ملف الاسبوع: بين بردِ الجوع وبردِ الطقس مقارباتٌ لا مفر منها
رؤيا - محمد أبو عريضة - الطريق تشي أن المكان ينطوي على بؤس وحرمان وفقر مدقع، ينوء بحمله رجال أقوياء، فمن بين منازل من الحجر الأبيض، تأخذك الطريق إلى منحدر ترابي، تهبط فيه، ينكشف المشهد على خربوش ملون، صنعته أيادٍ غير مدربة في منتصق المساحة بين طريقٍ معبدة، وتلةٍ تحاذي محطة توليد كهرباء في منطقة المقابلين بالعاصمة عمان.
يستقبلك أبوعودة بهيئته الرثة مبتسمًا، وحينما تلج باب الخربوش تطالعك الحقيقة الموجعة، تسأل: ما هي قصة هذه الأسرة؟ وكيف تتعاطى مع البرد القارص؟
ما يزيد في بؤس هذه الأسرة أن الجهات المعنية لا تعرف عن حالها شيئًا، حتى أن وزارة التنمية الاجتماعية قالت لأبي عودة، حينما راجعها: أنت لا تستحق المعونة، والأنكى أن السبب في ذلك يثير العجب.
علاقة الفقر بالبرد علاقة طردية، فكلما زاد الفقر، موضوعيًا يزيد شعور المرء بالبرد.
قصة أبي عودة، مع أنها الأكثر إيلامًا، ليست استثناءً بين حكايات كثيرة، فهذه حكاية أم علي، وسفرها مع الآلام، لم تنتهِ، ويبدو أن نهايتها لم تحن بعد.
للبرد مع أم علي وزوجها أبي علي طرفة، غير أنها طرفةٌ موجعةٌ، فالأمطار داهمت زوجها وهو نائم، بيد أنه لم يشعر بها والسبب بسيط إنه المرض.
وأيضًا للبرد المقترن بالفقر طقوس لامست أوجاع الأرملة من دون أبناء نورا، وجارتها أم محمد بأبنائها الكثر
السيدة أم خالد، برغم أنها تتقاضى تسعين دينارًا من وزارة التنمية الإجتماعية، إلا أنها تعجز في كثير من الأحيان عن شراء الكاز، لتدفئة غرفة تحتمي وابنها تحتها من البرد والأمطار بسقفٍ من الزينكو.
لأبي محمد وقططه الست قصة جميلة مع البرد، فمع أن إمكانياته، بسبب عجزه، بالكاد تكفي لحماية أبنائه من البرد، فإنه حريص أن تنال قططه الست قَسْطًا من الدفء العزيز.
السيدة أم حمزة لم تعدم الوسيلة لتدبير ما تحتاجه أسرتها، فتسعى هنا وتبحث هناك، ما جعل وضع أسرتها أفضل حالًا من غيرها، لكن هذا لا يعني ان البرد لا يزور أحيانًا منزلها البسيط.
وزارة التنمية الاجتماعية الحاضر الغائب، تبذل جهودًا كبيرة، لإشاعة الدفء في بيوت الفقراء، تنفذ البرنامج تلو الآخر، لكن حجم التحدي يفوق قدرتها على الوصول إلى كل من يحتاجها.
المرض صنو الفقر، ولأنه كلما زاد الفقر زاد البرد، فإن المرض والبرد متلازمان، ومن المعروف أن للشتاء أمراضه، أما البرد، كما يقول العامة فهو المرض عينه.
لسان حال هذه الأسر وغيرها من القابضين على نار فقرهم بصمت، يقول للبرد، ما قالته العرب للفقر قديمًا: لو كان الفقر رجلًا لقتلته، بيد أن الفقراء اليوم يحتاجون إلى أكثر من هذا القول، ويتطلعون إلى أن يتمثل القادرون قول الحطيئة:
من يفعل المعروف لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس