منظر عام لمخيم الزعتري
صمود وسط انعدام اليقين.. إضاءة على حياة لاجئي "الزعتري"
- يوم برفقة اللاجئة السورية "أم علي" في مخيم الزعتري
- "رؤيا" تقضي يوماً بكرفان "أم علي" في مخيم الزعتري
- بعد 11 عاماً من افتتاحه.. كيف تبدو الحياة في "مخيم الزعتري"
من بقعة قاحلة إلى مدينة تضج بالحياة.. استحالت أراضي الزعتري شرقي محافظة المفرق، وما كانت المنطقة لتعرف بالنسبة للكثيرين قبل إيوائها مخيما للاجئين السوريين، سيصير لاحقاً أكبر مخيمات العالم.
ولد المخيم الذي يضم زهاء 83 ألف لاجئ بمجتمع محدود تعداده 450 سورياً، أعقاب فرارهم من الحرب في سوريا، بعد أشهر من نشوبها عام 2011، وسرعان ما توسع في قاطنيه ومساحته، حتى أمسى مدينة متكاملة تقع على 5.3 كيلومتر مربع يتضمن 12 قطاعاً موزعاً.
وبالرغم من الظروف المعيشية القاسية التي يمر بها اللاجئون في المخيم، يسعى قاطنوه إلى التكيف بشتى السبل وخلق ما يشبه الحياة الطبيعية، فالأطفال هناك يذهبون إلى المدارس، فيما تلبي الأسواق المفتوحة معظم احتياجات اللاجئين، فلن يكون أمراً شاقاً استحضارُ طبق من الحلويات الدمشقية أو اختيارُ فساتين العرائس على المقاس التقليدي الشامي وقد زينت المتاجر التجارية التي بنيت على عجل.
هكذا إذاً، تطور المخيم الذي صارت فيه الحمير والدراجات الهوائية وسائل نقل أساسية، إلى مدينة تزدحم شوارعها بالفتية والأطفال الذي ولدوا بالمخيم، ويشكلون ما يزيد عن نصف سكانه، بنسبة تراوح 55% من القاطنين، وفق مفوضية اللاجئين السوريين. فيما تظهر دراسة أخرى حديثة أصدرتها الأمم المتحدة عدم رغبة 97% من اللاجئين السوريين في المملكة العودة إلى بلادهم في الأشهر 12 المقبلة، وسط حاجة المملكة المتواصلة إلى الدعم اللازم لرعاية اللاجئين السوريين.
ليلة في الزعتري
واقتراباً من واقع الحياة في "المخيم المدينة" أمضت مراسلة رؤيا دانا الشرايري ليلة مع عائلة "أم علي"، وفي غرفة اقتصرت على ثلاث فرشات، وكانت مكان مأكلهم ونومهم وشغلهم ودراستهم، استمعت إلى قصصهم.
في شباط/ فبراير 2014، وصلت أم علي، وهي أم سورية، إلى مخيم الزعتري مع زوجها وأطفالهما الثلاثة - ريتاج وزمزم وعلي. استغرقت رحلتهم الشاقة 28 يوماً على الطريق. تاركة وراءها كل شيء عزيز، وما أن وصلت المخيم حتى امتلأ قلب أم علي بالامتنان وهي تخر سجوداً، شكراً لله على وصولهم سالمين.
وحول مائدتي عشاء في مساء اليوم الأول وإفطار في صباح اليوم التالي احتوتا على أطباق سورية شهية، تحدث أفراد الأسرة عن أحلامهم وتطلعاتهم.
ريتاج، 15 سنة، لديها إصرار لا ينضب على أن تصبح محامية. مدفوعة برغبة عميقة في سماع صوت من لا صوت له، وتبنّي قضايا المظلومين، وتحلم بالقتال من أجل العدالة في عالم يتعامى كثيراً عنها.
أما زمزم، 14 عاماً، فتتطلع لأن تصبح محققة أو صحافية، تنقل قضايا ومعاناة الآخرين، فيما يطمح علي، 11 سنة، بأن يصير مهندسا يعمل في شركة، ويوما ما يصبح مالكا لهذه الشركة.
بالنسبة لأم علي، يظل تعليم أطفالها ورفاهيتهم أمرًا بالغ الأهمية، ويغلب عليها حالة من التردد وعدم اليقين، "لا نعرف ما يخبئه لنا الغد"، تنهدت أم علي. "لكننا نعلم أن الله معنا."
فرغم مرور نحو عقد على وجودهم في المخيم، لم تستطع الانفصال عن الواقع الأليم الذي عاشته خلال الحرب في سوريا، إذ ظلت تطاردها وأسرتها ذكريات أصوات القصف والرصاص وانعدام الضروريات الأساسية، لكن شبح الخطر ما يزال يلوح في الأفق على وطنهم، ولا يترك لأم علي خيارًا سوى البحث عن أمان في المخيم.
وعلى ذكر الحرب، لم تغادر ريتاج التفاصيل التي عايشتها قبيل فرار عائلتها إلى المخيم، مبدية مشاعر مختلطة بين الألم والصمود. "معظم الذكريات التي لدي عن الحرب (..) ما زال صوت الرصاص يتردد في ذهني"، همست ريتاج وهي تغطي أذنيها.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، استحضرت ريتاج كيف أمضت وعائلتها أسبوعًا داخل أحد المساجد حين ضلّوا طريقهم إلى الأردن. وكيف قضوا الأيام الأربعة في الساتر (منطقة حدودية بين سوريا والأردن)، تقول ريتاج: "لم يكن لدينا شيء… لا ملابس ولا أغطية ولا طعام خلال هذه الأيام الأربعة، وتضيف: "كان علينا أن نذهب ونبحث عن خبيزة ونطبخها ونأكلها بدون ملح أو خبز".
ورغم ولادة ريتاج وزمزم وعلي في سوريا، إلا أن مخيم الزعتري يستوطن معظم ذكرياتهم.
تقول ريتاج: "معظم ذكرياتي هنا في هذا المخيم".
المخيم، الذي استعادت أم علي ذكريات أيامه الأولى حين مكثوا في الخيام قبل أن يجري نقلهم إلى الكرفانات، "لقد بدأنا بلا شيء…"، قالت أم علي.
حصلت عائلة "أم علي" المكونة من خمسة أفراد، على كرفان واحد، فيما كانت الأسر التي يزيد عدد أفرادها عن خمسة، تحصل على كرفانين بحد أقصى.
وبدأت العائلة -بعد ذلك- برسم حياتها الجديدة. "لقد اشترينا أول اسطوانة غاز. ثم قمنا بتوسيع الكرفان"، تقول أم علي.
يحتوي الكرفان الآن على غرفتين، إحداها للمعيشة، والأخرى لمطبخ مرفق بحمام.
وبالرغم من هذه الذكريات المؤلمة، تقول ريتاج إنها تستدعي جمال سوريا وذكرياتها الدافئة:"كنت في الروضة ألعب مع صديقاتي عندما فاجأني والدي بحقيبة مدرسية جديدة حمراء اللون".
تضيف بابتسامة مريرة ودمعة في عينها: "أتذكر أيضًا عندما كنت أنا وبنات عمي جالسات على أرجوحة في منزل جدي".
واقع التعليم في المخيم
في الغرفة الصغيرة اليتيمة، يدرس الأخوة الثلاثة بجد، ريتاج وزمزم وعلي يتبادلون الأدوار، لكي لا يزعج بعضهم بعضا.
ولعل في قدرة الأخوة -المتفوقين في دراستهم- على الصمود ضمن هذه الظروف نموذج يبرز ملامح المشهد التعليمي العام في المخيم، الذي يضم 32 مدرسة تعمل بنظام الفترتين، وتخدم أكثر من نصف السكان (55%) ممن تقل أعمارهم عن سن الثامنة عشرة.
ويقوم على العملية التعليمية التي تقع على عاتق اليونيسف ووزارة التربية والتعليم، طاقم يتألف من 1200 معلم أردني، إضافة إلى معلمين مساعدين من اللاجئين السوريين في المخيم.
لكن يبقى حلم متابعة مراحل التعليم العالي أمراً معلقاً بالنسبة للطلبة الموهوبين في المخيم، إذ لا يتوفر سوى عدد محدود جداً من المنح الدراسية، فمن بين أكثر من 400 طالب تقدموا لامتحانات التوجيهي، ونحو 20 طالباً وطالبة حققوا معدلات فوق الـ90، حصل أربعة طلبة فقط على منح للتسجيل في الجامعات.
ظروف معيشية قاسية
يعاني معظم اللاجئين من الانقطاع المتكرر للكهرباء وندرة المياه. إذ يقتصر توفر الكهرباء على تسع ساعات فقط في اليوم. أما المياه فتصل إمداداتها المتناوبة مرة كل تسع أيام، بمعدل ثلاث مرات في الشهر.
وفي استطلاع أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بيّن 30 % من الأسر في الزعتري بأن إمدادات المياه لم تكن كافية لتغطية احتياجاتهم.
وحول الواقع الصحي في المخيم، فإن الوصول إلى الرعاية الطبية يمثل تحديًا أمام اللاجئين. في ظل انتظار كثير منهم مواعيد المراجعة الصحية، في المرافق الطبية الثمانية بالمخيم، لفترات طويلة تصل إلى عدة أشهر.
وبالعودة إلى أم علي، التي وجدت نفسها أمام مهمة تربية أطفالها الثلاثة بمفردها بعد وفاة زوجها بسكتة قلبية خلال عطلة العيد، عام 2018. فقد عانت من عدم توفر خيارات الجراحة خلال إجازة العيد حين تدهورت صحة زوجها، الأمر الذي أدى إلى وفاته.
تتذكر أم علي: "عندما مات زوجي، عانقتهم (أطفالها) بقوة لأنني لم أكن أريدهم أن يشعروا بالألم". وتتابع "لكنني شعرت بكل الألم."
تزداد الآلام فوق طاقة "أم علي"، إذ لجأت شقيقتها إلى كرفانها لمدة شهر ونصف، بعد أن خسرت الأخيرة مسكنها في حريق.
لدى "أم علي" أربعة أشقاء وأربع شقيقات، غادر أحد إخوتها الحياة، ويقيم شقيق آخر لها في المخيم الإماراتي الأردني، أما شقيقها الثالث فاضطر للبقاء في بلاده لتقديم المساعدة لوالديهم في درعا.
أما بالنسبة لشقيقتها، فإحداهن تقيم في مخيم الزعتري، والأخرى في المخيم الإماراتي، والثالثة بقيت في سوريا.
وظائف داخل المخيم
بدأت أم علي في البحث عن وظيفة بعد إتمام فترة العدة البالغة أربعة أشهر - وهي فترة انتظار مدتها 130 يومًا للنساء بعد وفاة أزواجهن أو الطلاق.
قالت: "لقد استغرقت ما يقارب من عام للعثور على وظيفة".
تعمل أم علي في المخيم كجزء من برنامج أوكسفام IBV (التطوع القائم على الحوافز). بموجب هذا البرنامج، يساهم اللاجئون بخدماتهم لمدة ستة أشهر، تليها فترة راحة لمدة عام واحد، وبعد ذلك تتاح لهم الفرصة للتقدم لفترة أخرى. تعمل أم علي خمسة أيام في الأسبوع، من الساعة 9:30 صباحًا حتى 3:30 مساءً.
أوكسفام هي المسؤولة عن إدارة النفايات في مخيم الزعتري وتوفر فرص عمل مؤقتة للاجئين، بما في ذلك الأدوار في جمع النفايات وإعادة التدوير والمشاركة المجتمعية.
يضم مخيم الزعتري ما يقارب من 1200 محل تجاري على امتداد ثلاثة كيلومترات ويطلق عليه "شام إليزيه". وهو مشتق من الشارع الباريسي الشهير"الشانزليزيه".
والجدير بالذكر أن جميع المقيمين داخل المخيم يتلقون 23 دينارًا أردنيًا أي ما يعادل (32 دولارًا أمريكيًا) شهريًا من برنامج الغذاء العالمي (WFP) عبر تقنية "البلوك تشاين" لتغطية احتياجاتهم الغذائية.
ويتم استخدام "البلوك تشاين" لتحسين كفاءة برامج المساعدة الغذائية المساندة لبرنامج الأغذية العالمي. حيث يقوم بتتبع الأموال المستحقة للاجئين وتحديث المبلغ المستحق للبائعين عند إجراء عمليات الشراء.
لأكثر من عقد، لا يزال التكيف يمثل مشكلة
وفي حديثها عن التحديات اليومية التي تواجهها هذه العائلة في المخيم، قالت أم علي إنها لا تزال غير قادرة على التكيف.
"الغبار هنا والطقس الحار والقائمة تطول ..."
على الرغم من الحياة الجديدة التي صنعوها لأنفسهم، إلا أنهم يواجهون تحديات كل يوم. وبالطبع، في الصيف تتحول الكرفانات المعدنية، المأوى الوحيد للاجئين، إلى حمامات بخار لا تطاق، جراء الطقس الحار وأشعة الشمس. والشتاء ليس أفضل، إذ تتسرب مياه الأمطار إلى داخل الكرفانات مما يضطر اللاجئين لإخلاء مسكنهم الوحيد والبحث عن آخر.
كما وتنعكس الفصول على طلبة المدارس الذين يشكلون جزءاً كبيرا من المخيم، فوصولهم إلى مقاعد دراستهم وتلقيهم العلم يعتبر تحديا، صيفا وشتاء.
الكلاب الضالة
وخلال تناول وجبة العشاء، ذكرت ريتاج قصة منع الكلاب لها من الوصول إلى طبيب الأسنان.
حيث بدأت قصتها في أول أيام الشهر الفضيل شهر الصيام، عندما شعرت بألم في أسنانها، لكن الذهاب إلى الطبيب ليس بالأمر السهل.
مباشرة سألتها لماذا، أكدت لنا أن الكلاب الضالة تملأ الطريق المؤدي إلى العيادة.
وجهت سؤالا آخر حول كيفية الوصول إذا؟؟ لتستذكر أن الكثرة تغلب الشجاعة، ولا أحد يستطيع الذهاب بمفرده إلى العيادة بل يجب أن يكون المسير جماعيا، فهي تذهب مع أختها وفتيات أخريات علّ الكلاب تغض النظر عنهن.
واستكملت الحديث مع الإشارة بإصبعها إلى النافذة : "انظروا، هذا هو الطريق الذي نسلكه إلى المدرسة. إنه مليء بالكلاب الضالة ".
بعد هذه القصة وجهنا سؤالا للمعنيين، عن سبب عدم محاربة انتشار الكلاب الضالة؟ والجواب أنه إذا تم القضاء على الكلاب الحالي فسيأتي غيرها لأن المنطقة صحراوية.
رسالة أم علي
رسالة أم علي إلى العالم تذكير قوي بأهمية الامتنان والمثابرة.
مع إيمانها الراسخ بإمكانيات الأفراد، أكدت أم علي على أهمية أن يكون الأفراد ممتنون لما يمتلكونه بينما يسعون أيضًا لتحقيق أحلامهم، بالرغم من الظروف المحيطة بهم.
660,000 لاجئ سوري مسجل لدى المفوضية في الأردن
أدى الصراع السوري عام 2011 إلى سعي الكثير من السوريين إلى البحث عن دولة مجاورة لهم للجوء إليها، هربا من الموت.
وحتى اللحظة، يستقبل الأردن قرابة 660 ألف لاجئ سوري، إلا أن العدد قد يكون أكثر من ذلك لأن البعض غير مسجل بشكل رسمي كلاجئ لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
واستجابة للأزمة المستمرة، عملت منظمات مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي على تقديم المساعدة والدعم للاجئين السوريين في الأردن. ليجد العديد من السوريين مأوى في مخيمات اللاجئين مثل الزعتري والأزرق والمخيم الإماراتي الأردني. وبالرغم من الجهود المتواصلة، لا تزال أزمة اللاجئين السوريين في الأردن تشكل تحديًا معقدًا ومستمرًا.
ويعتبر مخيم الزعتري أول مخيم للاجئين السوريين يتم إنشاؤه في الأردن، تلاه المخيم الإماراتي الأردني الذي تم افتتاحه في عام 2013 ثم مخيم الأزرق في عام 2014 لتخفيف الاكتظاظ في الزعتري. كما تم إنشاء مخيم الحديقة عام 2012، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وتعود قصة مخيم الزعتري إلى العام 2012 عندما فر 450 سوريا من العنف الدائر في بلادهم، متوجهين إلى الأردن ليلا، ليكونوا أول مسجلين في هذا المخيم.
وفي غضون عام، ارتفع عدد سكان المخيم إلى 120 ألف شخص. لتستبدل الخيم تدريجيا بآلاف الملاجئ المعدنية. وتتوسع البنية التحتية للمخيم لتشمل الطرق والمدارس والمستشفيات وحتى المحال الصغيرة التي يديرها اللاجئون.
الآن، وبعد عقد على افتتاحه، استقر عدد سكان الزعتري عند حوالي 83000 شخص. ليبقى أكبر مخيم للاجئين في الشرق الأوسط وواحدًا من أكبر المخيمات في العالم، وهو بمثابة رمز لأزمة اللاجئين السوريين المستمرة.
أما المخيم الإماراتي الأردني فيأوي ما يقرب من 6737 لاجئًا، بينما يأوي مخيم الأزرق 45,045 لاجئًا، بينما يستضيف مخيم الحديقة حوالي 307 لاجئ فلسطيني وسوري.
ووفق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإن (196,655) لاجئا يتواجدون في العاصمة عمان، و129,177 في إربد و85,591 في المفرق.