منطقة أم الجمال
أم الجمال.. دليل مكثّف لـ6 حضارات في "مملكة الزمن" - فيديو
- أم الجمال.. واحة سوداء تحكي تاريخ الحضارات المتعاقبة على الأردن
- بعد إدراجها على قائمة التراث العالمي.. أم الجمال تفتح ذراعيها لاستقبال السياح
- أم الجمال.. تنوّع تاريخي وثقافي لسابع موقع أردني على قائمة التراث العالمي
- أم الجمال تحجز مقعدا عالميا على قائمة التراث وتنادي سياح العالم
حجز موقع أم الجمال الأثري في محافظة المفرق مقعدا في المسرح العالمي للسياحة والتراث، بعد إدراجها كسابع موقع أردني على قائمة التراث العالمي، حيث تعاقبت على المكان مجموعة من الحضارات والأقوام والثقافات والهُويات السابقة.
بحيرة من التاريخ، وذاكرة حية لا تموت، تروي لك فصولا من هويات الحقب المتعاقبة على المكان.
سردية موقع أم الجمال
تقع أم الجمال على بعد عشرين كيلو متراً الى الشرق من مدينة المفرق وعلى بعد (86كم) من العاصمة عمان وعلى بعد أربعة أميال إلى الشمال من الطريق المعبد المفضي إلى بغداد، وعلى بعد حوالي (24كم) إلى الجنوب الغربي من مدينة بصرى السورية.
تعد أم الجمال مثالًا حيًّا على القدرة في التأقلم السريع مع الثقافات الخارجية المهيمنة التي مرّت عليها، ويتضح ذلك من خلال العديد من الأمثلة؛ فمثلاً النظام المائيّ المتكامل الذي على الرغم من تأثره بالنظام المائي النبطيّ والرومانيّ، فقد استطاع السكان المحليين الذين يعملون معًا كمواطنين عاديين لإنشاء هذا النظام الهيدروليكي التاريخي والحفاظ عليه باستمرار منذ الفترة النبطيَّة حتى الوقت الحاضر.
تعتبر النقوش المتنوعة بمختلف لغاتها ولهجاتها مثل النبطية، واليونانية، والصفائية، والحسمائية، واللاتينية، والإسلامية دليلًا على امتزاج أم الجمال بالحضارات والأقوام والثقافات والهويات السابقة.
ازداد الاهتمام بالمدينة من قبل الرومان، حيث شكلت جزءًا من الخط الدفاعي الروماني، وكان الهدف منها حماية القوافل المتجهة شمالًا على طول الطريق الجديد وحماية المدن الواقعة على طول هذا الطريق وضبط حركة القبائل البدوية القاطنة إلى الشرق منها.
وفي نهاية القرن الثاني وبداية الثالث الميلاديين، ونتيجة لضغوطات القبائل البدوية، قامت الإمبراطورية الرومانية بزيادة التحصينات الدفاعية التي تجلت من خلال بناء سور حول المدينة يحتوي على بوابات تحمل أبراجًا للمراقبة، وإنشاء بوابة كومودوس التي تحمل نقشًا يعود لحكم أوريليوس وابنه كومودوس، بالإضافة إلى عدة قلاع وأبراج.
تمثل المدينة أهمية دينية في الفترة المسيحية المبكرة بدليل الكشف عن عدد من الكنائس التي يفوق عددها خمس عشرة كنيسة، بالإضافة إلى البقايا المعمارية والمادية التي عثر عليها في المقابر، مثل المجوهرات، والتماثيل العظمية، والقطع الفخارية.
دلَّ النسق المعماري الحضاري المميز للكنائس في مدينة أم الجمال في الفترتين البيزنطية والأموية على الأسلوب الخاص والفريد لها في تلك المنطقة، حيث بنيت من الحجارة السوداء. ومن الممكن رؤيتها في منتصف تسلسل نمطي للعمارة الدينية، مكون من المعابد الكبيرة ذات الموقع المركزي في الماضي قبل دخول المسيحية في الفترة البيزنطية، والمساجد في الفترات الإسلامية المبكرة والوسطى.
وتشير الأمثلة وغيرها إلى الطابع المرن لتكوين الثقافة المحلية في مواجهة التأثيرات الحضارية.
كما انتقل المجتمع القديم من البداوة إلى المدنية في ظل إدارة دولة أكبر تسيطر على المنطقة، بدءًا من النبطية ثم الرومانية. ما يجعل سردية موقع أم الجمال رائعة هو رؤية السكان العرب المحليين يخلقون حضارة مزدهرة مبنية من أجزاء موقع نبطي روماني ضخم (القرن الثالث) في أسلوب مناسب للسهل البازلتي في حوران ("الصحراء السوداء").
يظهر نجاح السكان المحليين في التعايش مع الحضارات المتعاقبة التي سيطرت على المنطقة من خلال التطور في شتى المناحي، إذ يمكن للزائر تصور حياة السكان المحليين وكيف جسدوها في حياتهم الخاصة في وقت لاحق، بما في ذلك تربية الحيوانات وتدجينها داخل الإسطبلات.
يمثل حصاد القمح في الحقول المحيطة بأم الجمال، والمياه التي سحبت من خزانات عديدة لتروي عطش الحيوانات والبشر معًا، حالة من الازدهار المكلل بالنجاح في بيئة يُفترض أن تكون قاسية وصعبة للعيش فيها، مما جعل أم الجمال تبرز ليس فقط كمدينة، بل كجهد رائع في الحفاظ عليها بينما دمرت المعالم الأخرى المجاورة بشكل كامل.
المعالم الرئيسة في أم الجمال
يقع المعبد النبطي في الجهة الجنوبية الغربية من المدينة، محاذيًا للبوابة الغربية. وعلى بعد 70 مترًا إلى الشمال من المعبد توجد مجموعة من المنازل التي عثر بين أنقاضها على مجموعة نقوش نبطية، بينها مذبح يحتوي على نقش مكتوب باللغتين النبطية واليونانية، يذكر اسم الإله النبطي دوشارا، بالإضافة إلى بقايا أساسات وقاعدتي عامودين وتاجيتين تعود جميعها لمعبد نبطي آخر يقع في الجهة الشمالية الشرقية من المدينة.
الاستراحة النبطية
تعود إلى القرن الأول الميلادي، وتتكون من قاعة مربعة كبيرة وساحة مفتوحة يحيطها عدة غرف جانبية، يتخللها غرفة لمذاود الخيل.
سور المدينة التحصيني والبوابات
في الفترة الرومانية، استخدمت الأسوار والبوابات لتحصين المدينة من أي اعتداءات خارجية. يحيط بالموقع سور يتخلله ستة بوابات من جميع الجهات، وأهمها بوابة كومودوس التي تقع في الجهة الشمالية الغربية.
مبنى الحاكم الإداري الروماني (البروتوريوم)
يقع هذا المبنى المتكامل في منتصف الجزء الغربي للمدينة الأثرية، وقد بُني في بداية القرن الرابع الميلادي ليكون بمثابة قصر للحاكم المدني في المدينة. يتكون المبنى من مجموعة من الغرف والقاعات التي يتوسطها ساحة سماوية مسقوفة بطريقة الشبائح الحجرية الطويلة المعتمدة على أربع أعمدة في وسط القاعة الجنوبية. يحيط بهذا المبنى المتكامل سور خارجي من الجهات الثلاث الشرقية والجنوبية والغربية.
ويوجد خزان المياه الخاص بالمبنى في جهته الشرقية، وهو مسقوف ومتصِل بقناة مسقوفة أيضًا، كما يوجد بوابة رئيسية تقع في منتصف الجدار الجنوبي وتفتح على ساحة سماوية واسعة كانت تستخدم كموقف للإبل والخيول والعربات، متصلة بطريقين متصلين بالبوابتين الغربية وكوميدوس وكذلك الجنوبية.
الكنائس
تأتي كنائس أم الجمال مبنية على نمطين، وهما: الكنائس ذات النظام البازيليكي، والكنائس ذات نظام القاعة الواحدة. ومن أبرز هذه الكنائس:
الكاتدرائية
تتبع طراز البازيليكا من هيكل شبه دائري مزخرف أمام جنبي الممشى الضيقين، وتعد واحدة من أكبر الكنائس، وتقع في الجزء الجنوبي الغربي من موقع أم الجمال، وهي بعيدة عن باقي المباني الأخرى. يمكن لانعزالها وحجمها أن يدل على أهميتها الخاصة. بنيت الكنيسة عام 557 ميلادي في أقصى اتساع للديانة المسيحية.
كنيسة نوميريانوس
تقع إلى الشمال من الثكنة العسكرية، وتشاركها الساحة المفتوحة التي كانت تستخدم للاستراحة. بنيت الكنيسة كنذور لنوميريانوس وجوهانوس وماريا، واختصرت تسميتها بكنيسة نوميريانوس.
الكنيسة الغربية
تقع بالقرب من بوابة كومودوس، ويبلغ طول مدخلها الرئيسي حوالي أربعة وعشرين مترًا، وصحنها حوالي اثنين وعشرين مترًا، وعرضه ستة عشر مترًا. بجوار الهيكل قوسان نقش عليهما صليبان. يحيط بالكنيسة رواقان من الشمال والجنوب، وبين صحن الكنيسة والأروقة صفان من الأقواس. أما بقية الكنائس، فبعضها يتخذ شكل قاعة كبيرة، وبعضها يحوي صحنًا في الوسط، تفصله عن الأروقة الجانبية أقواس قائمة على قواعد.
الهندسة المائية في أم الجمال
يعتبر النظام المائي في مدينة أم الجمال نظامًا مميزًا، وهو نظام الحصاد المائي، حيث كان النظام الهيدروليكي في إيصال المياه إلى المدينة من الأودية القريبة وتجمعات المياه ذو جدوى. في تلك الفترة، كانت عملية الحفاظ على المياه صعبة لعدم توفر مصادر مياه دائمة، ولعدم وجود عيون مياه قريبة.
وتعتبر هذه البرك كخزانات رئيسية حيث يتم تصفيتها وتنقيتها من الشوائب، ومن ثم توزيع المياه إلى جميع مرافق المدينة بنظام مائي جيد معتمد على الضغط الهيدروليكي من خلال القنوات المائية الحجرية تحت الأرض، ومن أهم هذه البرك البركة النبطية أو البركة الرومانية.
الثقافة والحضارات والنقوش اليونانية والصفائية والنبطية العربية:
النقوش الصفائية
تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد حتى القرن الرابع الميلادي، وضمت العديد من المضامين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
الخط النبطي المتطور
عثر فيه على كتابات نبطية مثل نقش أم الجمال الأول: نقش فهر بن سلي.
النقوش اللاتينية
نقش قانون الدولة البيزنطية، قانون الإمبراطور "أنستازيوس"، وهو من أكبر النقوش اللاتينية الموجود في المنطقة.
النقوش ثنائية اللغة
من الأمثلة عليها العثور على مذبح يوجد عليه نقش مكتوب بلغتين "ثنائية اللغة": النبطية واليونانية، يذكر اسم الإله النبطي دوشارا.
النقوش العربية
تعتبر نقش أم الجمال الثاني من أهم النقوش لتطور الخط العربي.
النقوش الجنائزية والتذكارية
مكتوبة باللغة اللاتينية، وتحتوي على أسماء أغلبها أسماء عربية لسكان المنطقة.