حفل زفاف جماعي في غزة
على أنقاض ركام غزة.. أكثر من 200 عريس وعروس يحتفلون بالحياة في زفاف جماعي - فيديو وصور
- زغاريد تتقدم على ذاكرة القصف وأغان تراثية تحاول استعادة ما سرق من الإيقاع اليومي للحياة
اعتاد الغبار أن يكون شاهدا على الفقد، ولد مشهد لا يشبه الحرب في شيء، في ساحة ما زالت آثار القصف تحيط بها من كل الجهات، اختار أكثر من مئتي عريس وعروس أن يعلنوا انتصارا من نوع آخر؛ انتصار الحياة على العدم، والفرح على محاولات الإبادة.
الحدث الذي حمل عنوان "نحب الحياة رغم الإبادة"، لم يكن الزفاف فعلا عابرا، بل إعلانا صامتا عن التمسك بالحياة، اجتمع العرسان في مشهد جمع بين التناقضات: أثواب بيضاء فوق أرض لم تتعاف، وزغاريد تتقدم على ذاكرة القصف، وأغان تراثية تحاول استعادة ما سرق من الإيقاع اليومي للحياة.
في الممر المؤدي إلى ساحة الاحتفال، اصطف أطفال يصفقون وينثرون الورود، كأنهم يعيدون تعريف الطريق إلى المستقبل، سار العرسان بثبات هادئ، ببدلات سوداء وأثواب مطرزة بالصبر الفلسطيني، بينما كانت الأعلام الفلسطينية والتركية ترفرف فوق المشهد، شاهدة على تضامن إنساني في زمن القسوة.
في بلدة الزاويدة وسط قطاع غزة، على مدار ثلاث ساعات، بدا وكأن الزمن توقف عند لحظة مختلفة، الضحكات لم تكن إنكارا للألم، بل هدنة مؤقتة معه، كثيرون من الحضور فقدوا بيوتهم، أو ودعوا أحبة، أو خرجوا من تحت الأنقاض بأسماء جديدة للحزن، لكنهم وجدوا في هذا العرس الجماعي نافذة ضوء، ولو ضيقة.

ابتسامات مثقلة بالذكريات
كانت الوجوه تضحك، لكن العيون لا تنسى، خلف كل ابتسامة اسم شهيد، وبيت غائب، ومدينة من الذكريات المكسورة، ومع ذلك، بدا المشهد وكأنه اتفاق جماعي على تأجيل الحزن لا إنكاره، وعلى منح القلب فرصة لالتقاط أنفاسه بعد عامين من الاختناق.
هذا الزفاف لم يجمع عرسانا فقط، بل جمع ناجين، أمهات فقدن أبناءهن، وآباء ودعوا بيوتهم، وشبابا خرجوا من تحت الأنقاض ليقفوا اليوم تحت رايات الفرح، شارك في المهرجان آلاف من الأهالي، من شهداء وجرحى ونازحين، في يوم إنساني بدا أقرب إلى استعادة مؤقتة للحياة المسلوبة.

الفرح كفعل مقاومة
وبدعم وتنظيم من مؤسسة الرباط التركية، اكتمل المشهد لا بوصفه فعالية احتفالية عابرة، بل كفعل مقاومة ناعم، يعلن أن الفرح في هذه الأرض ليس نقيض الألم، بل أحد أشكاله الأكثر صدقا، وأن الحياة، مهما أنهكت، لا تزال قادرة على أن تقول كلمتها.

