محكمة - تعبيرية
هل يحقق "الإعدام المدني" التوازن بين المدين والدائن في الأردن؟
- تنص التعديلات الجديدة على وقف حبس المدين في الديون التعاقدية
مع اقتراب تطبيق التعديلات الجديدة على قانون التنفيذ لعام 2022، التي تنص على إلغاء حبس المدين في الديون التعاقدية اعتبارا من 1 حزيران 2025، ارتفعت الأصوات القانونية في الأردن للمطالبة بتطبيق "الإعدام المدني"، كبديل لحماية حقوق الدائنين، على غرار ما يطبق في دول عربية وخليجية.
ويهدف هذا التقرير لاستعراض التعديلات القانونية، توضيح مفهوم "الإعدام المدني"، ومناقشة مدى قدرته على تحقيق التوازن بين مصالح المدين والدائن، مع تسليط الضوء على الجدل القانوني المرتبط بالتزامات الأردن الدولية.
التعديلات على قانون التنفيذ
تنص التعديلات الجديدة على وقف حبس المدين في الديون التعاقدية، باستثناء الحالات التالية:
ديون العمالة.
إيجارات الوحدات السكنية والتجارية.
ديون النفقة.
الديون الناشئة عن جرائم جزائية.
حالات إعسار المدين المفلس إذا ثبت إفلاسه.
كما حدد القانون مدة الحبس بـ60 يوما سنويا للدين الواحد (بدلا من 90 يوما سابقا)، على ألا تتجاوز المدة الإجمالية 120 يوما في حال تعدد الدائنين. وتأتي هذه التعديلات تماشيا مع التزامات الأردن الدولية، لا سيما المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه المملكة ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 15 يونيو 2006، والتي تنص على أنه "لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي".
مفهوم "الإعدام المدني"
أوضح المحامي محمد الطراونة، المختص بالقضايا الجزائية والمدنية، في تصريح لموقع "رؤيا الإخباري"، أن "الإعدام المدني" هو آلية قانونية تهدف إلى إجبار المدين على سداد ديونه من خلال فرض قيود إدارية ومالية، تشمل:
منع تجديد رخصة القيادة أو جواز السفر.
حظر السفر خارج البلاد.
منع فتح حسابات بنكية أو الحصول على قروض.
حظر إصدار دفاتر شيكات.
الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة.
منع استقبال الحوالات المالية من الداخل أو الخارج.
حظر تأسيس شركات أو مؤسسات لدى مراقب الشركات.
ويرى الطراونة أن هذه القيود تشكل بديلا فعالا للحبس، حيث تضغط على المدين للوفاء بالتزاماته دون المساس بحريته الشخصية.
الجدل القانوني حول الالتزامات الدولية
أكدت المحكمة الدستورية الأردنية أن الاتفاقيات الدولية المصادق عليها والمنشورة في الجريدة الرسمية تعد ملزمة ونافذة. ومع ذلك، أثار الطراونة تساؤلات حول دستورية هذه الاتفاقيات، مشيرا إلى أن العهد الدولي لم يعرض على مجلس الأمة، كما تنص المادة 33 من الدستور الأردني، التي تلزم بعرض المعاهدات والاتفاقيات التي تترتب عليها أعباء مالية أو تمس الحقوق العامة والخاصة للأردنيين على المجلس للموافقة. يرى الطراونة أن هذا النقص الإجرائي قد يضعف الشرعية القانونية لهذه الالتزامات.
وتثير التعديلات الجديدة جدلا حول قدرتها على تحقيق التوازن بين مصلحة المدين والدائن. من جهة، تهدف إلغاء حبس المدين إلى حماية حريته الشخصية ومواءمة التشريعات الأردنية مع المعايير الدولية.
لكن من جهة أخرى، يرى الدائنون أن إلغاء الحبس يضعف قدرتهم على استرداد حقوقهم، خاصة في ظل غياب آليات رادعة بديلة.
يتوقع الطراونة تزايد المطالبات بتعديلات إضافية على القانون لتعزيز أدوات مثل "الإعدام المدني"، الذي يعد أقل ضررا من الحبس وأكثر فعالية في الضغط على المدين.
ومع ذلك، يبقى التحدي في ضمان ألا تؤدي هذه القيود إلى تقييد الحقوق الأساسية للمدين بشكل مفرط، مما قد يثير جدلا قانونيا واجتماعيا جديدا.
