توقعات أسعار الذهب في ظل تقلبات الأسواق العالمية
لا أحد يحب التقلب، البشر بطبيعتهم يميلون إلى الاستقرار، سواء في حياتهم أو في أموالهم، لكن السوق ليس صديقا دائما لهذا الميل.
في الأشهر الأخيرة، أصبح من الصعب تجاهل ما يحدث في الأسواق المالية، تغيرات متتالية في السياسة النقدية، اضطرابات جيوسياسية، تقارير اقتصادية متباينة، وحديث لا يتوقف عن التضخم والفائدة، وسط كل هذا، يعود السؤال القديم: ماذا عن الذهب؟
لماذا يظل الذهب حاضرا دائما في الصورة؟
رغم مرور قرون على استخدامه، لا يزال الذهب ينظر إليه كملاذ، أو إن أردنا الدقة، كنوع من "الملجأ" حين تهتز الثقة بالعملات أو الأسهم، وربما لهذا السبب، كلما زادت الضبابية، زاد الاهتمام بسعره.
لكن الغريب أن الذهب لا يتحرك دائما كما يتوقع الناس. أحيانا نرى توترات سياسية ولا يرتفع السعر، وأحيانا أخرى، يرتفع بشكل مفاجئ دون حدث واضح، هذا يطرح تساؤلا مهما: هل فعلا ما زالت القواعد القديمة تنطبق على المعدن الأصفر؟
تحليل الذهب: هل هناك نمط واضح؟
عند الحديث عن سعر الذهب ، يصعب الوصول إلى إجماع، بعض التحليلات تعتمد على المؤشرات الفنية، مثل مناطق الدعم والمقاومة، ومتوسطات الحركة، وأحجام التداول.
لكن هناك أيضا من يفضل النظر إلى الصورة الأوسع: قرارات البنوك المركزية، بيانات التضخم، أو حتى تحركات الدولار.
ما يجب الانتباه له هو أن التحليل لا يعني التنبؤ الدقيق. لا أحد يمكنه أن يجزم بما سيحدث غدا. بل كل ما يمكن فعله هو قراءة ما هو موجود، ومقارنته بما حدث في ظروف مشابهة من قبل.
وربما هذا يفسر سبب الاختلاف الكبير بين محلل وآخر. كل ينظر من زاويته، ويعتمد على أدوات مختلفة.
هل ما زال الذهب أداة تحوط فعالة؟
من المفترض أن الذهب يحمي من التضخم. لكن في السنوات الأخيرة، لم يكن الأمر بهذه البساطة، فمع ارتفاع أسعار الفائدة، وجد بعض المستثمرين بدائل مثل السندات أو حسابات التوفير ذات العوائد الجيدة.
ومع ذلك، يبقى هناك من يرى أن الذهب ليس مجرد أصل مالي، بل شيء يحتفظ به في الأزمات الكبرى، حين تفقد العملات قيمتها بسرعة أو تفشل الأنظمة المصرفية.
قد يبدو هذا السيناريو بعيدا، لكن البعض يتعامل معه كاحتمال، ولو ضئيل، وفي هذه الحالة، وجود الذهب يبدو مبررا، حتى لو لم يحقق أرباحا كبيرة في المدى القصير.
توقعات الذهب: إلى أين يتجه السعر؟
من الصعب الجزم. لكن بعض التوقعات تشير إلى أن استمرار التوتر في العلاقات الدولية، وغياب الوضوح بشأن سياسات الفائدة، قد يدفع المستثمرين للعودة إلى الذهب بشكل تدريجي.
في الوقت نفسه، أي انفراجة اقتصادية واضحة قد تسحب البساط من تحته، وتدفعهم نحو أسواق الأسهم أو العملات الرقمية.
عند مراجعة توقعات الذهب من جهات مختلفة، نجد تفاوتا كبيرا، البعض يتوقع صعودا معتدلا، وآخرون يرون أن السعر وصل ذروته.
الحقيقة أن كليهما قد يكونان محقين، في وقتين مختلفين.
كيف يتعامل المتداولون مع كل هذا الغموض؟
الأمر لا يخلو من الحيرة. فبين التحليلات المتضاربة، والأخبار المفاجئة، يصبح اتخاذ القرار صعبا، لهذا، يعتمد كثيرون على ما يعرف بإدارة المخاطر: أي ألا يضعوا كل أموالهم في اتجاه واحد، أو أن يستخدموا أوامر وقف الخسارة لحماية أنفسهم.
كما أن البعض يتعامل مع الذهب ليس من باب المضاربة، بل من باب التوزيع الذكي للمحفظة، أي أن يحتفظ بجزء صغير منه، ضمن أصول أخرى، كنوع من التوازن.
هل الوقت مناسب الآن لشراء الذهب؟
سؤال لا توجد له إجابة جاهزة. كل شخص له وضعه المالي، ودرجة تحمله للمخاطرة، وأهدافه.
لكن يمكن القول إن النظر إلى الذهب كأداة قصيرة المدى، قد لا يكون الأفضل في هذه الظروف، في حين أن من يفكر على المدى الطويل، ويريد حماية جزء من أمواله، فقد يجد في الذهب خيارا مقبولا.
لكن حتى في هذه الحالة، يجب أن يتم الشراء بحذر، وعلى مراحل، وليس دفعة واحدة.
ملاحظات قد تساعد على الفهم أكثر
- الذهب لا يعمل وحده. أي تغير في الدولار أو الفائدة قد يؤثر عليه.
- ليس كل ارتفاع في الطلب يؤدي إلى صعود السعر فورا. أحيانا يكون السوق قد "سعر" ذلك مسبقا.
- الأخبار الجيوسياسية قد تدفع السعر مؤقتا، لكن الأثر لا يدوم دائما.
الذهب ليس لغزا، لكنه أيضا ليس واضحا تماما، ما يجعله مثيرا للاهتمام هو هذا التوازن الدقيق بين العاطفة والعقل.
من جهة، هناك من يثق فيه بشكل غريزي، كرمز للثبات والقيمة، ومن جهة أخرى، هناك من يتعامل معه بأرقام ومعادلات، كأي أصل مالي آخر.
ربما لهذا السبب، تظل توقعات أسعار الذهب محل نقاش دائم.
هل فكرت يوما في أن الذهب، رغم سكونه الظاهري، يتحرك أكثر مما نتصور؟
