مطعم في بيروت يقدم الطعام مجانا للزبائن مقابل "شكرا "
رؤيا - أ ف ب - يخيل إلى بعض الناس أن موضوع الحاجة إلى الطعام بعيد عن بيئة لبنان ومجتمع هذا البلد الصغير.
الغذاء في اعتقاد هؤلاء بات في متناول الجميع، ولا أحد هنا يموت جوعا، "الجار للجار" يقولون، والأصدقاء والأقرباء يتساندون مهما كان الضيق كبيرا.
وحين نتصفح المواقع الزرقاء، فايسبوك وتويتر، تقع أنظارنا على صور أطفال أفريقيين بطونهم منتفخة، صور يشحذ ناشروها"إعجابا"، "لايكات" نكبسها ونتابع عملنا، وفي دواخلنا أن المشكلة بعيدة، لا تعنينا. وهي كذلك في الواقع، ففي لبنان لا مشكلة جوع حقيقية، سوء تغذية ربما، إهدار في الطعام لا شك.
لكن الحقيقة أن هموم المواطن اللبناني كثيرة، وحين تضيق الأحوال بين مصروفات العيش الكبيرة، يصير تأمين وجبات الطعام هما إضافيا، وما يعتبره البعض بديهيا سهل المنال، يصبح في أذهان البعض مثار شغل بال.
مطعم مجاني
من هنا أتت فكرة مطعم مجاني في إحدى الضواحي البيروتية المتواضعة، برج حمود. منطقة معروفة باكتظاظ سكاني وكثافة العمال الأجانب والمتاجر الصغيرة، وأسعار الإيجارات المعقولة.
مطعم "سعادة السماء" يشع سعادة بالفعل. الفكرة من ورائه هي توفير طعام مجاني للجميع، لمن أراد. لا بطاقات مطلوبة ولا هويات ولا تمييز. لا شروط عمرية ولا عرقية ولا دينية. تدخل وتأكل ثم تغادر. الغذاء مؤمن كل يوم من مطعم عريق في لبنان، يرسل إليه ما توافر من معجنات ومقبلات وأطباق ساخنة. يستقبل المطعم يوميا حوالى 80 شخصا، يأتون إليه كبارا وصغارا، يأخذون وجباتهم في صحون ويجلسون إلى طاولاتهم الصغيرة.
كلودين عمرها 13 سنة، تقصد هذا المكان كل يوم بلا استثناء مع أشقائها الأربعة وجيرانها. والدتها خياطة في معمل ووالدها طراش. تهتم بالجميع وتتأكد أن كلا ممن يرافقونها أنهى طعامه وغسل يديه الصغيرتين.
ماتيو العلاوي، شاب يافع مسؤول عن المطعم، يحرص مع المتطوعين على كل التفاصيل. يتابع أخبار الزائرين ويحاول مساعدتهم في أمور، ومشاكل تتخطى الغذاء. السيدة مريم الأربعينية منشغلة بابنها تبحث عن مدرسة مجانية له. ماتيو يسألها عن بعض التفاصيل ويؤكد لها أنه سيسعى جاهدا لمساعدتها في أقرب وقت.
سعادة السماء
مطعم "سعادة السماء" افتتح منذ ثلاثة أشهر تقريبا وهو مرخص "سناك" عادي، يفتح يوميا عدا السبت والأحد. ليس مثل "مطاعم المحبة" التي نراها في بيروت، تفتح مرة او مرتين في الأسبوع، ويقصدها المسنون مع أكياس وعلب يملأونها بما توافر من طعام. سناك "سعادة السماء" لا يسمح لرواده بأخذ الطعام معهم، والتركيز كبير فيه على الخدمة الطيبة والرفقة الجميلة.
يأتي المتطوعون كل يوم، يعطون كل زائر من وقتهم ويخدمونه، يطعمون الصغار، ويقدمون الصحون الملأى للكبار بابتسامة دائمة. أحيانا لا يكون الطعام كافيا، فيركض ماتيو إلى المطاعم المجاورة ليؤمن بعض النقانق أو اللحوم، أو يشتري معلبات لتلبية الحاجة و"بكرا خير وفرج". لا يفكر ماتيو بالغد. "الله يدبر" يكرر.
"سعادة السماء" هو أحد مشاريع جمعية تحمل الاسم نفسه أيضا، يديرها والد ماتيو الأب مجدي العلاوي. المؤسسة تعمل على برامج عديدة كمعالجة المدمنين وتأمين المسكن لمن لا مأوى له، وتقديم الأغراض المجانية في ما يسمونه "سوق الأربعاء". المشاريع المستقبلية كبيرة وسوف تشمل افتتاح فروع عديدة للسناك ليشمل مناطق الحدت والبوشرية وعين الرمانة وجبيل عل هذه الفكرة تعين عددا من العائلات وتخفف عبئا عنها ولو صغيرا.
كثيرة المبادرات الفردية التي تحدث فارقا في المجتمع في لبنان، المجتمع المدني وبعض الخيرين يقومون بما يتوجب على الدولة تأمينه، لكن الدولة هنا منهمكة بكل شيء ولا شيء، والأحوال اليومية للإنسان الفقير الفرد خارج اهتماماتها. لا بل إنها كثيرا ما تعرقل مشاريع مماثلة، فتتأخر في الترخيص لها أو تماطل في الموافقة على مد الكهرباء إليها، وسوى ذلك من عراقيل أحيانا لا تمنع أصحاب الأفكار الخيرة من متابعة عملهم.
في المطعم يقف حسين الستيني بعد أن ينهي طعامه، لا يطلب الحساب من النادل ولا يسأل عن ثمن طبق الدجاج والبطاطا. يتطلع إلى المتطوع الشاب، يقبل كتفه ويقول له "شكرا" ويغادر. شعور حسين والمتطوع متشابه: سعادة من السماء.