صورة أشعة توضح أين استقر المقذوف الناري
انجاز طبي عالمي.. طواقم طبية مصرية تنجح باستخراج مقذوف استقر قرب الشريان الأورطي لمصاب من غزة
لم يكن نجاح الأطباء المصريين في إنقاذ حياة مصاب فلسطيني من غزة، عبر جراحة بالغة الدقة لاستخراج مقذوف قرب شريانه الأورطي، مجرد إنجاز طبي ينشر في المجلات العلمية؛ بل كان حدثا يحمل كثافة سياسية ورسالة دبلوماسية واضحة.
التصريحات الرسمية التي تلت العملية، وتحديدا من وزارة الصحة ورئاسة جامعة الإسكندرية، حولت هذا النجاح الفردي إلى تجسيد لسياسة الدولة المصرية، مؤكدة ما وصفه المتحدث باسم الصحة المصرية بـ "الدور الريادي" لمصر والتزامها الإنساني تجاه قطاع غزة، في خطوة تبرز "القوة الناعمة" الطبية كأداة رئيسية في إدارة القاهرة للأزمة.
سياسة "المعبر" والدبلوماسية الإنسانية منذ اندلاع الأزمة في قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، وجدت مصر نفسها في قلب العاصفة، ليس فقط كوسيط سياسي رئيسي في مفاوضات الهدنة وتبادل الأسرى، ولكن أيضا كشريان الحياة الإنساني الوحيد للقطاع عبر معبر رفح.
جزء أساسي من هذه الاستراتيجية كان فتح المستشفيات المصرية لاستقبال الحالات الحرجة والمعقدة من جرحى غزة. هذا القرار لم يكن لوجستيا فقط، بل كان قرارا سياسيا بامتياز. ففي الوقت الذي تتعرض فيه المنظومة الصحية داخل غزة لانهيار شبه كامل، تقدم مصر نفسها كـ "عمق استراتيجي صحي" لا غنى عنه. استقبال وعلاج الآلاف من المصابين (أكثر من 7200 مصاب حتى تاريخه) لا يظهر التعاطف الإنساني فحسب، بل يمنح مصر نفوذا إضافيا على الساحة الدولية، وورقة ضغط إنسانية، ويقدم دليلا ملموسا على دورها كـ "دولة مسؤولية" (Responsible State) في استقرار الإقليم، وهو ما تسعى القاهرة لترسيخه في مواجهة الانتقادات أو محاولات تهميش دورها.
من "إنجاز طبي" إلى "رسالة دولة" الحدث الطبي، الذي تمثل في نجاح فريق جراحة القلب والصدر بمستشفيات جامعة الإسكندرية في استخراج مقذوف ناري استقر قرب الشريان الأورطي لمصاب من غزة، كان هو المنصة التي انطلقت منها الرسائل السياسية.
التفاصيل الطبية، كما أوردها عميد كلية الطب تامر عبد الله، تبرز التعقيد الشديد للحالة، حيث أن أي خطأ كان يعني الوفاة الفورية.
لكن التصريحات الأهم جاءت من مسؤولين على مستوى أعلى. رئيس جامعة الإسكندرية، عبد العزيز قنصوة، لم يكتف بتهنئة الفريق الطبي، بل ربط نجاحهم بشكل مباشر بسياسة الدولة العليا، مؤكدا أن هذا الإنجاز يأتي "تنفيذا لتوجيهات الدولة المصرية في مساندة المصابين من قطاع غزة". هذا التصريح ينزع عن الحدث طابع العفوية، ويضعه في إطار "تنفيذ الأوامر" كجزء من استراتيجية وطنية.
أما المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية، حسام عبد الغفار، فكان الأكثر وضوحا في تحديد الأبعاد السياسية، حيث وصف العملية بأنها "إنجاز طبي استثنائي" و"رسالة إنسانية قوية".
الأهم من ذلك، أنه اعتبرها دليلا على "التزام مصر بدورها الريادي" وعلى كونها "مركزا إقليميا للتميز الطبي". لم يكن هذا النجاح، بحسب عبد الغفار، وليد صدفة، بل نتاج "نظام صحي مرن وقادر على الاستجابة السريعة".
هذا التحليل من المتحدث الرسمي ينقل الرواية من نجاح أطباء إلى نجاح "نظام الدولة". الإشارة إلى "نظام صحي مرن" هي رسالة موجهة للخارج بقدر ما هي موجهة للداخل، مفادها أن مصر تمتلك البنية التحتية والقدرة المؤسسية على امتصاص الصدمات الإقليمية، وتحديدا الأزمة الإنسانية في غزة، بكفاءة عالية. الإحصائيات التي ذكرها التقرير (استقبال 7277 مصابا، وإجراء قرابة 3000 عملية معقدة) تدعم هذه الرواية الرسمية.
ترسيخ "الريادة" في مسار الأزمة يأتي هذا النجاح الطبي، والاحتفاء الرسمي به، في سياق سياسي أوسع. فبينما تتعثر المفاوضات السياسية أحيانا، وتواجه المساعدات الإنسانية تحديات لوجستية وسياسية لدخول القطاع، يبرز المسار الطبي المصري كقصة نجاح ثابتة ومستمرة.
من خلال تسليط الضوء على هذه الجراحة "الاستثنائية"، لا تستعرض مصر قدراتها الطبية المتقدمة فحسب، بل تعيد تأكيد دورها كلاعب لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات مستقبلية تخص قطاع غزة. إنها دبلوماسية إنسانية نشطة، تستخدم "المشرط" كأداة لإثبات الكفاءة، و"غرفة العمليات" كمنصة لإطلاق الرسائل السياسية، مؤكدة أن "الريادة" المصرية في الأزمة لا تقتصر على المسار السياسي، بل تمتد لتشمل القدرة الفعلية على إنقاذ الأرواح على الأرض.
