الملك: نواجه حربا عالمية جديدة بسبب الإرهاب
رؤيا - أكد جلالة الملك عبدالله الثاني خلال كلمة القاها الجمعة في مؤتمر ميونخ للأمن في دورته الثانية والخمسين، ان أزمة اللاجئين السوريين أكبر المآسي الإنسانية في عصرنا.
وأضاف ان الحرب ضد داعش حرب لحماية ديننا وقيمنا ومستقبل شعوبنا.
وتاليا خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني
يسعدني أن أكون معكم مجددا في ألمانيا. إن الروابط التي تجمع الشعبين الأردني والألماني عديدة، فهناك قيم راسخة ومشتركة بيننا، وهي العمل من أجل السلام، والاحترام المتبادل، وحب الخير للجميع.
وقد مكنّت هذه المبادئ ألمانيا من القيام بدور حيوي في عملية التحول السلمي في أوروبا والعالم. وتعتبر الصديقة والمستشارة ميركل خير من يجسدها، وقد لمست شخصيا عزيمتها القوية في الحرب على الإرهاب، ومواجهة التحديات الدولية. وكصديق لألمانيا، أوّد أن أعرب عن تقديري الكبير لحكمتها ورؤيتها.
أصدقائي،
لقد استمعنا جميعا لتحذيرات أطلقها خبراء استراتيجيون من مخاطر التعلق بالماضي، وما يعنيه ذلك من الاستمرار في خوض حروب بائدة، بدل الالتفات إلى مخاطر الحاضر. وباجتماعنا هنا اليوم، علينا أن ندرك أننا بدأنا فعلا خوض الحرب القادمة، وهي صراع جديد ومعقد من أجل المستقبل.
لقد وصفت الأمر بأنه "حرب عالمية ثالثة ولكن بوسائل أخرى". والمقصود هنا، ليس مجرد الإشارة إلى حجم التهديد الذي نواجهه والذي يأخذ طابعا عالميا أكثر فأكثر، ويؤثر بلا شك على المجتمع الدولي بأسره، بل إنه يشير أيضاً إلى ما تشترك به مثل هذه الحروب، وهو قدرتها على أن تكون عاملا في إحداث تغييرات هائلة. فالنصر أو الهزيمة في هذه الحرب سيشكل منظومة القيم العالمية، ويحدد طبيعة أمننا وأسلوب حياتنا لفترة طويلة قادمة، وعلى امتداد القرن الحادي والعشرين.
تجمعنا اليوم مصلحة استراتيجية أساسية تتمثل في ضرورة انتصار التحالف الدولي في سوريا والعراق؛ فالقضاء على عصابة داعش الإرهابية في هذين البلدين يتطلب تكاملا في جهودنا، وهو الأمر الذي يمثل أولوية في منطقتنا. ومع ذلك، فإن الانتصار في هذه الحرب من أجل المستقبل يتطلب منا أن نبذل المزيد.
وعلينا أن نعترف أن هذه العصابة ليست سوى جزء من تهديد عالمي أكبر.
إن الدول الفاشلة، والفوضى في مناطق النزاعات، والانقسامات الطائفية تشكل أرضية خصبة لانتشار وباء الإرهاب والتطرف.
وهذا الوباء يحرض على العنف والوحشية، التي لا تقف عند حدود الدول، فهو يستقطب عناصره المغرر بهم من جميع أنحاء العالم. ونعلم، نحن المجتمعون في هذا المؤتمر اليوم، أكثر من غيرنا أنه ليس هناك أي منطقة في العالم، لا يستهدفها شر هذا الوباء.
أصدقائي،
لهذا، لا بد من التأكيد على أهمية اتباع نهج شمولي، إذ لا يمكننا أن ننجح فقط من خلال التركيز على القضاء على عصابة داعش في سوريا أو العراق، بينما هناك مجموعات إرهابية تابعة لها تعزز وجودها في إفريقيا وآسيا. لقد حان الوقت فعلا لنرتقي إلى مستوى جديد من العمل الدولي، الذي يتطلب منا جميعا توجيه مواردنا، وتنسيق الأدوار والمسؤوليات فيما بيننا، وتوحيد جهودنا العسكرية والأمنية. وعليه، يجب على بلداننا والمؤسسات الدولية العمل بشكل جماعي، وكتحالف دولي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
تقع علينا،نحن العرب والمسلمين، مسؤولية وواجب تصدر جهود محاربة الخوارج. فهذه حرب لحماية ديننا الحنيف، وقيمنا، ومستقبل شعوبنا في النهاية.
إن هذا الجهد يتطلب شراكات دولية واسعة، لأنه عالمي الطابع من حيث اتساع مداه. فجميع الشعوب مهددة من فكر هؤلاء الخوارج، القائم على العنف وازدراء قيمة الحياة البشرية. ولمواجهة هذا التهديد، يجب على دولنا أن تلتزم وتتمسك بالأفكار التي توحدنا في هذه الحرب، وهي إنسانيتنا، وسعينا لإيجاد حلول سياسية، وإيماننا بأهمية العدالة العالمية.
تعد أزمة اللاجئين السوريين قضية ملحة تستحق الاهتمام، فهي من أكبر المآسي الإنسانية في عصرنا، وقد رأينا آثارها على شواطئنا وحدودنا. والأردن هو الأكثر تأثراً بهذه الأزمة، إذ يقابل كل خمسة من أبناء وطني، سوري يستضيفه بلدنا الآن.
كما يجب على عالمنا أن يوحد جهوده على المسار الدبلوماسي. فالقتل في سوريا يجب أن يتوقف إذا أردنا أن نمضي قدما نحو حل سياسي للأزمة هناك، يحمي استقلال ووحدة سوريا، ويمكن الشعب السوري من العيش بكرامة والتمتع بالحقوق التي يستحقها. إن التوصل لهذا الحل السياسي هو المفتاح لنكسب هذه الحرب، وهو ما سيمكننا من تركيز جهودنا على التهديد العالمي للإرهاب.
أصدقائي،
هناك خطوات رئيسية أخرى يجب علينا اتخاذها مجتمعين، ومنها دعم الحكومة العراقية في جهودها لتحرير المدن والقرى من سيطرة عصابة داعش الإرهابية، وهو أمر يتطلب دعم خطوات جادة نحو تحقيق المصالحة الوطنية في العراق، إذ لا ينبغي أن نسمح باستغلال الاختلافات الطائفية والدينية لتنفيذ أجندات سياسية أو كسب النفوذ والسلطة.
كما لا يمكن للمجتمع الدولي الحديث عن الحقوق والعدالة العالمية، فيما يستمر حرمان الفلسطينيين من حقهم في إنشاء دولتهم! لقد أدى هذا الفشل إلى حالة من الظلم والقهر، تستغلها داعش وأمثالها من العصابات الإرهابية. لقد دفع عالمنا كله ثمن ذلك. إن ترك الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، دون حل، سيحوله إلى صراع ديني على نطاق عالمي. وهي مسألة وقت فقط، قبل أن نواجه احتمال اندلاع حرب جديدة في غزة أو في جنوب لبنان، لذلك، يبقى حل الدولتين الأولوية لنا جميعا.
أصدقائي،
أوّد الإشارة إلى أمور تتعلق بأوروبا تحديداً. إن لأوروبا مصلحة، بالتأكيد، في دعمنا كجيران لها على الجانب الآخر من البحر المتوسط. ومن الضروري أن لا نتجاهل أيضا التحديات التي تواجهنا في منطقة البلقان، والتي تستحق دولها، ذات الأغلبية المسلمة، دعمنا لاستباق خطر التطرف.
إن هذه الدول هي جبهة لأوروبا في مواجهة التطرف وهي خط دفاعكم الأول، فلا شيء يمكن أن يكون أكثر تكلفة عليكم من تنامي عدم الاستقرار والتطرف في منطقة البلقان.
ومن الأهمية بمكان قطع الطريق وسد جميع المنافذ أمام المتطرفين ممن يسعون إلى زرع الفرقة والانقسام في ذلك الجزء من قارتكم.
كما أن أحد أبرز التحديات اليوم يكمن في قدرة البعض، ممن يستغلون الدين كغطاء للترويج لأجندات سياسية في دول البلقان لا تخدم مصالح أوروبا. وهو أمر يجب أن نعمل معا لمنعه.
وأدعوكم، من هذا المنبر، أن تنفتحوا على دول البوسنة والهرسك والبانيا وكوسوفو. يجب أن تكون هذه الدول، إضافة إلى دول أخرى في منطقة البلقان، جزء رئيسيا من تكوين أوروبا، وأحد دعائم أمنكم وازدهاركم، ونماذج للتعايش والاعتدال والتسامح، وليكونوا بذلك الجبهة المدافعة عن استقراركم في أوروبا.
آمل أن يتمكن مؤتمر ميونخ للأمن من معالجة هذا التحدي، حتى لا نجد أنفسنا مجتمعين مجددا، بعد عدة سنوات، لمناقشة تهديدات كان بإمكاننا استباقها ومنع حدوثها.
أصدقائي،
إنكم، كقادة على مستوى بلدانكم والعالم مجتمعون هنا، تعلمون أكثر من غيركم طبيعة ما نواجهه من تحديات. وأنتم من يستطيع مساعدة بلداننا، وعلى أحسن وجه، للعمل معا ومواجهتها. وإن لم نتصرف الآن، فإن الأخطار ستتعاظم؛ وإن لم ننسق جهودنا، فسوف نخسر المزيد من فرص النجاح.
وشكرا.