المسيحيون في غزة
شجرة الميلاد لم تشتعل في غزة.. المسيحيون يصارعون أنقاض كنائسهم للعام الثالث
- طالت أيدي الاحتلال 27 فلسطينيا مسيحيا، ودمرت ثلاث كنائس رئيسية
دمار يلتهم المنازل والمقدسات للعام الثالث على التوالي، يغيب بريق شجرة عيد الميلاد عن منازل مسيحيي قطاع غزة، الذين يعيشون في ظل ويلات حرب الاحتلال الأخيرة، بين الدمار والنزوح والجوع وفقدان منازلهم، في قلب غزة القديمة، حيث تتجاور الكنائس العتيقة مع المساجد التاريخية، تتناثر أنقاض المباني، بينما تحولت الأحياء إلى شهادة صامتة على المعاناة المستمرة.
تدمرت منازل آلاف السكان خلال القصف، وأصبح الكثيرون يعيشون في مراكز إيواء مؤقتة أو خيام متهالكة، فيما طالت أيدي الاحتلال 27 فلسطينيا مسيحيا، ودمرت ثلاث كنائس رئيسية، هذا الواقع ترك أثرا كبيرا على طقوس العيد، إذ فقدت الكنائس أمانها التقليدي، ولم تعد الشوارع أو البيوت مليئة بالزينة والاحتفالات، بينما خيم الحزن على النفوس.
تناقص أعداد المسيحيين في غزة
ويقدر عدد أبناء المجتمع المسيحي في محافظات غزة بأكثر من 3 آلاف قبل حصار الاحتلال، فيما تقلص عددهم إلى نحو ألف نسمة قبيل اندلاع الحرب الأخيرة.
اليوم، لا يتجاوز عددهم حوالي 800 شخص، نتيجة استشهاد العديد منهم خلال القصف على المؤسسات الطبية والمستشفيات، مثل المستشفى الأهلي المعمداني، حيث فقد المجتمع المسيحي نحو 31 فردا في هجمات استهدفت الكنيسة والمرافق التابعة لها، ولا يزال بعض السكان يعيشون بين أنقاض المباني المدمرة، بما في ذلك مقرات مجلس وكلاء الكنيسة ومقر الكشافة العربية الأرثوذكسية، التي تعد الأولى على مستوى فلسطين.
حصار خانق وعزلة عن بيت لحم
الحياة اليومية في غزة أصبحت صعبة ومليئة بالتحديات، سواء للمسيحيين أو المسلمين على حد سواء، والنزوح الداخلي المستمر، ونقص الوقود وارتفاع تكاليف المواصلات، إضافة إلى الدمار الهائل في الطرق والمرافق العامة، جعل الاحتفالات التقليدية صعبة المنال، بل شبه مستحيلة، أما زيارة كنيسة المهد في بيت لحم لأداء مناسك الحج السنوية، فقد أصبحت حلما بعيد المنال، إذ ظل معبر بيت حانون "إيرز" مغلقا أمام الفلسطينيين من غزة.
تمسك بالحياة وسط شح الموارد
رغم ذلك، لم يتوقف المجتمع المسيحي عن محاولة إضفاء بصيص من الأمل، الكنائس التاريخية في غزة تعمل على تحضير أجواء احتفالية، وإن كانت محدودة، لإحياء روح العيد بين السكان، وإظهار قدرة الناس على الصمود رغم سنوات من الحروب والدمار، والشوارع، رغم انعدام الزينة والأشجار، لا تزال شاهدة على التمسك بالعادات والتقاليد، وعلى إرادة الحياة التي لم تخمدها الصراعات.
الواقع الاقتصادي والمعيشي يزيد الطين بلة
الكثير من العائلات المسيحية وغير المسيحية تعتمد على الدعم الإنساني أو المساعدات المؤقتة للبقاء على قيد الحياة، فيما تستمر قيود الاحتلال في الحد من دخول الموارد الأساسية، مثل الوقود والمواد الغذائية والاحتياجات اليومية، هذا الوضع انعكس على الاحتفالات، إذ أصبحت أسواق العيد ومستلزماته شبه معدومة، والحلويات والزينة نادرة أو باهظة الثمن، ما صعب إمكانية الاحتفال كما في الأعوام السابقة.
وعلى الرغم من كل الصعوبات، يبقى الأمل حاضرا في النفوس، المجتمع المسيحي في غزة يصر على إحياء رمزية العيد، وإن كانت الاحتفالات محدودة، من خلال تزيين ما يمكن تزيينه في الكنائس والمنازل، وتحضير القداديس في أماكن آمنة قدر الإمكان، هذا الصمود يعكس إرادة قوية في الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية، وعلى التقاليد السنوية التي تترسخ منذ أجيال، رغم غياب الظروف الطبيعية للاحتفال.
غياب عيد الميلاد عن غزة ليس مجرد فقدان للزينة والأشجار، بل هو انعكاس لمعاناة أكبر يعيشها السكان نتيجة الحرب، من فقدان منازل وأحبة، وتجويع وتهجير داخلي، وعزلة اقتصادية واجتماعية، إلا أن هذا الغياب المادي لا يمحو روح العيد، ولا يقلل من أهمية التمسك بالتراث والموروث الديني والثقافي، الذي يظل منارات أمل بين الركام والدمار.
وتبقى غزة شاهدة على صمود الإنسان الفلسطيني، المسيحي والمسلم، في مواجهة الحرب والتحديات اليومية، ورغم غياب البهجة المادية، يظل عيد الميلاد رمزا للأمل والثبات، ودليلا على أن الحياة، رغم كل ما ألم بها، لا يمكن أن تخمد روحها ولا ينسى سعيها للفرح والسلام، مهما بلغت المصاعب.
