تعنيف سيدة
الجرائم الأسرية تعود إلى الواجهة.. هل من مبرر؟
- المجلس الوطني لشؤون الأسرة: المنظومة الاجتماعية في احتواء المشاكل قد تكون تراجعت إلى حد ما
- الطب الشرعي: جرائم القتل الأسرية لا تختلف عن نمط الوفاة في أي من الجرائم التي تصل إلى المركز
- مستشار أول طب نفسي أطفال: أكبر مشهد يلصق في ذاكرة الطفل، صورة الجريمة الأسرية
- قاضي سابق في محكمة الجنايات الكبرى: المشرع حصر صلة القربى كظرف مشدد للعقوبة في جريمة القتل
تصدرت الجرائم الأسرية عناوين الصحافة المحلية في العقدين الماضيين، لما تضمنته من أسلوب جرمي لم يعتد عليه المجتمع. لاقت حينها استهجانا وغضبا كبيرا، خاصة الجرائم التي نال مرتكبوها من زوجاتهم أو أطفالهم، وانتهت بالانتحار أو ارتكبها أي من أفراد العائلة على الأب.
ربما كانت جريمة "م. م" التي ارتكبها عام 1995 أول جريمة أسرية أثارت الرأي العام في حينها، عندما أقدم الأب على وضع مادة السيانيد في كأسي حليب، وطلب من طفليه (هاني 5 سنوات وحنين 9 سنوات) أن يشربا الكأسين، ليفارقا الحياة. وما أن عادت والدة الطفلين حتى وجدتهما جثتين هامدتين، واستبدل حكم الإعدام بالأشغال المؤبدة بعد إسقاط جد الضحيتين الحق الشخصي كونه وليا عن الطفلين.
جريمة أخرى حصلت في العام 1998 نفذها "س. ق"، جرى إعدامه بعد 5 سنوات على صدور الحكم، واعتبرت في حينها واحدة من أبشع الجرائم الأسرية، عندما بدأ بإطلاق النار على والديه وأفراد عائلته، ليردي والديه وأشقائه وشقيقاته وزوج شقيقته وولديهما، بالإضافة إلى صديقه، حيث قتل 12 شخصا باستخدام مسدس عيار 7 ملم، وكانت المفاجأة تبرير الجاني عندما قال إن العائلة ضغطت عليه بسبب فشله بامتحان الثانوية العامة.
الحديث عن تفاصيل الجرائم كثير ولم يتوقف عند العام 1998، ففي 24 عاما إلى سنة 2022، حصلت العديد من الجرائم التي هزت الشارع،.
في تموز/ يوليو 2022، كشف الأمن العام تفاصيل جريمة مروعة في الرمثا، أسفرت عن وفاة طفلين (9 و12 عاما)، على يد والدهما باستخدام أداة راضة (عصا)، بعد تعنيفهما، ودفنهما في محيط المنزل، فيما نجا طفلين آخرين للقاتل اللذين كانا شاهدين على قتل شقيقيهما.
ولم تمضِ 48 ساعة، حتى جرى الكشف عن جريمة جديدة ارتكبها سبعينيا بعدما أطلق النار على نجليه، نتيجة خلافات.
الجريمة الأسرية يمكن التنبؤ بحدوثها في أي وقت، فهي في الأساس جريمة مبنية على العنف الأسري، هذا ما يقوله أمين عام المجلس الوطني لشؤون الأسرة الدكتور محمد مقدادي، معللا ذلك بوجود أسباب ومؤشرات وراء العنف وتزايد حدته.
ويضيف مقدادي، اليوم عند الحديث عن مرتكبي مثل هذا النوع من الجريمة، نجد أن هناك شربا الكحول أو تعاطيا للمخدرات، حيث ربط ذلك بانتشار ذلك في المجتمع، وما يتسم به البعض من سلوكيات سلبية تعود جذورها إلى أمراض نفسية، وأن مجموعة من العوامل تكون في الأغلب ظاهرة للعيان.
وفي حديثه لـ"رؤيا" يؤكد أمين عام المجلس الوطني لشؤون الأسرة أن العنف الأسري يصعب اكتشافه لكونه يحدث داخل جدران معلقة، ولا يتم اكتشافه إلا عند تفاقمه، ووصوله مرحلة الاعتداء إلى إجراء التدخل الطبي أو الوفاة، أو في حالة تبليغ المتضرر أو أي من أفراد الأسرة.
وأشار مقدادي إلى أن الأردن تمكن من تطوير أدواته في مواجهة العنف الأسري، ولم يكن لديه قبل العام 1997 مؤسسات معنية بقضايا العنف الأسري، إلا أن الحال تبدل اليوم، وأصبح لدى الأردن منظومة متكاملة ممثلة بإدارة حماية الأسرة، تضم جميع الخدمات الشرطية والصحية والخدمات الاجتماعية.
وشدد على أهمية الجرأة في التبليغ وهي المطلوبة للحد من العنف الأسري، سواء من الشهود أو الجيران أو الأقارب أو المتضرر ذاته.
تغير المجتمع الأردني
ويرى مقدادي وجود عزوف عن التبليغ في السابق، لوجود عوامل ضبط اجتماعي كثيرة للأسرة الممتدة، وأنه كان هناك احتواء للكثير من المشاكل البسيطة التي قد تحدث، كما كان هناك احتواء من خلال المنظومة الاجتماعية مثل الأقارب وقرب الناس من بعضهم، إلا أن اليوم تحولت "الأسرة النووية" إلى عدم التفاعل اجتماعيا كما كان في السابق.
ويقول إن المنظومة الاجتماعية في احتواء المشاكل قد تكون تراجعت إلى حد ما، معتبرا ذلك أمر طبيعي في المجتمعات التي تكبر، بالتالي فإن المجتمعات المدنية والحديثة، أوجدت خدمات بديلة عن المنظومة الاجتماعية التي كانت في السابق.
الطب الشرعي والعنف الأسري
مدير الطب الشرعي الدكتور رائد المومني، يقول إن الجريمة عنف بحد ذاتها، تبدأ بإصابة لتصل إلى إحداث إصابات وأحيانا يصاحبها تحرش جنسي، وكلها تنتهي بارتكاب الجريمة بشكل عام.
وأضاف المومني لـ"رؤيا"، أن جرائم القتل الأسرية لا تختلف عن نمط الوفاة في أي من الجرائم التي تصل إلى المركز، فالوفاة تكون إما بعيار ناري، أو خنق أو طعن بأدوات حادة، وهي متشابهة من حيث آلية الإصابة وإحداثها.
وأوضح أنه في الجرائم الأسرية لا يوجد أي فرق عند التعامل معها عن الجرائم الأخرى، إلا أنه في بعض الأحيان يوصي الطلب الشرعي بمتابعة الأسرة وعرضها للفحص الطبي لضمان عدم تكرار العنف لاحقا بحق أي من أفراد الأسرة ذاتها، كما يتم طلب فحص بقية أفراد الأسرة للتأكد من تعرضهم للعنف أو غير ذلك.
الأطفال شهود على جرائم قتل
ربما كان لجريمة الرمثا وقعا مختلفا عند الأردنيين هذه المرة، رغم أنها لم تكن الأولى، فقد سجلت جرائم قتل مماثلة، وما تغير بها هو الأسلوب الجرمي المنفذ، إلا أن ما أثار الرأي العام هو وجود طفلين شاهدين نجيا من جريمة.
بالكاد ما حصل ترك أثرا نفسيا لهذين الطفلين، هو حال أقرانهم ممن كانوا يوما ما شهودا أو ناجين من جرائم قتل أو ضحايا لعنف منزلي، وربما خضع منهم لعلاج نفسي متخصص ومنهم ترك ليتعافى مع مرور الوقت.
أكبر مشهد يلصق في ذاكرة الطفل، صورة الجريمة الأسرية، هكذا استهل، مستشار أول طب نفسي أطفال اللواء المتقاعد الطبيب أمجد الجميعان، مبينا أن الصورة تعيش مع الطفل وتترك أثرا نفسيا مثل الخوف وعدم الثقة بأحد، الانحراف، التفكك الأسري، الاستعداد الجرمي، الممارسات الجنسية غير الشرعية بسبب التفكك الأسري، الشعور بالنقص، الاكتئاب، نوبات فزع وهلع متكررة، وغيرها.
وأرجع الجميعان الأسباب وراء الجرائم الأسرية وحددها بالمرض النفسي، اضطراب الشخصية الضد اجتماعية السيكوباتية، أسباب عائلية كانتقام الأب من الأم أو العكس، أسباب مادية وعدم القدرة على سد حاجات الأسرة، قتل أب لابنه لوجود علاقة غير شرعية أو علاقة مثلية، بالإضافة إلى جرائم الشرف.
وأكد الجميعان أن تأثير الجريمة على أفراد الأسرة الأحياء كبير جدا، خاصة الأم التي تبقى على قيد الحياة.
وقال إن الأم الناجية أو الشاهدة على الجريمة تعاني من تأنيب الضمير وتشعر بعدم القدرة على حماية أطفالها، وتواصل لوم نفسها لعدم قدرتها على منع حدوث ذلك.
ولفت الجميعان إلى أن تأثير وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي، والتشهير الذي يلحق الطفل والعائلة يكون كبيرا خاصة عند تداول معلومات غير دقيقة.
ويشير في الإطار ذاته إلى أن العائلة والطفل بحاجة إلى تدخل اجتماعي ونفسي مبكر.
جرائم القتل في شهري حزيران وتموز
وفي دراسة نشرتها مؤخرا مديرية الأمن العام، أظهرت انخفاضا في مختلف الجرائم من بينها جرائم القتل المرتكبة في شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو من العام الحالي، مقارنة مع الأعوام الخمسة الماضية.
ففي شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو 2022، سجل 13 جريمة قتل، بينما في العام 2018 سجلت 21، وفي العام 2019 سجل 26 جريمة قتل، أما في عامي 2020 و2021 سجل 14 جريمة قتل.
وبالعودة إلى أرقام الدراسة، فقد شهد شهر حزيران من العام 2018 ارتكاب 14 قضية قتل بينما سجل في العام 2019 ارتكاب 13، وفي عام 2020 وقعت 6، بينما شهد العام 2021 ارتكاب 7 قضايا، وفي العام الحالي سجلت 9 قضايا.
أما في شهر تموز من 2018 فقد ارتكبت 7 جرائم قتل، وفي العام 2019 ارتكبت 13 جريمة، وفي 2020 ارتكبت 8، و7 في 2021، بينما تم تسجيل 4 جرائم في العام الحالي.
وكانت نسب الاكتشاف في قضايا القتل كافة في تلك الأشهر 100 في المئة، باستثناء شهر حزيران/يونيو عام 2018 كانت نسبة الاكتشاف 93 في المئة.
الإعدام لمن يقتل أي من والديه
قانون العقوبات الأردني، شدد العقوبة في الجرائم الواقعة على الإنسان، ورغم أن القانون لم يضع يسمِّ الجريمة الأسرية، حدد نص المادة 3/328 عقبة مرتكب جريمة القتل الأصل على الفرع وبالعكس.
ويفصل الدكتور المحامي أمجد الكردي، وهو القاضي السابق لدى محكمة الجنايات الكبرى، جرائم القتل الواقعة من قبل الآباء أو الأمهات على الأبناء أو العكس، الوصف القانوني لهذا النوع من الجرائم الأسرية أنه طبقا لنص الفقرة الثالثة من المادة 328 عقوبات، فإن الجاني الذي يرتكب القتل على أحد أصوله يعاقب بالإعدام.
ويقول: يتضح من هذا أن المشرع حصر صلة القربى كظرف مشدد للعقوبة في جريمة القتل بالنسبة للأصول فقط دون الفروع أي أن يكون المجني عليه أحد أصول الجاني والأصول هم الآباء والأجداد والأمهات والجدات -مهما علون- وصلة القربى هذه محددة على سبيل الحصر، وعلى هذا فإنه لا مجال لتشديد عقوبة الجاني الذي يقتل أحد فروعه أو أحد أقاربه وإخوانه أو أخواته أو زوجته أو زوجة والده أو يقتل والد زوجته أو والدتها".
ويضيف الكردي أن المحكمة هي صاحبة الصلاحية في إعطاء الوصف الصحيح لجريمة القتل وليست النيابة العامة، والمجرم عادة في مثل هذه الجرائم هو شخص لديه سوابق في العنف وتعاطي المخدرات ولعل غياب الوازع الديني لدى المجتمع من خلال عقوق الوالدين أو عقوق الأبناء يجعل الإنسان متجردا من مشاعره وإنسانيته التي تنعكس على سلوكه فتصبح الجريمة لديه أمرا متاحا يفرغ من خلاله مشاعره ما بين الغضب والحقد والتذرع بأسباب واهنة.
ولعل الحالة الاقتصادية التي يقبع تحتها المجتمع تؤدي إلى خلل في قدرة الإنسان على التكيف مع الظروف وغياب روابط المحبة والأخوة والأسرية.