غزة تحت القصف
الذكرى الثانية لهجوم 7 أكتوبر.. تسلسل زمني لعامين من حرب الإبادة التي غيرت وجه المنطقة
- على مدار عامين، لم تكن الحرب مجرد مواجهة عسكرية، بل أحدثت تحولات استراتيجية عميقة في المطقة
مع حلول الذكرى الثانية لهجوم السابع من أكتوبر 2023، يقف العالم أمام عامين من حرب شاملة غيرت وجه الشرق الأوسط.
ما بدأ كهجوم مباغت من كتائب القسام، أسفر عن مقتل نحو 1,200 إسرائيلي واحتجاز قرابة 250، تحول إلى حملة عسكرية مدمرة على قطاع غزة، تسببت في كارثة إنسانية غير مسبوقة وتصعيد إقليمي مفتوح.
خلال هذين العامين، انتقل الصراع من غزة إلى أروقة المحاكم الدولية في لاهاي، وشهد اغتيالا منهجيا لقادة المقاومة في فلسطين ولبنان وإيران، وصولا إلى مواجهة إيرانية-إسرائيلية مباشرة وتدخل عسكري أمريكي.
واليوم، وبعد عامين داميين، تقف المنطقة أمام "خطة ترامب" للسلام، وسط مستقبل غامض وآفاق حل هشة.
المرحلة الأولى: الصدمة والرد المدمر (أكتوبر - ديسمبر 2023)
7 أكتوبر 2023: شنت كتائب القسام هجوم "طوفان الأقصى" على "غلاف غزة"، مما أدى إلى خسائر كبيرة في صفوف جيش الاحتلال والمستوطنين، واحتجاز مئات المحتجزين.
8 أكتوبر 2023: أعلنت حكومة الاحتلال الحرب رسميا وأطلقت عملية "السيوف الحديدية"، بهدف معلن هو تدمير قدرات حماس العسكرية، وفرضت حصارا كاملا على القطاع.
17 أكتوبر 2023: وقعت "مجزرة مستشفى الأهلي العربي" في غزة، والتي أسفرت عن استشهاد المئات وأثارت موجة إدانات دولية واسعة.
27 أكتوبر 2023: بدأ جيش الاحتلال توغله البري في شمال قطاع غزة، بالتزامن مع قطع كامل للاتصالات والإنترنت والمياه والكهرباء.
24 نوفمبر-1 ديسمبر 2023: هدنة إنسانية مؤقتة بوساطة قطرية ومصرية، تم خلالها تبادل 105 من المحتجزين مقابل 240 أسيرا فلسطينيا، وكانت هذه الهدنة هي الوحيدة التي صمدت لفترة وجيزة.
المرحلة الثانية 2024: عام الاجتياحات الكبرى واغتيال القادة
شهد عام 2024 تحولا في استراتيجية كيان الاحتلال نحو استهداف ممنهج لقيادات الصف الأول في فصائل المقاومة، بالتزامن مع توسيع العمليات البرية:
يناير: استشهاد صالح العاروري (نائب رئيس المكتب السياسي لحماس) في بيروت، وصدور قرار احترازي من محكمة العدل الدولية ضد كيان الاحتلال.
مارس: استشهاد مروان عيسى (نائب القائد العام لكتائب القسام) في غارة وسط القطاع.
مايو: بدأ الهجوم البري على مدينة رفح واحتلال المعبر الحدودي مع مصر، رغم أمر محكمة العدل الدولية بالوقف الفوري للعملية.
يوليو: استشهاد إسماعيل هنية (رئيس المكتب السياسي لحماس) في طهران، في هجوم غامض أثار توترا حادا.
أغسطس: استشهاد محمد الضيف (القائد العام لكتائب القسام) في غارة على خان يونس.
أكتوبر: استشهاد يحيى السنوار (قائد حركة حماس في غزة) خلال اشتباك مسلح في رفح.
مايو 2025: الاحتلال يزعم اغتيال محمد السنوار قائد كتائب القسام
المرحلة الثالثة: الحرب الشاملة على لبنان (سبتمبر - نوفمبر 2024)
بعد أشهر من حرب الاستنزاف على الحدود، انتقل الصراع إلى مرحلة الحرب المفتوحة على لبنان، والتي غيرت وجه البلاد والمنطقة.
17 و 18 سبتمبر 2024: في هجوم تكنولوجي غير مسبوق، فجر كيان الاحتلال عن بعد آلافا من أجهزة النداء اللاسلكي (البيجر) وأجهزة الاتصال التي يستخدمها عناصر حزب الله، مما أدى إلى مقتل وجرح المئات، في عملية أدت إلى شل قدرة الحزب على التواصل والقيادة الميدانية مؤقتا.
20 سبتمبر 2024: اغتيال إبراهيم عقيل اغتال كيان الاحتلال القائد العسكري البارز في حزب الله، إبراهيم عقيل، مع عدد من قادة وحدة الرضوان، في غارة جوية على الضاحية الجنوبية لبيروت.
27 سبتمبر 2024: اغتيال حسن نصرالله في ضربة هي الأقوى والأكثر تأثيرا، اغتال كيان الاحتلال الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، في غارة جوية دمرت المقر العام للحزب في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت.
أدى اغتياله إلى فراغ قيادي هائل وصدمة كبرى في لبنان ومحور المقاومة.
1 أكتوبر 2024: الاجتياح البري بعد أيام من القصف الجوي العنيف، بدأ جيش الاحتلال توغلا بريا محدودا في جنوب لبنان، بهدف إبعاد قوات حزب الله عن الحدود وإنشاء منطقة أمنية عازلة.
3 أكتوبر 2024: اغتيال هاشم صفي الدين واصل كيان الاحتلال سياسة "قطع الرؤوس"، حيث اغتال هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي في الحزب والذي كان ينظر إليه كخليفة محتمل لنصرالله، في غارة على الضاحية الجنوبية.
27 نوفمبر 2024: وقف إطلاق النار بعد أسابيع من القتال المدمر والوساطة الأمريكية والفرنسية المكثفة، تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين لبنان وكيان الاحتلال، دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر، وأنهى مؤقتا أعنف جولة من الصراع بين الطرفين منذ عام 2006.
المرحلة الرابعة: المواجهة مع إيران
في 13 يونيو/حزيران 2025، شن كيان الاحتلال هجوما جويا واسع النطاق ومفاجئا على أهداف في العمق الإيراني.
ووفقا لتقارير إعلامية دولية، استهدفت الغارات الإسرائيلية منشآت حيوية في البرنامج النووي الإيراني، أبرزها منشأة نطنز وفوردو وأصفهان، بالإضافة إلى مصانع صواريخ باليستية وقواعد عسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني.
وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين، ومئات الضحايا المدنيين.
ردا على الهجوم، أطلق الحرس الثوري الإيراني مئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الانتحارية باتجاه أهداف عسكرية في الأراضي المحتلة.
ووفقا لبيانات إيرانية، تم استهداف أكثر من 150 موقعا عسكريا واستخباراتيا، كما استهدفت الصواريخ الإيرانية قواعد أمريكية في المنطقة، ردا على ما اعتبرته طهران تواطؤا أمريكيا في الهجوم.
في 22 يونيو/حزيران 2025، دخلت الولايات المتحدة على خط المواجهة بشكل مباشر لأول مرة، في عملية عسكرية محدودة أطلقت عليها اسم "عملية مطرقة منتصف الليل" (Operation Midnight Hammer).
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن قاذفات الشبح الاستراتيجية "B-2" وجهت ضربات دقيقة باستخدام قنابل خارقة للتحصينات، دمرت خلالها ثلاثة مواقع نووية إيرانية بشكل كامل.
كان الهدف من التدخل الأمريكي، بحسب محللين، مزدوجا: الأول هو طمأنة حليفه الإسرائيلي وتأكيد الدعم له، والثاني هو توجيه رسالة ردع قوية لإيران لمنعها من مواصلة هجماتها، وتجنب الانجرار إلى حرب إقليمية واسعة النطاق لا ترغب فيها واشنطن.
أدت هذه المواجهة المباشرة إلى حالة من الذعر في أسواق الطاقة العالمية. ومع تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره ربع شحنات النفط العالمية، قفزت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات، حيث ارتفع خام برنت بنحو 11%.
وأدت حالة عدم اليقين إلى توقف مؤقت في حركة الشحن في المضيق، قبل أن تتدخل الجهود الدبلوماسية لاحتواء الموقف.
انتهت المواجهة المباشرة باتفاق لوقف إطلاق النار في 24 يونيو 2025، لكنها كسرت حاجز "حرب الظل"، وأدخلت المنطقة في واقع استراتيجي جديد وأكثر خطورة.
المرحلة الخامسة: خطة ترمب للسلام في غزة
مع عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025، وفي ظل حرب مدمرة في غزة وصراع إقليمي مشتعل، غير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من استراتيجية واشنطن، منتقلا من الدعم العسكري المطلق لكيان الاحتلال إلى طرح مبادرة دبلوماسية شاملة وعالية المخاطر لما بعد الحرب رغم انه تلبي رغبة حليفته تل أبيب.
وقد تجلت هذه الاستراتيجية في "خطة الـ20 بندا" التي تم الكشف عنها رسميا في سبتمبر 2025، والتي تحمل بصمات من "صفقة القرن" السابقة، وتجمع بين المقاربة الأمنية الصارمة والرؤية الاقتصادية الطموحة التي يقودها مستشاره وصهره جاريد كوشنر.
بعد أشهر من المشاورات خلف الكواليس، التي أعقبت التدخل العسكري الأمريكي المحدود ضد إيران، نشرت الإدارة الأمريكية خطتها رسميا في سبتمبر 2025.
بدت الخطة وكأنها محاولة لفرض حل سريع وحاسم، وتضمنت بنودا سياسية وأمنية رئيسية:
- وقف فوري لإطلاق النار وانسحاب الاحتلال: نصت الخطة على انسحاب جيش الاحتلال من المناطق المأهولة في غزة وإعادة انتشاره على خطوط أمنية متفق عليها.
- صفقة تبادل شاملة وسريعة: طالبت الخطة بإطلاق سراح جميع المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية خلال 72 ساعة، مقابل إفراج كيان الاحتلال عن 2,000 أسير فلسطيني من ذوي الأحكام الطويلة.
- إدارة دولية مؤقتة: اقترحت الخطة تشكيل لجنة تكنوقراط فلسطينية-دولية، تحظى بدعم عربي، لتتولى إدارة الشؤون المدنية في قطاع غزة بشكل مؤقت، تحت إشراف أمريكي مباشر.
- نزع السلاح الكامل: تضمنت الخطة، بشكل صريح، شرط نزع السلاح الكامل للفصائل الفلسطينية في غزة، ووضع الأمن تحت مسؤولية القوة الدولية المشكلة.
كانت السمة الأبرز للخطة هي حزمتها الاقتصادية الضخمة، التي أشرف على تصميمها جاريد كوشنر.
وفي تصريحات لوسائل إعلام أمريكية، تحدث ترامب عن رغبته في تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، وهو ما يعكس رؤية كوشنر القائمة على الاستثمار العقاري والتجاري.
وتضمنت الخطة الاقتصادية تمويل مشروع إعادة إعمار شامل بإشراف أمريكي، واستثمارات ضخمة، كما ربطت تقارير استخباراتية هذه الخطة بمشاريع استراتيجية أوسع، تشمل:
- استغلال حقول الغاز الطبيعي قبالة سواحل غزة.
- إحياء مشروع "قناة بن غوريون"، وهو مشروع قديم يهدف إلى ربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط عبر أراضي الاحتلال.
أثار بند "الإدارة الدولية" جدلا واسعا، خاصة مع تسريبات حول دور محتمل لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير.
ووفقا لمحللين سياسيين، فإن خبرة بلير السابقة كمبعوث للجنة الرباعية الدولية، وعلاقاته الواسعة، جعلته مرشحا مثاليا لتولي منصب "مندوب سام" أو رئيس للجنة التكنوقراط الدولية التي ستقوم بإدارة القطاع مؤقتا.
في 3 أكتوبر 2025، وبعد أيام من دراسة الخطة، أعلنت حركة حماس عن موافقتها المبدئية على بنود صفقة تبادل المحتجزين والأسرى، معتبرة إياها أساسا يمكن البناء عليه لوقف الحرب.
لكن الحركة، ومعها بقية الفصائل، رفضت بشكل قاطع بند "نزع السلاح الكامل"، واعتبرته شرطا للاستسلام وليس جزءا من حل سياسي.
هذا الرفض أبقى الخطة بأكملها في حالة من الغموض، وحولها إلى نقطة جديدة من الجمود السياسي، حيث ترفض واشنطن وتل أبيب المضي قدما في أي جزء من الخطة دون الحصول على ضمانات كاملة بنزع سلاح المقاومة.
تحليل: 5 تحولات كبرى أعادت رسم خريطة الصراع
وبعد عامين من حرب مدمرة، ومأساة إنسانية مستمرة، وتصعيد إقليمي غير مسبوق، يقف العالم اليوم أمام مفترق طرق حاسم: إما نجاح الجهود الدبلوماسية في فرض تسوية واقعية، أو انزلاق المنطقة نحو فصل جديد وأكثر خطورة من الصراع المفتوح.
على مدار عامين، لم تكن الحرب مجرد مواجهة عسكرية، بل أحدثت تحولات استراتيجية عميقة:
- التحول الإنساني والقانوني: الكارثة الإنسانية في غزة حركت الرأي العام العالمي، ونقلت الصراع إلى ساحات القضاء الدولي (العدل الدولية والجنائية الدولية)، مما وضع مسؤولي كيان الاحتلال تحت طائلة الملاحقة القانونية.
- التحول الإقليمي: انتقل الصراع من كونه محصورا في فلسطين إلى مواجهة إقليمية مفتوحة شملت لبنان، وتطورت إلى ضربات مباشرة بين كيان الاحتلال وإيران.
- التحول الأمريكي: مع تولي إدارة ترامب، انتقلت واشنطن من الدعم غير المباشر إلى التدخل العسكري المحدود، ثم إلى فرض خطة سياسية مباشرة لإدارة مرحلة ما بعد الحرب.
- التحول الاقتصادي: تسببت الحرب وتوسعها في أزمة طاقة عالمية، حيث قفزت أسعار النفط لأعلى مستوياتها منذ أكثر من عقد، وتأثرت حركة الملاحة الدولية.
- التحول في الخطاب العالمي: تغير توصيف الحرب في العديد من البرلمانات والمنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام العالمية، من "حرب على الإرهاب" إلى اتهامات بارتكاب "إبادة جماعية".
