تعبيرية
فخ "المهمة الإضافية".. كيف تستعيد السيطرة على يوم عملك وتنهي وهم الإنتاجية الزائفة؟
"فخ" متقن يستنزف طاقتك بهدوء
إنه مشهد مألوف يتكرر في مكاتبنا، وفي اجتماعاتنا عبر الإنترنت، وحتى في ردهات منازلنا التي تحولت إلى مساحات عمل: الساعة تقترب من الخامسة مساء، الاجتماع الرسمي على وشك الانتهاء، أو أنك أغلقت آخر ملف في قائمة مهامك.
وبينما تستعد لالتقاط أنفاسك أو تسجيل الخروج، تلمع في ذهنك فكرة تبدو بريئة تماما: "سأنجز فقط هذا الأمر البسيط قبل أن أنصرف"، "سأرد على هذا البريد الإلكتروني السريع"، أو "دعنا فقط نناقش هذه النقطة الأخيرة".
للوهلة الأولى، يبدو هذا السلوك دافعا مثاليا للإنتاجية وتفانيا في العمل.
لكن في حقيقة الأمر، هو "فخ" متقن يستنزف طاقتك بهدوء، ويغذي التوتر المزمن، ويؤدي مع مرور الوقت إلى تآكل الثقة المهنية.
هذه "الدقائق الإضافية" القليلة نادرا ما تبقى دقائق؛ إنها تتحول إلى تأخير مزمن، وإرهاق متراكم، وترسل انطباعا (لنفسك وللآخرين) بأن وقتك ووقتهم بلا حدود واضحة، وأن العمل لا ينتهي أبدا.
هذا السلوك ليس مجرد صدفة عابرة أو إدارة سيئة للوقت، بل هو في الغالب انعكاس لدوافع نفسية عميقة تتخفى خلف قناع "الإنجاز".
لماذا نقع في فخ "المهمة الأخيرة"؟
توضح المدربة التنفيذية، لوسيانا باوليس، في مقال نشرته مجلة "فوربس"، أن هذا الاندفاع نحو "المزيد" ينبع من دوافع نفسية معقدة، أبرزها:
1. وهم الكمال (Perfectionism): يخشى الشخص الكمالي غريزيا من ترك أي شيء غير مكتمل.
بالنسبة له، "التوقف" قبل إغلاق كل ملف مفتوح يشعر وكأنه تقصير أو فشل. يتعامل عقله مع نهاية يوم العمل كخط نهاية مطلق، يجب أن يصل إليه وقد أتم كل شيء. لذا، يستمر في التعديل والتحسين وإضافة "لمسة أخيرة" تلو الأخرى.
المشكلة هنا أن هذا الطبع، الذي يبدو إيجابيا، يقلل من الكفاءة على المدى الطويل ويقود مباشرة إلى الاحتراق الوظيفي، لأنه يطارد معيارا مستحيل التحقيق.
2. المماطلة بهدف الهروب (Productive Procrastination): في بعض الأحيان، تكون هذه "المهمة الإضافية" البسيطة مجرد وسيلة لتأجيل أمر آخر أكثر أهمية أو صعوبة.
قد يكون هذا الأمر هو اتخاذ قرار حاسم، أو مواجهة محادثة صعبة، أو حتى البدء في مشروع كبير غدا.
إن إنجاز مهمة صغيرة "سريعة" يمنح شعورا فوريا وزائفا بالإنجاز والسيطرة، بينما يكون الهدف الحقيقي هو الهروب من التحدي الأكبر. إنه "تسويف إنتاجي"؛ أنت مشغول، لكنك لست فعالا.
3. صعوبة التوقف (Hyperfocus): على عكس الشائع، قد لا تكون المشكلة لدى البعض في ضعف التركيز، بل في صعوبة الخروج منه بمجرد البدء.
عندما ينغمس الشخص في مهمة ما - وهو أمر شائع بشكل خاص لدى من لديهم اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) - فإن دماغه يدخل في حالة "تدفق فائق" (Hyperfocus) ويجد صعوبة بالغة في التوقف والانتقال إلى نشاط آخر.
هنا، يصبح إنجاز "مهمة إضافية" ضمن نفس السياق أسهل بكثير من الناحية الذهنية من مواجهة التحدي المعرفي المتمثل في "التوقف" عن العمل والبدء من جديد في نشاط مختلف (مثل الحياة المنزلية).
5 إستراتيجيات عملية لكسر هذه العادة واستعادة السيطرة
الاعتراف بهذه الدوافع هو الخطوة الأولى. أما الخطوة الثانية، فهي تطبيق إستراتيجيات عملية ومدروسة لإنهاء هذه العادة:
1. ارسم حدودا واضحة كالفولاذ: في بداية أي اجتماع، أو حتى في بداية يومك، حدد وقت انتهائه والتزم به بصرامة.
إذا كان الاجتماع ينتهي في الثالثة، فإنه ينتهي في الثالثة. هذا الاتساق لا يبني مصداقيتك المهنية فحسب، بل يعزز ثقافة الاحترام المتبادل للوقت.
إذا كنت تجد صعوبة في ذلك بمفردك، اطلب المساعدة: كلف أحد الزملاء بأن يكون "حارس الوقت" (Timekeeper)، أو اضبط منبها قبل 5 دقائق من الموعد المحدد للنهاية لتبدأ في تلخيص النقاط.
2. اخلق "طقوس التوقف" الخاصة بك: أنت بحاجة إلى إشارات واضحة لتدريب عقلك على إنهاء حلقة التركيز. لا تترك الأمر للصدفة.
قد تكون هذه الإشارة هي صوت مؤقت محدد، أو استخدام عبارة ختامية ثابتة مثل "لنتوقف هنا، ونكمل غدا"، أو حتى مجرد إغلاق حاسوبك المحمول ووضعه في الحقيبة.
هذه الأفعال البسيطة تعمل كـ "طقوس" (Rituals) ترسل إشارة قوية للدماغ بأن وقت هذه المهمة قد انتهى تماما لهذا اليوم.
3. اعتمد "قوائم الانتظار" (Parking Lot): عندما تظهر فكرة لامعة أو مهمة عاجلة في الدقائق الأخيرة، قاوم الرغبة في التعامل معها "الآن".
احتفظ بقائمة جانبية (رقمية أو ورقية) لتدوين هذه المهام والأفكار. إن إنهاء الاجتماع في وقته المحدد مع تدوين النقاط المتبقية لمناقشتها لاحقا هو علامة على التنظيم والكفاءة، وليس تقصيرا.
هذا يحرر عقلك من عبء تذكرها ويضمن عدم ضياعها.
4. كن واقعيا في "تقدير الوقت": قبل أن تقرر إنجاز "مهمة أخيرة"، اسأل نفسك بصدق: كم ستستغرق حقا؟ نحن نميل بشدة إلى الاستهانة بالوقت اللازم للمهام الصغيرة.
"الرد على بريد إلكتروني أخير" نادرا ما يستغرق دقيقة. إنه يتضمن: فتح البريد، قراءته، التفكير في الرد، البحث عن أي مرفقات ضرورية، كتابة الرد، ثم مراجعته.
كن واقعيا؛ هذه المهمة التي تبدو "سريعة" هي في الغالب تحتاج 10 دقائق على الأقل، وهي كافية لكسر حاجز نهاية يومك.
5. استخدم "الصناديق الزمنية" بوعي (Timeboxing): خصص وقتا ثابتا ومحددا لكل مهمة (Timebox).
الأهم: عندما يرن المؤقت، لا تواصل العمل بشكل تلقائي. توقف للحظة، وفكر، ثم قرر "بوعي" ما إذا كنت ستمدد الوقت (لسبب وجيه) أم ستنتقل للمهمة التالية.
هذه التقنية البسيطة تنقلك من "العمل باندفاع" ورد الفعل، إلى "الإنجاز عن قصد" وتخطيط.
إن النجاح الحقيقي لا يكمن فقط في معرفة ما يجب القيام به، بل في معرفة متى نتوقف.
مقاومة إغراء "المهمة الأخيرة" لا تعني أنك أقل تفانيا أو أقل إنتاجية؛ بل تعني أنك أصبحت أكثر إستراتيجية في إدارة أثمن مواردك: طاقتك ووقتك.
أن تعرف متى تقول "يكفي لهذا اليوم"، ليس ضعفا، بل هو أعلى درجات النضج المهني والوعي بالذات.
