الشيف علا طاشمان من برودة الغربة لدفء المائدة

نمير الشريف

في الغربة يحتاج المرء لشعلة دفءٍ من وطنه يحتضنها كلما شعر ببرودة الاشتياق، فمن المغتربين من يقع ضحية للحزن فما طال فرصة الاستمتاع بثقافة جديدة ولا أطلق العنان لاستكشاف فرصٍ مخفية، ومنهم من أقام له في غربته وطناً آخر وقرع فيها أجراساً لأبوابٍ جديدة، وخير مثال على ذلك الشيف علا طاشمان التي بدأت حياتها المهنية بمحض الصدفة حين هاجرت وزوجها خارج الأردن فجمعت حولها عائلة بديلة من الأصدقاء والأحباء ليكونوا السند خلال رحلةٍ تحمل فيها التحديات، عبرت لهم عن حبها ودعمها من خلال أكلات تحمل في طيها طعم الوطن، فكيف لا وأمهاتنا قدموا لنا حنانهم على موائدٍ جمعتنا؟ فكلما شعر أحدهم بالحنين إلى رغيف أمه طلبه من علا ، فغدت الملجأ الذي يرجعون إليه رجاءً لوصفات عربية وغربية. سخّرت علا هذه القوة والموهبة التي بين يديها  لتساند بها بنات جلدتها والمغتربات من أمثالها ومن هنا ظهرت فكرة تسجيل وصفات الأطباق وطريقة الطهي لعرضها على قناتها الخاصة على منصة اليوتيوب التي دشنتها عام 2017  وبدأتها بوصفة ’الكبة بدون ماكينة‘ فحققت تفاعلاً كبيراً وردوداً تُثني على أنها بمتناول اليد كونها لا تحتاج إلى آلة صنع الكبة التي لن تجدها في كل بيت، عندها أدركت علا أن جمهورها يتعطّش لوصفاتٍ ذات مكونات بسيطة دون الحاجة إلى كثير من الأدوات فرسمت منهجاً واضحاً لوصفاتها يتميز بالبساطة.

اقتحمت علا بلكنتها الأردنية قلوب متابعيها الذين اجتمعوا على وضوح شرحها واستخدامها المواد الموجودة في كل مطبخ بعيداً عن التكلف والتعقيد، فبرزت بين مقدمي الوصفات "بروحها الأصيلة والتي تعكس حنان أمهاتنا" كما وصفتها إحدى متابعيها، وغدت المرجعية لأي وصفة من تراثنا تستحضر بصوتها المميز طعم زيت الزيتون البكر وتشم بها رائحة الطابون.

 رغم أنها قدمت نفسها صوتاً بلا صورة إلا أن قناتها "أطيب الأكلات" جمعت الأربعة ملايين متابع واليوم يوجَد عليها ما يزيد عن الستمئة وصفة، ولعل القفزة الكبرى لها كانت خلال فترة الكورونا حين أمست علا المعلم لمن اضطر أن يدخل المطبخ لأول مرة فتضيف: " قناتي على اليوتيوب جزءاً من مسؤوليتي اتجاه مجتمعي؛ فأرى في وجه الشاب الأعزب أخي، وتلك المراهقة التي تحاول أن تجرب الطبخ لأول مرة أرى فيها ابنتي، وأتعاطف مع تلك الشابة حديثة الزواج التي تذكرني بنفسي في بداية زواجي، هؤلاء هم جمهوري وهدفي أن أشد على يدهم وأشجعهم ليدخلوا المطبخ بثقة، محاولة جاهدة أن أبسطها لهم."

أما عن ظهورها على الشاشة الفضية فتستذكر علا تجربتها الأولى من خلال مشاركتها كمحكم في برنامج ’ست النكهات‘ في موسمه الحادي عشر والذي عُرض على قناة رؤيا في رمضان 2023 فتسترسل قائلة: "مشاركتي في البرنامج تجربة عزيزة على قلبي فهي أول التقاء وجهاً لوجه مع جمهوري والذي قربني منهم، أما أن أكون وسط متسابقات يتبعن حلمهن في مجال أعشقه لهو من أكثر المشاعر الجياشة التي خُضتها". إن الظهور الأول لـ "الشيف ذات اللهجة الأردنية" حقق نجاحاً باهراً، ومن هنا ظلت الشيف تطل على متابعيها وكما عهِدوها ببساطتها من خلال برنامج ’مطبخ رؤيا‘ دون أن يؤثر ذلك على قناتها على اليوتيوب ليبقى المكان المخصص لوصفاتها وحلقة الوصل بينها وبين معجبيها فبالنسبة لها هو "عالمها الخاص الذي تترجم فيه شغفها للطبخ" وتشارك فيه متابعيها حبها للمطبخ.

إن نجاح الشيف علا على منصات التواصل الاجتماعي؛ حيث تجاوزت الخمسة ملايين متابع على الفيسبوك والأنستغرام، يعكس الجهود الكبيرة التي تبذلها للحفاظ على التفاعل مع جمهورها رغم التحديات اليومية والظروف الاستثنائية التي قد تطرأ في حياتها، إلا أن حب جمهورها كان دافعًا قويًا يومًا بعد يوم ووقودًا مستمرًا للحفاظ على الجسر، فأن تصلها رسالة شكر كـ "قناة أطيب الأكلات منقذتي في كل الأوقات"، أو تعليق من أمٍ طلبت من ابنتها "أن تتابع الشيف علا لتتعلم منها وتتوقف عن طرح أسئلة لها حول أسرار الطبخ" كفيل بأن يُنسيها جهد يومٍ طويل قضته ما بين تحضير لوصفة وتصويرها بجانب مسؤوليات أخرى ملقاة على عاتقها.