بسبب "العرض والشرف".. أكثر من نصف نساء لبنان لا يبلغن عن الاعتداءات الجنسية

عربي دولي
نشر: 2022-11-25 14:13 آخر تحديث: 2023-06-18 15:19
صورة تعبيرية لسيدة تتعرض للاعتداء
صورة تعبيرية لسيدة تتعرض للاعتداء
  • 4 من أصل 10 نساء لبنانيات تعرضن للاعتداء الجنسي لم يبلغن عن هذا الاعتداء
  • هاجس "العرض والشرف" يمنع 6 من أصل 10 نساء تعرضن للاعتداء الجنسي في لبنان من التبليغ عن الجريمة

"تعرضت للاغتصاب، وعلمت بحملي بعد خمسة أشهر من الجريمة، إلا أن عائلتي منعتني من التبليغ عن المجرم بسبب خوفهم من المجتمع، وتعرضت للتهديد بالقتل من شقيقي إن بلغت عن الأمر. لقد تسببت لي هذه الحادثة بصدمة كبيرة، ومررت بالكثير من المشكلات النفسية والخوف والقلق الدائمين والرغبة في العزلة نتيجة لذلك"، تقول إحدى الناجيات من اعتداء جنسي في لبنان تحدثت عن تجربتها بعد لجوئها إلى منظمة "أبعاد" للحصول على الحماية.


اقرأ أيضاً : دراسة تكشف السبب الرئيسي الثاني للوفيات في العالم


"العرض والشرف"، هاجس يمنع 6 من أصل 10 نساء تعرضن للاعتداء الجنسي في لبنان من التبليغ عن الجريمة، في حين 71 في المئة منهن يعتبرن أن المجتمع يرى بالدرجة الأولى في الجريمة، اعتداء على "عرض العائلة"، قبل أن يكون اعتداء جسدي ونفسي على المرأة، وفقا لدراسة إحصائية أعدتها منظمة "أبعاد".

لا عرض ولا عار

الدراسة التي أعلنت نتائجها الجمعة، جاءت في سياق حملة أطلقتها منظمة "أبعاد" تحت عنوان "# لا_عرض_ولا_عار" تطالب بتعديل الفصل السابع من قانون العقوبات اللبناني الخاص بجرائم الاعتداء الجنسي وتشديد العقوبات عليها، وتستهدف فكرة اعتبار تعرض النساء للعنف الجنسي أو الاعتداء مس بالعرض والشرف العائلي، مشددة على انها جريمة تستهدف جسد المرأة قبل أي شيء آخر.

وتطالب منظمة "أبعاد" بتعديل وتشديد العقوبات على جرائم الاعتداء الجنسي على اعتبار هذا الموضوع يشكل رادعا لمنع حدوث مثل هذه الجرائم، ولهذا الهدف تتواصل المنظمة مع الكتل النيابية لتسليمها مقترح تعديل الفصل الأول من الباب السابع من قانون العقوبات اللبناني من أجل أن يكون منصفا لكل ضحية وناجية من هذه الجرائم، و"تعول على السلطة التشريعية في لبنان لإنصاف النساء والموافقة على التعديلات المقترحة"، وفقا لـ"الحرة".

يتزامن إطلاق الحملة مع اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في 25 من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام، إذ تطلق هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة سنويا، حملة الـ16 يوما من الأنشطة لمكافحة هذا العنف، وتحذو المنظمات الحقوقية والإنسانية حذوها في نطاقها المحلي.

وعلى الرغم من رفضه الأخلاقي والمبدئي للفعل، يبدو جنوح المجتمع اللبناني إلى ربط الاعتداءات الجنسية بالعرض والشرف إلى حد التستر والمداراة مثيرا للاستفهام لما فيه من تناقض مع موقفه من جرائم الاعتداء الجنسي وأدائه بعد وقوعها.

مصدر هذا الجنوح هو "العادات والتقاليد التي تشكل ثقل معكوس بالنسبة للمجتمع، فمسألة محرم تناولها تكون تحت مسميات مختلفة تمس بالحالة النفسية للجماعة أو الفرد كالاعتداء الجنسي الذي يصب في خانة العار والعيب". وعليه تضطر من تعرضت للعنف جنسي، وفق منظمة "أبعاد"، إلى كتمان الأمر "حتى لا تصبح ثقلا على كاهل عائلتها ضمنا أو مجتمعيا ووصمة عار لهم، بحسب المفهوم الذكوري، والذي يمكن أن يشكل خطرا على حياة السيدة أو الفتاة أو حتى تزويجها قسرا من مغتصبها للتستر على "الفضيحة" وسترها كضحية فيلوذ المجرم بجرمه وتموت الضحية وهي على قيد الحياة مرات ومرات يوميا وهذا مرده الى أن المجتمع يلوم الضحية يحاسبها بدل أن يحاسب المجرم ويحتضنها لتمكينها في وجه هكذا ممارسات.

أبرز الهواجس

"لم يكن لدي أو لدى والدتي الجرأة للتبليغ عن الاعتداء، وقد أجبرتني عائلتي على الزواج من رجل يكبرني سنا للتستر على عرضهم". تنقل "أبعاد" عن ناجية أخرى أدلت للمنظمة بشهادتها، وأضافت "أقول لكل ناجية من العنف الجنسي أن الذنب ليس ذنبك، حاولي أن تكوني قوية وأبلغي من تثقين بهم لمساعدتك".

تبين الدراسة أيضا أن النسبة نفسها من النساء (6 من أصل 10) ممن تعرضت بناتهن للاعتداء الجنسي، لم يبلغن عن هذا الاعتداء بسبب "العرض والشرف"، والنسبة نفسها لم يبلغن نتيجة رفض العائلة بسبب هاجس "العرض والشرف"، الذي صنفته الدراسة كأبرز أسباب عدم التبليغ عن هذا النوع من الجرائم في لبنان.

نُفِذَت هذه الدراسة ما بين الثالث عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 2022 والحادي والعشرين منه، وشملت 1800 سيدة وفتاة مقيمة في لبنان (1200 لبنانية، 400 سورية، 200 فلسطينية) تراوحت اعمارهن ما بين 18 و50 سنة، وتوزعت العينة على مختلف المناطق اللبنانية، وشملت السكان من مختلف المستويات الثقافية ومن مختلف فئات الدخل.

وقد كان لافتا، وفق الدراسة، أن سلوك النساء لناحية التبليغ، يختلف بين من تعرضن لاعتداء جنسي وبين من لم يتعرضن، اذ أن النساء اللواتي لم يتعرضن للعنف الجنسي أكدن، وبنسب مرتفعة جدا، أنهن سيبلغن عن هذا الاعتداء، لكن المفارقة أن هذه النسبة انخفضت كثيرا لدى النساء اللواتي تعرضن فعلا لاعتداء جنسي تحت ضغط "العرض والشرف".

84 في المئة من النساء اللواتي لم تتعرضن لاعتداءٍ جنسي، أعلن أنهن سيبلغن في حال لو تعرضن لهذا الاعتداء، في المقابل فإن أكثر من نصف النساء (55 في المئة) اللواتي تعرضن لاعتداء جنسي لم يبلغن عن هذا الاعتداء، أي إن امرأة من أصل 2 تعرضن لاعتداء جنسي لم تبلغ عنه.

ومن أصل 10 نساء، 6 اخترن إبلاغ السلطات الأمنية والقضائية عن الجريمة، في حين 5 منهن بلغن الأهل والعائلة عما حصل، و2 فقط شاركن الأمر مع أحد الأصدقاء، و2 أيضا من أصل 10 لجأن إلى احدى الجمعيات المعنية.

عقوبات مجهولة

"تعرضتُ للاغتصاب. لم أبلغ قوى الأمن اللبنانية بسبب عدم امتلاكي أوراقا قانونية. فأنا لاجئة في لبنان منذ سنين. وقد كنت أخاف من أن يتم توقيفي في حال توجهت إلى القوى الأمنية. لم أخبر أحدا بالجريمة وأكثر ما يعذبني اليوم أن الجاني لم ينل عقابه". تنقل أبعاد عن ناجية أخرى أيضا.

وتبين الدراسة أن 4 من أصل 10 نساء تعرضن للاعتداء الجنسي لم يبلغن عن هذا الاعتداء لأن لا أحد سيصدقهن، في حين 2 ممن تعرضن للاعتداء الجنسي لم يبلغن عن هذا الاعتداء لأن ليس لديهن ثقة أنه بإمكانهن الوصول الى نتيجة، ويرون أن العقوبة لن تكون جدية.


اقرأ أيضاً : تقرير دولي: ملايين الأطفال في خطر لعدم تلقيهم لقاح الحصبة


ومن بين أهداف الدراسة أيضا تحديد مدى المعرفة بالعقوبات التي ينص عليها قانون العقوبات اللبناني لجرائم العنف الجنسي، المدرجة ضمن الفصل السابع منه، والتي تنص على سلسلة عقوبات تجاه حالات مختلفة من الاعتداءات الجنسية، وتميز بين الاعتداء على البالغ أو القاصر، وتشدد العقوبة كلما كانت الضحية أصغر عمرا.

وتنص المادة 503 من قانون العقوبات على معاقبة "من أكره غير زوجه بالعنف والتهديد على الجماع بالاشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل، ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات اذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره."

58 في المئة من المشاركات في الدراسة لا يعرفن ما هي هذه العقوبة في القانون اللبناني، فيما 60 في المئة منهن اعتبرن أن هذه العقوبة غير عادلة، وطالب 46 في المئة منهن برفع العقوبة إلى السجن المؤبد.

والأمر نفسه ينطبق على باقي مواد الفصل السابع من قانون العقوبات المتعلقة بالاعتداءات الجنسية، التي تتراوح مدة عقوباتها ما بين 5 و7 سنوات، إذ إن أكثر من نصف المشاركات في الدراسة لم يعرفن بوجود العقوبة ووجدوا أنها ليست عادلة وطالبن بالسجن المؤبد.

أخبار ذات صلة

newsletter