيع أن تعيش مطمئن النفس مع الله ومع ضميرك".

لقد كان للقرار أبعاد سياسية وعسكرية كثيرة، نجملها في هذا المقام على سبيل المثال لا الحصر:

1. استكمال القرار السيادي العسكري. حيث شكل إقصاء الجنرال كلوب وتسليم قيادة الجيش إلى ضابط عربي أردني، هو اللواء راضي عناب، استكمالاً للقرار السيادي الأردني، واستكمالا لمعنى الاستقلال الحقيقي للمملكة الأردنية الهاشمية، الذي تم في الخامس والعشرين من أيار (مايو) لعام 1946، حيث مثّل فصلا من فصول كتاب المجد الأردني، وكان إلغاء المعاهدة البريطانية عام 1957 فصلاً آخر من فصولها المشرفة .

2. التعاون العسكري. حيث تم عقد اتفاقيات للتعاون العسكري المشترك مع الدول العربية الشقيقة، مثل مصر وسورية والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية، وتم تقديم معونة سنوية مقدارها (36) مليون دولار بدلاً من المعونة البريطانية، وذلك بموجب اتفاقية التضامن العربي التي وقعت في مصر في 19 كانون الثاني (يناير) 1957.

3. إنهاء الوجود العسكري الأجنبي. حيث شكل قرار جلالته بتعريب قيادة الجيش العربي بداية لنهاية النفوذ البريطاني في الأردن، وجلاء الوجود العسكري البريطاني عن الأردن نهائياً.

4. الجيش العربي جيش للوطن والأمة. بعد قرار تعريب قيادة الجيش العربي وحرية القرار العسكري الأردني، أصبح الجيش العربي الأردني جيشاً للوطن والأمة، ودليل ذلك وقوفه مع الأشقاء العرب في أزماتهم كوقوفه إلى جانب الشقيقة مصر أثناء العدوان الثلاثي عليها عام 1956م، وكذلك مواقفه المشرفة تجاه الأشقاء العرب في كل بقاع الوطن العربي الكبير في المحن والكوارث التي تعرضوا لها، واستطاع الأردن التعامل مع الأحداث الجسام التي كانت تعصف بالمنطقة وتجاوزها بسلام.

5. تعبئة الموارد البشرية. حيث قام جلالة الملك الحسين بإصدار توجيهاته لتطبيق تجربة فريدة من نوعها عام 1962م بتشكيل معسكرات لطلاب المدارس الثانوية خلال العطل الصيفية، بإشراف وزارة الدفاع والتربية والتعليم والداخلية (معسكرات الحسين)، وذلك لتدريب الطلاب فيها على الحركات العسكرية، واستعمال الأسلحة الخفيفة، وقدمت القوات المسلحة المدربين من الضباط وضباط الصف، وقد اشترك في أول معسكرات أقيمت في 1962/6/14م (3920) طالباً قُسِّموا على (12) معسكراً .

6. فصل الشرطة والدرك عن الجيش العربي. حيث صدر قانون بفصل الشرطة والدرك عن الجيش العربي اعتباراً من 14 تموز(يوليو)، وإنشاء مديرية للأمن العام وجعلها مسؤولة عن رجال الشرطة والدرك، وعُيِّن الزعيم بهجت طباره مديراً للأمن العام.

ومجمل القول أن قرار تعريب قيادة الجيش العربي الذي اتخذه المغفور له الملك الحسين في الأول من آذار(مارس) 1956، كان قراراً استراتيجياً على المستويين السياسي والعسكري، وكان جريئاً ومهماً على الصعيدين الوطني والقومي وكذلك الدولي، ونابعاً من فكر جلالة الملك الحسين عليه رحمة الله، ويهدف إلى النهوض بالأمة وقواتها المسلحة، وخدمة قضايا الأمة، وقد جنى الجيش العربي ثمار هذا القرار، وتمكن بتوجيهات من جلالة الملك الحسين وإشرافه ومتابعته من الاعتماد على نفسه قبل الوقت الذي حدده الانجليز، وعلى رأسهم الجنرال كلوب بثلاثين عاماً، وتبوأت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي مكانة عربية ودولية متميزة، وقامت بواجباتها تجاه قضايا أمتها ووطنها، وساندها في تحقيق ذلك رجولة وتضحيات أبنائها وحكمة وشجاعة قيادتها.

تداعيات قرار تعريب قيادة الجيش العربي على المستوى الدولي

في بريطانيا جاء ذلك على لسان جيمس لنت في كتابه (الحسين حياة ومسيرة) حيث يقول: "كانت ردة الفعل في بريطانيا على طرد كلوب صاخبة وهو ما أدهش الحسين الذي مارس حقاً من حقوقه الدستورية".

وكتبت جريدة (نيوز كرونيكل) عن هذا الحدث واعتبرته فشلاً نتيجة تجاهل بريطانيا لطموح شعوب الشرق الأوسط.

وفي الولايات المتحدة قال الرئيس الأميركي آيزنهاور لجلالة الملك رحمه الله "إنك بطل والبطولة ليست ملك شعبك بل هي للعالم".

وفي الاتحاد السوفييتي وصفت جريدة البرافدا السوفييتية نبأ عزل كلوب بأنه "انتصار كبير للشعب الأردني في نضاله من أجل التحرر من السيطرة الأجنبية".

وكتبت جريدة الشعب الصينية بأنه "بمثابة نصر جديد للأردنيين في نضالهم ضد ميثاق بغداد وان إقصاء كلوب كان أمراً لا بد منه ليتاح للأردن الدفاع عن سيادته".

أما على المستوى العربي فقد جاءت ردود الفعل مؤيدة ومشجعة تحمل الفرح والسرور بقرار الملك الشاب الذي حيّر العالم كله، حيث كتبت جريدة الجمهورية المصرية يوم 4 آذار (مارس) 1956  مقالاً تحت عنوان: (سلمت يداك يا حسين) جاء فيه " لقد خفقت قلوب العرب جميعاً لقرارك بالأمس يا حسين، الذي بعث القوة في وطن العرب من مشرقه إلى مغربه، فليس سراً أن كل عربي كان يتأذى من هذا الوضع الذي يجعل قيادة جيش عربي في يد غير عربي، في الوقت الذي نؤمن فيه جميعاً نحن العرب بإخلاص هذا الجيش وثقافته في عروبته، ونؤمن أيضاً بكفاءته وغيرته، لقد أرضى قرارك يا حسين كبرياء العرب وطموحاتهم، وحقق آمالهم وأمانيهم، إن خمسة وأربعين مليون عربي يشدون على يديك يا حسين عملاً وقولاً.. فسر على بركة الله أيها الملك وسيؤيدك الله بنصره".

أما جريدة الجنار، فقد نشرت في عددها الصادر يوم 6 آذار(مارس) 1956 مقالاً تحت عنوان (حول إقالة كلوب) قالت فيه: "اهتزت دنيا العروبة والإسلام لنبأ إقالة الجنرال كلوب رئيس أركان حرب الجيش العربي الأردني وصفقت كثيراً فرحاً وسروراً رغم تخرص المتخرصين وتقوّل الأفاكين".

لقد فتح قرار تعريب قيادة الجيش العربي الباب على مصراعيه لسلسلة من الأحداث المهمة جرت بنفس العام، وكأن العرب كانوا ينتظرون مثل هذا القرار الجبار بفارغ الصبر منها:

1. في الثاني عشر من آذار 1956، بعث رؤساء دول السعودية ومصر وسورية رسالة مشتركة الى جلالة الملك الحسين، يؤكدون فيها استعداد دولهم تقديم معونة مادية للأردن بدلاً من المعونة البريطانية.

2. في أوائل شهر نيسان (أبريل) 1956، زار جلالته دمشق تلبية لدعوة من الرئيس شكري القوتلي، فاستقبل استقبالاً منقطع النظير في سورية، وتضمن البيان المشترك بعد المحادثات اتفاق سورية والأردن على تنسيق خطط الدفاع والتعاون العسكري بينهما وعلى عدم الانضمام إلى أي أحلاف.

3. قام الرئيس شكري القوتلي بزيارة إلى الأردن في أواخر شهر أيار (مايو) 1956، رداً على زيارة جلالته صدر على إثرها بيان مشترك جاء فيه: "إقرار اتفاقية عسكرية لمواجهة الخطر الصهيوني ورفع درجة التمثيل الدبلوماسي معها إلى رتبة سفير، وإقرار مبادئ الوحدة الاقتصادية والجمركية بين البلدين.. الخ".

4. قام جلالته بإيفاد البعثات العسكرية الى جميع البلاد العربية المجاورة، سعياً منه إلى عقد اتفاقيات لتوثيق التعاون العسكري بين الأردن وتلك الدول وكانت نتيجة هذه المساعي عقد اتفاقيات عسكرية مع لبنان والعراق، السعودية ومصر.

نتائج تعريب قيادة الجيش العربي:

لقد كان قرار الحسين هذا، خطوة على المسار الصحيح لاستقلال الأردن من النفوذ الأجنبي، ونقطة تحول مهمة في تاريخ العرب الحديث، ودافعاً قوياً للأردن للدفاع عن استقلاله وكرامته وحريته، وقد أتاح هذا القرار للأردن بسط سيادته السياسية على كل إقليم الدولة ومؤسساتها، وأعاد الهيبة للجيش والأمة بامتلاك حريتها وصنع قرارها بعيداً عن التهديدات والضغوطات التي كانت تمارس بحقها، وأعطى الفرصة لأبناء الوطن لتولي المسؤولية والتدرب على القيادة العسكرية وخلق القادة من أبناء الأردن.

كما أدت خطوة تعريب قيادة الجيش، إلى توظيف كافة قدرات الجيش وإمكانياته لخدمة أمن الوطن، وصون حقوقه والمحافظة على ترابه ومكتسباته، كما مكن القرار صانعه جلالة المغفور له الملك الحسين من بناء مؤسسة عسكرية حديثة، امتازت بالانضباط ومشاركة القوات المسلحة- الجيش العربي بالخطط التنموية وبناء الوطن، والمشاركة الفاعلة لجيشه في رفد مسيرة البناء والعطاء.

هذا الجيش الذي ساهم في استقرار الكثير من الدول العربية، وتمكن من بناء الروابط القوية مع جيوش المنطقة من خلال تبادل الخبرات، وفتح مدارس التدريب لكافة الصنوف والمعاهد العسكرية العليا التي أهلت ضباط وأفراد هذا الجيش ليكونوا في الطليعة كما أرادهم الحسين يرحمه الله.

واليوم وبعد مضي ستين عاما على هذا القرار التاريخي، يمضي مليكنا المفدى جلالة الملك عبدالله الثاني على خطى الملك الباني يرحمه الله، في تأهيل وتدريب وتسليح القوات المسلحة، حتى غدت أنموذجاً في المنطقة والعالم، ومثالاً بين جيوش العالم في احترافيتها وانضباطها وقوتها، تحمل رسالة الثورة العربية الكبرى، وتدفع العاديات عن وطننا وتضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه المساس بأمنها وأمانها.

وسكن الجيش في قلوب الأردنيين وكل أرض حل عليها وارتحل، يرسم الابتسامة على وجوه من شردتهم الكوارث والحروب، وقدم مواكب الشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فنالوا إحدى الحسنيين، ورووا بنجيع دمائهم الزكية أرض فلسطين، وها هم اليوم يسجلون للعرب مسلمين ومسيحيين صدق قوميتهم وعروبتهم ورسالة إسلامهم السمحة، في التعامل مع الأشقاء الذين ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت من تشريد وتدمير وقتل ودماء تراق وبيوت تتهدم، فكانوا الأيادي التي تمتد لنصرة إخوة لهم، بعدت المسافات بينهم أم قربت، وكانوا البواسل الحاملين لنبض الوطن في قلوبهم وعشقه المتجذر في وجدانهم.

أخبار ذات صلة

newsletter