التدفئة في فصل الشتاء
"القاتل الصامت".. برودة فصل الشتاء أخف من فاجعة الحوادث.. لماذا لا نتعلم الدرس؟
- سباق العائلات وراء الدفء مقابل سلسلة من الحوادث المؤلمة
مع دخول فصل الشتاء كل عام، تعود إلى الواجهة في الأردن قصة لا تتغير: سباق العائلات وراء الدفء مقابل سلسلة من الحوادث المؤلمة الناتجة عن وسائل التدفئة.
ورغم أن إجراءات الوقاية بسيطة وسهلة، إلا أن مشاهد الاختناق والوفيات تتكرر كل شتاء، لتعيد السؤال ذاته: لماذا لا يزال الأردنيون يدفعون حياتهم ثمنا لدفء يمكن الحصول عليه بأمان؟
وتتنوع وسائل التدفئة ما بين الكاز والغاز والحطب والمدافئ الكهربائية والديزل، ومعها تتنوع المخاطر، وفي السنوات الأخيرة ظهرت توجهات أحدث في السوق، مثل أجهزة التدفئة الذكية المزودة بحساسات أمان، لكن أغلب المنازل لا تزال تعتمد الأساليب التقليدية، خصوصا في القرى والمخيمات والمناطق محدودة الدخل.
ويوم الجمعة، تعاملت كوادر الإنقاذ والإسعاف في مديرية دفاع مدني غرب عمان، مع حادث تسرب غاز داخل أحد المنازل في شمال العاصمة، ونتج عن الحادث وفاة ثلاثة أشخاص من عائلة واحدة (الأب والأم وابنتهما)، إضافة إلى إصابة شخص آخر بضيق في التنفس.
خطورة صامتة: الاختناق لا يصدر صوتا
أغلب الحوادث تكون بسبب تسربات الغاز، سوء التهوية، استعمال مدافئ دون صيانة، أو ترك المدفأة موقدة أثناء النوم، ويجمع الخبراء على أن أكبر تهديد ليس النار، بل أول أكسيد الكربون، الغاز القاتل عديم اللون والرائحة.
هذا الغاز يتسلل بصمت عبر غرف مغلقة، دون أي إشارة، ليتسبب بدوار ثم فقدان للوعي ثم وفاة، وهو السيناريو الذي يتكرر عاما بعد عام. المأساة أن تفادي ذلك لا يحتاج أكثر من فتح نافذة صغيرة، وصيانة بسيطة، وتحذير متكرر.
إجراءات السلامة
ورغم أن إجراءات السلامة معروفة ومنشورة على مدى واسع، إلا أن تطبيقها لا يزال ضعيفا، ففتح نافذة لمدة عشر دقائق يبدو للبعض ترفا في ليلة باردة، وإطفاء المدفأة قبل النوم قد يعتبر خطوة مزعجة، وفحص الخرطوم أو المدخرة القنينة أو المدخنة قد يهمل يوما بعد يوم حتى تقع الكارثة.
ومع تكرار الحوادث، تشير أسر كثيرة إلى أنها تعرف النصائح، لكنها تفترض أن الكارثة لا تحصل لدينا، هذه الثقة الزائدة، إلى جانب الظروف الاقتصادية، تجعل العائلات تستعين بوسائل قديمة أو مستهلكة، خصوصا مع الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات والكهرباء.
تقنيات حديثة.. لكنها ما زالت خارج متناول الكثيرين
شهدت السوق الأردنية في السنوات القليلة الماضية ظهور أجهزة تدفئة حديثة تعتمد على حساسات ذكية يمكنها كشف نقص الأوكسجين أو إطفاء المدفأة تلقائيا عند حدوث خلل، هناك أيضا تطبيقات مرتبطة بالفحص المنزلي واختبارات تسرب الغاز، بالإضافة إلى أجهزة إنذار بسيطة لا يتجاوز سعرها تكلفة وجبة طعام.
لكن انتشار هذه التقنيات محدود، إما لارتفاع ثمنها أو لعدم وعي الناس بأهميتها، فبينما تتطور أساليب التدفئة عالميا نحو الأمان الكامل، لا يزال معظم المواطنين يعتمدون على المدفأة التقليدية التي لا تملك أي وسيلة تحذير.
يدفع الغلاء جزءا من الأسر لاستعمال الحطب الرخيص منخفض الجودة أو حتى حرق مواد غير مخصصة للإشعال مثل الورق أو البلاستيك أو الخشب المعالج، مما يزيد من خطر انبعاث الغازات السامة، كما تجد بعض العائلات نفسها مضطرة إلى استعمال مدافئ مهترئة، أو إصلاحها بطرق بدائية، لعدم القدرة على شراء بدائل.
وكل عام تطلق الجهات الرسمية حملات للتوعية بخطورة التدفئة الخاطئة، وتكرر التعليمات ذاتها: تهوية جيدة، عدم ترك المدفأة أثناء النوم، إبعادها عن المفروشات، التأكد من صلاحية الأسلاك، وفحص الخرطوم. ورغم ذلك تبقى الأرقام ثابتة نسبيا، ما يشير إلى أن المشكلة لم تعد بالضرورة نقصا في المعلومات، بل نقصا في الممارسة اليومية.
ماذا يحتاج الأردنيون فعلا؟
الحل لا يقتصر على إرشادات موسمية، بل يتطلب ثقافة مستدامة للسلامة المنزلية، ودعما ماليا للأسر محدودة الدخل لتمكينها من اقتناء وسائل تدفئة أكثر أمانا، كما يمكن تشجيع استيراد وإنتاج المدافئ الذكية بأسعار مناسبة، وفرض رقابة أشد على المنتجات الرديئة المنتشرة في الأسواق.
فالشتاء ليس عدوا، ووسائل التدفئة ليست خطرا بحد ذاتها، الخطر الحقيقي يبدأ عندما نتعامل معها باستهانة، فبين نافذة صغيرة تفتح، ومدفأة تطفأ قبل النوم، وقنينة غاز تفحص جيدا، يمكن أن تنقذ حياة كاملة.
