الملك يشارك في حفل منح جائزة شارلمان الدولية لرئيس البرلمان الأوروبي
رؤيا - بترا - شارك جلالة الملك عبدالله الثاني في الحفل التكريمي، الذي استضافته مدينة آخن الألمانية اليوم الخميس، لمنح جائزة شارلمان الدولية، والتي تعد من أرفع الجوائز الألمانية للخدمة العامة، لرئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز، تقديرا لجهوده الكبيرة في خدمة مسيرة وحدة أوروبا.
وألقى جلالة الملك كلمة، خلال الحفل الذي حضره عدد من الملوك ورؤساء الدول والشخصيات القيادية الأوروبية والعالمية، عبر فيها عن تقديره للجهود التي بذلها ويبذلها شولتز خلال فترة خدمته رئيسا للاتحاد الأوروبي، وفيما يلي نصها: بسم الله الرحمن الرحيم العمدة فيليب، الدكتور ليندن، صاحب الجلالة الملك فيليب، فخامة الرئيس غوك، فخامة الرئيس أولاند، أصحاب السعادة والمعالي، صديقي الرئيس شولتز، أشكركم. إنه لشرف لي زيارة هذه المدينة التاريخية والمشاركة في هذه المناسبة. فمدينة آخن، مقر شارلمان في أوروبا، تشتهر في عصرنا هذا كونها شاهدا على وحدة أوروبا الحديثة والسلام الذي تنعم به.
وأود أن أشكر اليوم، وعلى وجه الخصوص، منظمي هذه المناسبة على دعوتي للمشاركة في احتفالات هذا العام. أنضم إليكم من الأردن، البلد الصديق والجار لأوروبا، لتكريم رجل صديق وجار لمنطقتنا بأكملها. واسمح لي سعادة الرئيس شولتز، بالنيابة عن الكثيرين، أن أتقدم إليك اليوم بأحر التهاني والتبريكات.
السيدات والسادة، لا داعي لأن أتحدث عن المصالح المتجذرة والمشتركة بين أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فما يحدث في أي من منطقتينا يمكن أن يؤثر، وكثيرا ما يؤثر بالفعل، وبشكل مباشر، على ما يحدث في المنطقة الأخرى. فهناك تدفق للبشر ولحركة البضائع وتبادل الأفكار بيننا، مثل أي جوار. ولكننا، مثل أي جوار أيضا، نواجه أخطارا مشتركة.
ولا يكمن حل المشاكل في العزلة، ولا بإقامة الجدران، ولا في الشك في الطرف الآخر. وقد أثبتت أوروبا، كما أكد مارتن شولتز، أن تحقيق السلام والازدهار لا يتأتى إلا من خلال التعايش، في إطار شراكة تُستثمر فيها نقاط القوة المشتركة على أساس الاحترام المتبادل.
لقد اهتم الاتحاد الأوروبي منذ البداية بإقامة علاقة خاصة مع البلدان المجاورة، بما في ذلك بلدي الأردن، جاركم في الجنوب. وكما أوضح الرئيس شولتز، فإن هذه العلاقة تتطلب العمل المشترك على العديد من الجبهات.
وأولا، وقبل كل شيء، علينا أن نبدأ بالدفاع عن مبدأ أساسي وهو الاحترام المتبادل، ذلك أن أيديولوجيات الكراهية والعنف تقوض أسس التعايش وتعزز الخوف من الإسلام. وببساطة، فإن هذه الانقسامات تخدم المتطرفين الذين انتهجوا العنف سبيلا، وتبدد مساهمات المواطنين الصالحين الذين يشكلون الغالبية العظمى من مسلمي أوروبا.
إن كثيرا من الأوروبيين، ومن جميع أطياف المجتمع الأوروبي يتصدون لمثل هذه الأفكار والممارسات الخاطئة. ويجب علينا أن نواصل العمل معاً في هذا الاتجاه. فالأردن بلد مسلم يضم مكونا مسيحيا له جذور ضاربة في التاريخ. ونعتبر احترام الكرامة الإنسانية من أهم قيم التسامح والاعتدال التي نمارسها في وطننا، الذي قاد مسيرة الحوار العالمي للأديان. وعليه، سعادة الرئيس شولتز، فأنا أتطلع إلى العمل مع أوروبا كصديق وشريك لتعزيز هذا الحوار.
إن ترسيخ التضامن ضروري فيما بيننا في مجال آخر أيضاً، وهو مجال التصدي للإرهاب. ففي منطقتنا وغيرها نشهد الأثر المدمر للخوارج، أولئك الخارجين عن الإسلام، على السلم والترابط المجتمعي. إن العالم العربي الإسلامي وأوروبا متحدان في رفض هؤلاء المجرمين وأفعالهم الشنيعة. وقد وقف الناس صفا واحدا ضد ما ارتكبوه، كما رأينا، في باريس وتونس وعمَّان وستراسبورغ، وعند بوابة براندنبورغ، كما في أماكن أخرى، دفاعا عن قيمنا المشتركة.
الإرهابيون لا يحترمون الحدود، وعليه فعلى ما نتخذه من إجراءات وقائية ودفاعية أن تكون ذات طابع دولي ومركّز في الوقت نفسه. ويلعب الاتحاد الأوروبي في هذا المجال دورا مركزيا. ولقد دعا الرئيس شولتز لشراكة عالمية لمكافحة الإرهاب. وأنا واثق أن تعاوننا في هذه المجالات وغيرها سيتنامى في مقبل الأيام.
ولا بد لي أيضا أن أقول كلمة حول الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، خصوصا من منظورها الاقتصادي. ففي العالم العربي، يشكل الشباب 65 بالمئة من السكان، والعديد منهم يفتقرون إلى فرص لبدء حياتهم. فغياب فرص العمل وتلاشي الأمل يجعل الشباب أهدافا للمتطرفين. وشبابنا يستحقون أفضل الفرص والخيارات التي من شأنها أن تؤمن لهم ما يحتاجون إليه حقا: وظائف وفرصا جيدة، واستقرار في مجتمعاتهم المحلية لبناء حياة كريمة. وهو نفس الأمر الذي يستحقه الشباب الأوروبي، وعليه فإن التعاون الاقتصادي هو المفتاح لتلبية تلك الاحتياجات.
الرئيس شولتز، اسمحوا لي أن أقدر عاليا دعم البرلمان الأوروبي في هذا المجال. إن التزامك الشخصي بالتنمية يساهم في إدارة أفضل للتحديات الراهنة، وبناء موقف مستقبلي أقوى لجميع بلداننا. واسمحوا لي أن أقول إن بلدي عازم على المضي قدما، حتى في خضم الاضطرابات الإقليمية الخطيرة والتحديات الاقتصادية الكبيرة. إن دعم أوروبا للأردن ضروري وهام جداً وهو محل تقدير.
وأخيرا، اسمحوا لي أن أقول كلمة عن الصراع الذي طال أمده بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهي أزمة لا تماثلها أي أزمة أخرى في نتائجها من انقسام عالمي وتطرف وخطر على أمن منطقتنا واستقرارها. فلا يوجد احتلال ينتهك المبدأ الأول في الميثاق الأوروبي، مبدأ السلام، والذي ينص على أن "كرامة الإنسان مصونة،" مثل هذا الاحتلال.
سيحيي غدا الملايين في جميع أنحاء العالم، الخامس عشر من أيار، ذكرى النكبة، والتي شكلت البداية للشتات الفلسطيني قبل 67 عاما. إن أي طفل فلسطيني، أو طفلة فلسطينية، ولد في ذلك اليوم قد عاش لسنوات دون أن تتوفر له فرص السلام والكرامة والاستقلال. وأحفاد ذلك الجيل، وهم جزء من هذا العالم الكبير، يتساءلون: أين هي العدالة العالمية التي نسمع عنها؟ لماذا نسمع دائما بالمطالبة بحقوق للآخرين دون حقوق للفلسطينيين؟ ما هو مطلوب الآن هو الإرادة من كلا الطرفين، نفس الإرادة التي ساعدت أوروبا لكي تجد مستقبلها، إرادة العيش في سلام واحترام متبادل.
وعليه، فإن على أوروبا أن تلعب دورا حيويا في توفير فرص التغيير، وإيصال رسالة قوية مفادها أن الأمن لا يأتي إلا مع السلام؛ والسلام لا يأتي إلا مع الاحترام المتبادل والتعايش.
وتمثل هذه الرسالة القوة الحقيقية التي يتمتع بها البرلمان الأوروبي، بما يمثله من ملايين من الأصوات، بقيادة مارتن شولتز.
سعادة الرئيس شولتز، إن سجلك الناصع يؤكد للعالم أنه حتى في الأوقات الصعبة، فإن واجبنا أن نمضي قدما في الحوار والاحترام المتبادل. أهنئكم مرة أخرى على الجائزة التي تتسلمونها اليوم. وأتطلع إلى سنوات أخرى من دوركم القيادي في أوروبا والعالم".
وكان الرئيس الألماني يواخيم غاوك ألقى كلمة، في الحفل، أعرب فيها عن تقديره للملوك والرؤساء والقيادات العالمية لتلبيتهم الدعوة لحضور هذا الحفل، الذي تقلد فيه جائزة شارلمان الدولية بشكل سنوي لإحدى الشخصيات ذات الإنجازات البارزة في تدعيم وحدة وتكامل الاتحاد الأوروبي.
وأشاد الرئيس الألماني بمسيرة شولتز المهنية وإسهاماته في خدمة قضايا أوروبا وتعزيز قيمها حول العالم، مؤكداً أن المانيا ستستمر في دعم الاتحاد الأوروبي وتقويته.
كما استعرض عمدة مدينة آخن مارسيل فيليب نشأة الجائزة التي تنسب إلى الإمبراطور الألماني شارلمان، المعروف في التاريخ الأوروبي، حيث كانت مدينة آخن عاصمة لأمبراطورية شارلمان، الذي كان له دور كبير في النهضة الأوروبية.
وعبر عمدة أخن، في كلمته، عن شكره لجلالة الملك والرؤساء المشاركين على حضورهم الحفل، والمساهمة في تكريم شخصية أوروبية بارزة.
وألقى الرئيس الفرنسي، فرانسوا أولاند، كلمة أيضا ركز فيها على أهمية تعزيز وحدة الدول الأوروبية، وتشجيع كل ما من شأنه تحقيق هذا الهدف، مشيراً إلى أهمية جائزة شارلمان الدولية في دعم التكامل والشراكة الأوروبية.
وأعرب أولاند عن تقديره لإسهامات شولتز، من خلال ما قدمه للاتحاد الأوروبي وخدمة قضاياه، والتي تُوجت اليوم بتقليده جائزة شارلمان الرفيعة.
وألقى شولتز، عقب تقليده الجائزة، كلمة أعرب فيها عن سعادته الغامرة بهذا التكريم الكبير له والتقدير الذي حظي به اليوم، مؤكداً أن الجائزة تشكل حافزاً للقيادات الأوروبية لبذل المزيد من الجهود لخدمة وحدة أوروبا والمساعدة في التغلب على التحديات التي تواجهها.
وحضر جلالته إلى جانب الملوك والرؤساء والشخصيات المشاركة حفل استقبال أقيم بهذه المناسبة، تكريماً للزعماء المشاركين والوفود المرافقة لهم.
وكان في مقدمة مستقبلي جلالة الملك، لدى وصوله موقع الحفل، الرئيس الألماني يواخيم غاوك، وعمدة مدينة آخن مارسيل فيليب، ورئيس مجلس إدارة جائزة شارلمان الدكتور يورغن ليندن.
وشكر شولتز، في كلمته، جلالة الملك ورؤساء الدول المشاركين على حضورهم لحفل تكريمه، مؤكداً اتفاقه الكامل مع ما ورد في كلمة جلالة الملك حول أهمية تمكين الشباب في مجتمعاتهم وتوفير الفرص المناسبة لهم.
وضم الوفد المرافق لجلالة الملك لحضور حفل جائزة شارلمان الدولية كلاً من رئيس الديوان الملكي الهاشمي الدكتور فايز الطراونة، ونائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين ناصر جودة، ومدير مكتب جلالة الملك الدكتور جعفر حسان، والسفير الأردني لدى ألمانيا مازن التل.
وتعتبر جائزة شارلمان الدولية، التي تمنح سنوياً منذ عام 1950، أرفع الجوائز الألمانية للخدمة العامة، وأول جائزة سياسية على مستوى أوروبا تقلد لأصحاب الإنجازات التي تخدم التكامل والوحدة الأوروبية.
ومنحت الجائزة لأول مرة للأمير البلجيكي ريتشارد غراف، كما حصل عليها خلال الأعوام السابقة شخصيات سياسية عالمية من أمثال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.