تعبيرية..
وعود بالزواج وحب افتراضي.. كيف تخسر النساء الملايين في فخ "الاحتيال العاطفي"؟
وراء كلمات الغزل المعسولة والوعود بالزواج الوردي التي تعج بها منصات التواصل الاجتماعي، تنشط شبكات منظمة لجريمة باتت تعرف بـ "الاحتيال العاطفي". فقد سجلت في الآونة الأخيرة قضايا متعددة لنساء وقعن ضحايا لعلاقات وهمية، انتهت بالاستيلاء على مبالغ مالية طائلة منهن، وتركهن يواجهن صدمة مزدوجة: عاطفية ومالية.
تبدأ القصص غالبا بشكل بريء؛ محادثة مع غريب على أحد التطبيقات تتحول إلى صداقة، ثم إلى تبادل لمشاعر الحب. وما إن تنسج خيوط الثقة حول الضحية، حتى يبدأ الطرف الآخر (المحتال) بطلب الأموال، متذرعا بظرف طارئ أو كسلفة مؤقتة، ليختفي بعدها تماما. وقد وصلت هذه القضايا بالفعل إلى أروقة المحاكم، بينما نجحت أجهزة الشرطة في ضبط عدد من مرتكبي هذا النوع من الجرائم الإلكترونية.
قضايا صادمة.. من 400 ألف إلى 12 مليون درهم
تكشف سجلات المحاكم عن حجم المأساة. ففي قضية حكم فيها بالسجن والغرامة على المتهم، استغل شاب فتاة تعرف إليها عبر أحد برامج طلبات الزواج. استمر التواصل بينهما لمدة ست سنوات كاملة، دون أن يريا بعضهما ولو مرة واحدة على أرض الواقع، بحجة "طبيعة عمله في الحقول البحرية". خلال هذه الفترة الطويلة، وعلى أمل الزواج، قامت الفتاة بإرسال مبالغ مالية له وصل إجمالها إلى 400 ألف درهم، كان يتذرع بالحاجة إليها لإنهاء خلافات عائلية، أو دفع تعويض عن حادث مروري، أو لتكاليف العلاج، أو حتى لحل مسائل تتعلق بالميراث.
وفي قضية أخرى أكثر تنظيما، وقعت امرأة من جنسية عربية في شباك عصابة مكونة من خمسة آسيويين وإفريقي. بدأت العملية عبر "إنستغرام"، حيث أوهمها أحدهم بأنه طبيب جراح أوروبي. وبعد أن أوقعها عاطفيا في شباكه، استولى هو وزملاؤه منها على مبلغ ضخم قدره 900 ألف و 183 درهما، ثم قام بحظر رقمها لتكتشف أنها كانت ضحية عملية احتيال رومانسي ممنهجة. وقد قضت المحكمة بإدانتهم جميعا بالحبس والغرامة.
ولعل القصة الأكثر فداحة هي قصة امرأة أوروبية مسنة خسرت كل مدخرات حياتها، والتي تقدر بنحو 12 مليون درهم. استدرجها محتال من جنسية إفريقية، ادعى أنه شاب وسيم يقيم في دبي. دفعها الوهم إلى بيع كل ممتلكاتها وتحويل قيمتها إليه، ثم الانتقال إلى دبي للقائه، لتكتشف أنها وقعت في فخ محكم، وأن المحتال نفسه لا يقيم في دبي أصلا.
التحليل النفسي والأمني: لماذا يقع الضحايا؟
يحلل خبير الأمن السيبراني، عبدالنور سامي، هذه الظاهرة قائلا إن الاحتيال باسم الحب والزواج قديم، لكن الوسيلة والهدف قد تغيرا. فمع تمكن المرأة ماديا، أصبح "الفتى العاطل طامعا في مالها هي".
ويرى سامي أن بعض هؤلاء المحتالين يعيشون في وهم واضطراب نفسي واختلال سلوكي، ويمتهنون الاستعطاف لخداع "أصحاب القلوب الطيبة". ويميز بين نوعين من الجرائم: غير المنظمة (تعارف اعتيادي يتطور إلى ابتزاز)، والمنظمة (تتم عبر تطبيقات زواج متخصصة يعمل فيها المحتال ضمن عصابة، وقد يتطور الأمر إلى تصوير الضحية سرا لتهديدها لاحقا).
ويلخص سامي السبب الحقيقي لوقوع الضحايا في عبارة بسيطة: "لا تتحدث مع الغرباء. هذا الاحتيال لا يأتي من الغرباء بالضرورة، بل بعد أن تتعمق العلاقة وتتجذر، لأنه لا أحد يكشف عن معدنه الحقيقي إلا في وقت متأخر".
الرأي القانوني: كيف يكيف القضاء "خيانة العواطف"؟
من ناحيته، يؤكد المحامي علي مصبح أن هذا السلوك يكيف قانونا ضمن جرائم الاحتيال، التي تعاقب "كل من استولى على مال الغير باستعمال طرق احتيالية أو باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة". وتتوافر أركان الجريمة عندما ينجح الجاني في خداع المجني عليه وتسليم المال بناء على وعد زائف كـ "الوعد بالزواج".
ويضيف مصبح أنه إذا رافق ذلك تهديد بنشر الصور، يتحول الأمر إلى جريمة مركبة تشمل "الابتزاز الإلكتروني"، وهنا تصبح العقوبة أشد، وقد تصل إلى "السجن المؤقت مدة لا تزيد على 10 سنوات".
ويشدد مصبح على أن "الثقة العاطفية لا تنشئ التزاما قانونيا"، وأن أي تحويل مالي يجب أن يكون له سبب مشروع وواضح. ويبين أن الخطر الأكبر يكمن في صمت الضحايا خوفا من "الفضيحة" أو "الوصمة الاجتماعية"، وهو ما يمنح الجناة مساحة للاستمرار.
تحذيرات دولية: الجريمة تأخذ في الازدياد
وفي سياق متصل، حذر تقرير لشركة "كاسبرسكي لاب" المتخصصة في الأمن السيبراني من أن هذا النوع من الجرائم "آخذ في الازدياد". فقد تجاوزت الخسائر الناتجة عنه في الولايات المتحدة 300 مليون دولار في عام واحد، وفي المملكة المتحدة 68 مليون جنيه إسترليني.
وأشار التقرير إلى أن كبار السن والنساء هم الفئة الأكثر استهدافا، لأن هناك احتمالا أكبر لامتلاكهم أصولا قيمة (كأموال التقاعد أو المنازل)، فيقوم المحتال بإنشاء صفحة شخصية زائفة وجذابة، ويبدأ في نسج خيوط الثقة إلى أن يتمكن من طلب المال أو الحصول على معلومات كافية لسرقة الهوية.
وينصح الخبراء بعدم التسرع في الثقة بالغرباء عبر الإنترنت، والامتناع التام عن إرسال أي مبالغ مالية مهما كانت الذرائع، والمبادرة الفورية بتقديم بلاغ رسمي لدى الجهات الشرطية، التي تضمن السرية التامة للبلاغات المتعلقة بالابتزاز والاحتيال الإلكتروني.
