الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي
خروب : "زيلينسكي" إذ يقترح "القدس المحتلة" للمفاوضات مع بوتين.. أي خبث وتواطؤ؟
كتب الكاتب الصحفي محمد خروب مقالا بعنوان " زيلينسكي إذ يقترح القدس المحتلة للمفاوضات مع بوتين.. أي خبث وتواطؤ؟ جاء في المقال :
في خطوة تفتقر الى الحكمة وبعد النظر, وتبدو كلعبة مكشوفة تروم تبييض الاحتلال الصهوني للمدينة المقدسة ومنح دولة الاحتلال الشرعية كدولة محبة للسلام وثقافة الحوار ووسيطا مقبولا في أزمات العالم ومشكلاته المعقدة، جاء اقتراح الرئيس الأوكراني زيلينسكي مدينة القدس المحتلة كموقع للتفاوض بينه والرئيس الروسيبوتين ليضيء على حجم الخبث والتواطؤ الذي يستبطنه هذا الاقتراح، وليستكمل في الآن ذاته المسار الذي انتهجه زيلينسكي تجاه إسرائيل منذ وصوله المفاجئ إلى موقع الرئاسة بعد "انقلاب الميدان" الذي خطط له ونفذه القوميون المتطرفون/القطاع اليميني، والنازيون الجدد/كتيبة آزوف ومجموعة "سفوبودا" بدعم وتمويل من أجهزة استخبارات وسفارات غربية أوقعت أوكرانيا في أزمات متلاحقة وصلت ذروتها إلى ما هي عليه الآن.
خاصة بعد مساع حثيثة من هذه القوى المتطرفة وبتشجيع من عواصم غربية وعلى رأسها واشنطن لإدخال أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي ضاربة عرض الحائط بحقائق الجغرافيا والتاريخ في فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي واستحقاقات التوازنات الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة.
ولئن جاء اقتراح الرئيس الأوكراني غير البريء الذي يراد منه دعم وإضفاء الشرعية على الاعتراف الأمريكي بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال بالضد من القانون الدولي الذي يدعي قادة أوكرانيا التمسك به والعمل على تطبيقه فإن ما كشفه الأكاديمي الشجاع والأستاذ في جامعة إكستر البريطانية-المحاضرالسابق في العلوم السياسية بجامعة حيفا ومؤلف الكتاب/الوثيقة.. الموسوم "التطهير العرقي في فلسطين" البروفيسور "إيلان بابيه", في مقالة ثرية له في "ذا بالستاين كرونيكل" في الرابع من آذار الجاري/ نشرتها مترجمة الزميلة "الغد" في الثامن من الجاري يعكس من بين أمور أخرى مدى انخراط الرئيس الأوكراني ومساهمته في المساعي الصهيونية/والأمريكية الرامية التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني وتبرير جرائم قادة إسرائيل وآلتها العسكرية في سفك دماء الفلسطينيين.
يقول إيلان بابيه: لا ترتبط المؤسسة الأوكرانية بالجماعات والكتائب النازية الجديدة فحسب، بل إنها أيضا موالية لإسرائيل بشكل مقلق ومحرج. كان أحد أول الإجراءات التي اتخذها الرئيس فولوديمير زيلينسكي هو سحب أوكرانيا من "لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف" وهي - الهيئة الدولية "الوحيدة" التي تتأكد من عدم إنكار النكبة الفلسطينية أو نسيانها.
وكان هذا القرار قد اتخذ بـ"مبادرة" من الرئيس الأوكراني الذي لم يكن ينطوي على أي تعاطف مع محنة اللاجئين الفلسطينيين ولا يعتبرهم ضحايا لأي جريمة.
وذكر في المقابلات التي أجريت معه بعد القصف الإسرائيلي البربري الأخير على قطاع غزة في أيار 2021، أن المأساة الوحيدة في غزة هي تلك التي "عانى منها الإسرائيليون". وإذا كان الأمر كذلك، أضاف زيلينسكي.. فإنه يعني أن الروس وحدهم هم الذين يعانون في أوكرانيا. (يسخر زيلينسكي هنا من شكاوى موسكو حول تنكيل كييف بمواطنيها من أصول روسية).
ما يثير المزيد من الشكوك والريبة في اقتراح الرئيس الأوكراني القدس المحتلة مكانا للمفاوضات "الرئاسية" مع روسيا، ليس فقط أنه جاء بعدما كان قال إنه "يمكن لإسرائيل أن تقدم ضمانات أمنية لأي اتفاقية يتم التوصل إليها بين موسكو/وكييف"، بل هو صمت زيلينسكي المطبق عن إجراءات حكومة إسرائيل ضد اللاجئين الأوكرانيين "غير اليهود" الذين وصلوا إليها، ما أدى ولو في شكل متأخر إلى قيام السفير الأوكراني في تل أبيب بالاحتجاج على هذه الإجراءات وتقديم التماس إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية ضد وزيرة الداخلية/آيليت شكيد والحكومة الإسرائيلية بسبب المخطط الجديد لاستيعاب اللاجئين الأوكران (غير اليهود بالطبع)، لافتا "السفير الأوكراني" إلى أن سياسة وزيرة الداخلية شكيد "تنتهك الاتفاقات المبرمة بين أوكرانيا وإسرائيل بخصوص إعفاء اللاجئين الأوكران من التأشيرات".. وشاهد العالم أجمع بالصوت والصورة كيف منعت سلطات تل أبيب المهاجرين الأوكران غير اليهود من مغادرة مطار بن غوريون من الدخول وأبقت عليهم في صالات المطار دون أن تقدم لهم أي خدمات أو معونات ما أدى إلى نوم بعضهم على الأرض ولم تتردد وزيرة الداخلية في الإعلان في النهاية أن إسرائيل "ستستضيف 25 ألف مواطن أوكراني/غير يهودي مؤقتا... كما قالت حرفيا حتى انتهاء الغزو الروسي (وفق وصفها). فضلا عن أن السفير الأوكراني كان أكد, أن الرئيس الأوكراني/زيلينسكي "لا يفهم" رفض إسرائيل تزويد أوكرانيا بمعدات دفاعية مثل الخوذات والسترات الواقية من الرصاص، في الوقت الذي أضاف فيه السفير نفسه أنه شخص "يفهم" موقف إسرائيل من الغزو الروسي لبلادنا، لكن رئيسنا "لا يفهم".
لعبة مكشوفة عنوانها الخبث والتواطؤ عبر التعاطي مع إسرائيل كحليف وصديق رغم كل ممارساتها العنصرية ضد كل من هو "غير يهودي"، في وقت يواصل فيه الرئيس الأوكراني نعت دول وشعوب أخرى بـ"العنصرية والتمييز" وعدم دعم بلاده.
