كيف أصبحت استخبارات المصدر المفتوح نافذة العالم في غزو أوكرانيا
كيف ساهمت "الاستخبارات الذكية" في الحرب الروسية الأوكرانية؟
في مقطع فيديو تم تصويره بهاتف محمول تم نشره على نطاق واسع على تويتر في وقت مبكر من صباح يوم الخميس، يظهر أعمدة من دخان أسود متصاعدة من مركبة محترقة على مدرج ما يبدو أنه مهبط طائرات عسكري. كان التنفس الثقيل للرجل الذي يحمل الكاميرا مسموعًا مع أصوات الزجاج المكسور والأنقاض المتكسرة تحت القدم.
وقالت صحيفة "تايم"، إنه تم التحقق من الفيديو، الذي تمت مشاركته في الأصل على قناة Telegram الأوكرانية، وتحميله على Twitter بواسطة المدعو "Thomas van Linge" البالغ من العمر 25 عاما والمقيم في أمستردام.
الفيديو الذي نشره "فان لينج" على الإنترنت، يصور "الدمار التام" بعد انفجار في مطار عسكري في لوتسك، غرب أوكرانيا، على بعد 90 كيلومترًا فقط من الحدود مع بولندا.
ويبدو أن هذا هو أول دليل اليوم على أن الهجوم الروسي على أوكرانيا لم يقتصر على جنوب البلاد وشرقها فحسب، بل على أهداف عسكرية في جميع أنحاء البلاد، حتى تلك التي تبعد أميالا فقط عن حدود مع دولة عضو في الناتو.
يُزعم أن مقطع فيديو آخر نشره فان لينج صباح الخميس يظهر مركبات عسكرية روسية تتقدم شمالًا إلى أوكرانيا من شبه جزيرة القرم.
هذه المرة، كان مصدر اللقطات عبارة عن كاميرا CCTV مواجهة للجمهور تم وضعها على طريق قبالة شبه الجزيرة.
مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في الساعات الأولى من صباح يوم الخميس، "قام فان لينج" ومئات من باحثي OSINT الآخرين بالتمعن في آلاف مقاطع الفيديو الخارجة من البلاد.
OSINT هو اختصار لـ "ذكاء مفتوح المصدر"، وهو مجال لتحليل وسائل التواصل الاجتماعي ظهر خلال العقد الماضي من الغموض إلى سمة مركزية لتقارير الحرب الحديثة، حيث سمحت هذه الخاصية لوسائل التواصل الاجتماعي والوصول إلى الهواتف الذكية بمقاطع الفيديو والصور والبيانات الأخرى من مناطق الحرب في جميع أنحاء العالم لتنتشر.
ومن خلال مجتمع منظم بشكل غير محكم يعتمد في الغالب على Twitter، يعمل هؤلاء الباحثون معا للتحقق من موقع مقاطع الفيديو، ويجمعون التفاصيل العامة الأولى للوضع سريع التغير في الخط الأمامي للصراع العسكري الأكثر تقلبًا في أوروبا منذ ما يقرب من ثمانية عقود.
وعبر الإنترنت، يشاركون هذه الأدلة مع العالم، وينافسون غرف الأخبار ومحللي الدفاع في محاولة موازية للكشف عما يحدث على الأرض. "على Twitter، هناك الكثير من التعاون"، قال فان لينج في مقابلة صباح الخميس. "يتشارك الناس اللقطات، ويحددونها جغرافيًا، ويحاولون تحديد أنواع الدبابات والمركبات المسلحة، وهذا النوع من الأشياء". وأضاف، "كل شخص يقوم بدوره الخاص للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات هناك".
يضيف فان لينج إنه كان قادرًا على التحقق من أن مقاطع الفيديو من Lutsk كانت أصلية على الأرجح، لأن مهبط الطائرات والمباني كان يمكن التعرف عليه ويمكن مقارنته مع اللقطات القديمة.
الصورة التي يراها الباحثون، مع الاستفادة من OSINT، فإن الوضع العسكري سريع التغير في أوكرانيا. قال فان لينج لمجلة TIME في مقابلة صباح الخميس: "من حوالي الخامسة صباحًا بالتوقيت المحلي حتى (11 صباحًا)، كانت مقاطع الفيديو في الغالب عبارة عن ضربات صاروخية وسحب دخان وأصوات قصف وأشياء أخرى".
"منذ (بالتوقيت المحلي منتصف النهار)، تم تطويره بالفعل لتصوير القوات الروسية أثناء تحركها عبر أجزاء من أوكرانيا - لقد خرجوا من شبه جزيرة القرم، واخترقوا الخطوط الأمامية بالقرب من خاركيف، وهناك أيضًا تقارير عن قتال جنوبي بيلاروسيا، حول دونيتسك ".
يدرك محللو OSINT تمامًا المخاطر التي قد تكون نتيجة عملهم في أيدي الكرملين، وقد أثار الخبراء مخاوف من أن الجهات الفاعلة الروسية قد تحاول نشر تقارير كاذبة عن الأنشطة العسكرية من أجل تشجيع الأوكرانيين على الاستسلام.
لا يزال الإنترنت في أوكرانيا متاحًا على نطاق واسع حاليًا، مما يشير إلى أن الكرملين لا يريد بالضرورة قمع اللقطات التي تصور هجومهم الخاطيء.
يقول فان لينج: "أعتقد أن الروس قد يعتبرون ذلك مفيدًا كتكتيك تخويف". "يريدون إظهار قدراتهم الضاربة." لكن الأخبار ليست كلها جيدة بالنسبة لروسيا. تشير بعض اللقطات إلى أن القتال الأكثر شراسة حتى الآن كان حول خاركيف، في شمال شرق أوكرانيا، وفقًا لكايل جلين، المؤسس المشارك لـ Conflict News، وهي منصة إخبارية على الإنترنت تركز على OSINT.
في وقت مبكر من يوم الخميس، شارك غلين مقطع فيديو مصور - تم تصويره على ما يبدو بالقرب من خاركيف - يصور ما قال إنه حرق دبابات روسية وبالإضافة إلى جنديًا روسيًا ميتًا.
يقول غلين: "هناك احتمال مؤكد أن روسيا تريد أن تظهر هذه المعلومات".
"من ناحية أخرى، في منطقة خاركيف هم بالتأكيد لا يفعلون كما كانوا يأملون - وهناك الكثير من مقاطع الفيديو للجنود الروس القتلى والمعدات الروسية المدمرة. لن يكونوا سعداء بشأن ظهور مثل هذه الأشياء. إذا بدأنا في رؤية المزيد والمزيد من الأدلة على أن الهجوم الروسي لا يسير على ما يرام، فربما نبدأ في رؤيتهم يتخذون إجراءات صارمة على الإنترنت أكثر قليلاً ".
كما سمحت تقنيات OSINT للمتجسس باكتشاف ثغرات في خطاب الكرملين. في يوم الإثنين، استنتج الباحثون أن مقطع فيديو لاجتماع بوتين مع مجلس الأمن التابع له لمناقشة أوكرانيا لم يتم بثه على الهواء مباشرة، كما ادعت موسكو، ولكن قبل عدة ساعات - وهي حقيقة تم الكشف عنها من خلال التحليلات المقربة لساعات يد العديد من المشاركين.
في الدردشات الجماعية على Twitter حيث يشارك محللو OSINT مقاطع الفيديو ويساعدون بعضهم البعض على التحقق من المواد، ظهرت مدونة سلوك غير رسمية، وفقًا لما ذكره جلين وفان لينج. قال بعض الباحثين إنهم لن ينشروا مقاطع فيديو مصورة للجثث.
وقرر آخرون إخفاء أي مقاطع فيديو تكشف تحركات القوات الأوكرانية. في الحالات التي يشارك فيها الباحثون معلومات خاطئة أو مضللة عن طريق الخطأ، يميل الباحثون إلى حذف تغريداتهم وإصدار تصحيحات. في كثير من الأحيان، يساعد الجو الجماعي على منع الأخطاء قبل حدوثها.
بين عشية وضحاها، لاحظ غلين كشف زيفين في دردشة جماعية على تويتر في الوقت الفعلي، قبل أن ينشر أي شخص مقاطع الفيديو على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي العامة. وتبين أن أحد مقاطع الفيديو، الذي يصور انفجارًا في جوف الليل، من اليمن وليس أوكرانيا.
وهناك مقطع فيديو آخر يُزعم أنه يظهر هجوم مروحية روسية على قاعدة أوكرانية اتضح أنه في الواقع من أفغانستان.
تم صقل هذه المبادئ التوجيهية الأخلاقية غير الرسمية وتقنيات التحقق على مدى العقد الماضي. بدأ كل من فان لينج وغلين عملهما في عام 2014، خلال الثورة الأوكرانية والحرب الأهلية السورية.
في سوريا ساعدت معلومات OSINT في ربط هجمات الغاز المميتة على نظام بشار الأسد، وتقويض مزاعم الجيش الأمريكي بأن غاراته الجوية لم تقتل أي مدنيين.
ولكن هناك شعور في مجتمع OSINT بأن شيئًا ما حول هذا الغزو مختلف. يقول غلين: "كانت OSINT مكانًا أكثر تخصصًا في الحرب الأهلية السورية". "كان هناك الكثير من الأشياء التقنية الشجاعة حقًا، مثل تحليل حفر القذائف.
في حين أنه يبدو أن المجتمع في التحضير (للعملية العسكرية الروسية) كان أكثر سهولة في الوصول إليه. ليس من الصعب فهم ما إذا كان شخص ما قد نشر مقطع فيديو لقافلة مركبات روسية ويمكنه توضيح كيفية معرفته بمكان تلك القافلة ".
يقول جلين: "يعتبر OSINT أولاً وقبل كل شيء جهدًا تعاونيًا". "الشيء الرائع في OSINT هو أنه عندما تنشر الدليل، فإنك تنشر كيف توصلت إليه. فهي تتيح للناس ثقة أكبر في ما تفعله - وربما يتم التعامل مع الأمور بجدية أكبر ".
