طفلة رضيعة - تعبيرية
الرضيعة رهف.. برد غزة يخطف حياة طفلة في خيمة غارقة
- طفلة لم يمهلها البرد وقتا لتنمو، ولم تجد أمامها سوى خيمة غارقة
خيمة صغيرة تقف في مواجهة عاصفة لا ترحم، تحاول أن تصمد رغم تمزق أطرافها وبرودة الهواء التي تتسلل إلى داخلها كضيف ثقيل لا يغادر، المطر لا ينهمر فوق رؤوس النازحين فحسب، بل يتسرب إلى أجسادهم المنهكة، ويغمر آخر ما تبقى لهم من دفء، وفي ليالي المنخفض القارس، يصبح البرد خصما لا يهزم، يزحف بلا رحمة نحو الأطفال قبل غيرهم.
في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، حيث الأمهات يوقظهن صوت الريح لا بكاء أطفالهن، يصبح البرد طعنة أخرى فوق جراح الحرب، خيام غمرتها الأمطار، طرق تحولت إلى مستنقعات، ونازحون يبحثون عن غطاء يحميهم من سماء لا ترحم، وأرض لم تعد تصلح للسكن أو الانتظار.
وسط هذا المشهد القاسي، خرجت قصة الرضيعة رهف أبو جزر لتختصر وجع غزة في أبسط صوره وأكثرها قسوة، طفلة لم يمهلها البرد وقتا لتنمو، ولم تجد أمامها سوى خيمة غارقة وعالم مشغول عن بكاء النازحين.
وأعلن مدير عام وزارة الصحة في قطاع غزة، منير البرش، يوم الخميس، وفاة الرضيعة رهف أبو جزر في خان يونس جنوب القطاع، بعد أن غمرت مياه الأمطار خيمتها خلال المنخفض الجوي الذي يضرب غزة، ما أدى إلى تعرضها للبرد القارس وفقدان حياتها.
وقال "البرش" إن وفاة الطفلة جاءت نتيجة البرد الحاد الذي اجتاح خيمتها المتهالكة، في وقت تداول فيه ناشطون مقاطع مصورة توثق الحادثة، وتظهر أحد أفراد العائلة وهو يصرخ بحرقة: قتلها البرد.. الأطفال يموتون واحدا واحدا ولا أحد يهتم بهم.
تحذيرات بشأن خطر البرد
وتزامن الإعلان مع سلسلة تحذيرات أطلقها البرش خلال الساعات الأخيرة، بشأن الخطر الداهم الذي يهدد حياة الأطفال وكبار السن والمرضى داخل خيام النازحين، التي أصبحت غير قادرة على صد الريح والمطر مع الانخفاض الكبير على درجات الحرارة.
وأوضح جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة أنه تلقى خلال االأربع والعشرين ساعة الماضية أكثر من ألفين وخمسمئة نداء استغاثة من نازحين غمرت مياه الأمطار خيامهم، فيما أدى المنخفض إلى غرق آلاف الخيام في مختلف مناطق القطاع منذ فجر الأربعاء، وسط توقعات باستمرار الحالة الجوية حتى مساء الجمعة.
وتأتي هذه الظروف المناخية في وقت يعيش فيه مئات الآلاف من النازحين أوضاعا مأساوية نتيجة افتقارهم لأبسط مقومات الحياة، وتراجع مستوى الخدمات الأساسية بفعل الحصار المفروض على القطاع، ما فاقم من خطورة الوضع في المخيمات.
ويستخدم النازحون خياما تالفة لا توفر الحد الأدنى من الحماية، إذ تشير تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن نحو ثلاثة وتسعين بالمئة من الخيام لم تعد صالحة للسكن، أي ما يقارب مئة وخمسة وعشرين ألف خيمة من أصل مئة وخمسة وثلاثين ألفا.
ورغم وقف إطلاق النار في عشرة أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يطرأ أي تحسن على ظروف المعيشة في القطاع، في ظل القيود المشددة التي تفرضها إسرائيل على دخول المساعدات، وهو ما يعرقل جهود الإغاثة ويضاعف معاناة السكان.
وعلى مدى عامين من الحرب، تضررت عشرات الآلاف من الخيام نتيجة القصف المباشر أو بسبب العوامل الطبيعية، ما جعلها بيئة غير آمنة تصارع فيها العائلات للبقاء، بينما يترك الأطفال في مواجهة البرد وحدهم.
