الطفل مهند
منظمة حقوقية تكشف عن اعتقال جنود الاحتلال الإسرائيلي لطفل في الخليل أمام والدته
خرج الطفل الفلسطيني مهند البالغ من العمر 7 سنوات، من منزل ذويه الكائن في حي الشيخ بالبلدة القديمة في الخليل، للعب في "المكتبة الفرنسية" الموجودة في الحي والمشاركة في فعاليات للأطفال تنظم هناك.
كان ذلك في يوم الخميس الموافق 16-12-2021، وبعد نحو ساعة من خروجه، صادف مهند في طريق عودته إلى منزله أولاداً يرشقون الحجارة نحو جنود الاحتلال الإسرائيلي. طارد الجنود الأولاد فركض هؤلاء إلى حيث كان مهند والجنود خلفهم مما أخاف الطفل ففر إلى داخل إحدى الحوانيت.
لحق جندي مهند إلى داخل الحانوت وأمسكه من ياقة قميصه ثم جره إلى الخارج والطفل يبكي ويصرخ مذعوراً. أطلت والدة مهند من نافذة منزلها عقب سماعها جلبة في الخارج وعندما رأت الجنود يحتجزون طفلها ركضت فوراً وحاولت تخليصه من أيديهم والجيران والمارة ينضمون إليها في محاولات إقناع الجنود أن يُخلوا سبيل الطفل، لكن الجنود دفعوهم ورفضوا إخلاء سبيل مهند، وفقا لمركز "بتسيلم".
في النهاية قال الجنود لشخص من الحي يُجيد العبرية إنهم يريدون من مهند أن يدلهم على الأولاد الذين رشقوا الحجارة عبر صور يعرضونها عليه وأن يدلهم بعد ذلك على منازلهم. عندما قال مهند إنه لا يعرفهم أمره أحد الجنود أن يقف وظهره إلى الحائط ثم التقط له صورة. بعد ذلك هاتف الجندي الضابط المسؤول فتحدث هذا مع والدة الطفل مهند وأخبرها أنه سوف يتم إخلاء سبيل ابنها لكنه توعد أن يعتقله في المرة القادمة.
هذه الحادثة ليست استثنائية بل هي جزءٌ من روتين حياة الفلسطينيين في مركز مدينة الخليل - والفلسطينيين في كل أنحاء الضفة الغربية - تحت نير الاحتلال وهو روتين يتسم بعُنف يومي يمارسه ضدهم عناصر قوات الأمن. هذا العُنف لا يفلت منه حتى الأطفال الصغار كما في الحالة التي أمامنا حيث يصر ستة جنود مسلحين ومحصنين جيداً على احتجاز طفل في السابعة عمره وهو يتشبث بأمه مذعوراً.
لم يقترح أي من الجنود ترك الطفل ليذهب في حال سبيله وكأن توقيف طفل في السابعة ممارسة روتينية؛ الضابط الذي تحدث مع والدة الطفل هاتفياً لم يفعل شيئاً سوى أنه توعد بتكرار الأمر. لم يحدث هنا خطأ ولا الجنود أساءوا فهم التعليمات. ما حدث هو تطبيق سياسة نظام الأبارتهايد الإسرائيلي.
تحدثت باحثة بتسيلم الميدانية منال الجعبري مع الطفل مهند واستمعت إلى إفادة كل من والدته نادية مسك.
وتاليا إفادة الطفل مهند ووالدته نادية مسك:
عُدت من المدرسة عند الساعة 10:30 لأن الدوام في ذلك اليوم كان قصيراً، فطلبت من والدتي أن تأذن لي أن أذهب للعب والمشاركة في فعالية أطفال تجري في المكتبة الفرنسية وهي قريبة من بيتنا. بعد أن وافقت والدتي توجهت إلى هناك مع أحد أصدقائي ولعبنا لمدة ساعة تقريباً ثم قررت أن أعود إلى البيت. في طريق عودتي وعندما كنت قرب مدرسة الجزائر وهي أيضاً قريبة من بيتنا، رأيت أولاداً يرشقون جنوداً بالحجارة فأخذ الجنود يركضون قادمين في اتجاهي. خفت منهم ودخلت بسُرعة إلى محل أحذية قريب. لحقني أحد الجنود وأمسك بي من ياقة قميصي وجرني إلى الشارع المؤدي إلى منزلنا وأنا أصرخ وأبكي خوفاً وأقول لهُم: "لستُ أنا، لستُ أنا".
عندما كنا قرب المنزل خرجت والدتي وسحبتني من يدي الجندي وكان من حولنا خمسة أو ستة جنود. احتضنتني أمي وتشبثت بها بقوة وأنا أبكي وأرتجف خوفاً من الجنود. حاول أحد الجنود أن يسحبني وهو يصرخ على والدتي ولكنها لم تُفلتني. قالت لهُم إنني ابنُها.
حاول بعض الأهالي أن يساعدوني ووالدتي فهاجمهُم الجنود وعندئذٍ خفت أكثر. أراني أحد الجنود صور أولاد في هاتفه وقال لنا جارُنا إن الجنود يريدون مني أن أدلهُم على أولئك الأولاد. قلت له إنني لا أعرفهم.
عندئذٍ ناولني الجندي هاتفه وأمرني أن أتحدث مع شخص ما. قال لي ذلك الشخص إنه يُريد التحدث مع والدتي. تناولت والدتي الهاتف وبعد أن أنهت المحادثة تركني الجنود وغادروا المكان. كنت لا أزال أبكي لأنني خفت أن يأخذني الجنود ويقتلوني. بعد أن غادر الجنود كانت رجلاي تؤلمانني. أنا لم أفعل شيئاً ولم أرشق الحجارة. فقط حاولت الفرار لأنني خفت عندما رأيت الجنود يركضون في اتجاهي.
سمعت جلبة في الشارع وعندما نظرت عبر النافذة رأيت جندياً يُمسك بابني مهند من ياقة قميصه ومهند يصرخ ويبكي ومن حوله ستة جنود تقريباً. تعامل الجنود بفظاظة مع مهند وكان أحد جيراننا يحاول تخليصه من أيديهم. هبطت فوراً إلى الشارع واتجهت نحو الجنود ثم سحبت مهند من يدي الجندي واحتضنته بشدة. تشبث مهند بي وهو يبكي ويقول "لستُ أنا، لستُ أنا". أمسك الجندي مهند من ثيابه وحاول أن يجره إليه فقلت له "هذا ابني، وهو طفل صغير" وسألتهم ماذا يُريدون منه. في ذلك الوقت مر شخص كبير السن وحاول أن يتدخل لكن الجنود دفعوه نحو الحائط. وكذلك جارنا مصطفى الجولاني (18 عاماً) عاود محاولة التدخل وأيضاً دفعه الجنود. رأيت جندياً يضع فوهة سلاحه على صدر مصطفى مباشرة فخفت أن يقتل أحداً. كان الجنود عُدوانيين جداً وعنيفين. لقد هاجموا كل من حاول التدخل.
ابتعد الجميع وبقيت وحدي ومهند يتشبث بي وهو يبكي ويصرخ "لا تدعيهم يأخذونني!". اقترب الجنود مني ودفعوني عدة مرات لكي يُبعدوني عن مهند ولكنني تمسكت به ولم أتركه. في هذه الأثناء تجمع الجيران مرة أخرى وحاولوا التدخل ومنع اعتقال مهند وكان من بينهم اثنان من عائلة الجولاني. أحدهما تحدث مع الجنود بالعبرية وحاول أن يهدئهم. فهمت من الحديث أنهم يتهمون مهند برشق حجارة. بعد ذلك أرانا أحد الجنود صور أولاد في هاتفه ومن بينها صورة لمهند وهو واقف في الشارع. قلنا لهُم إن هذه الصورة لا تعني شيئاً فمهند يقف ساكناً لا يرشق أية حجارة. أرى الجندي لمهند صور أولاد آخرين وأمره أن يأخذه الجنود إلى منازل أولئك الأولاد. كان جارُنا يترجم لنا أقوال الجندي. قال مهند إنه لا يعرف الأولاد.
أراد أحد الجنود التقاط صورة لمهند. لم أوافق أن يلمسوه - أوقفته قرب الحائط ثم صوره الجندي. بعد ذلك هاتف الجندي شخصاً ما وناول الهاتف لمهند - علماً أن مهند كان يبكي ويرتجف خوفاً أي أنه لا يمكنه التحدث مع أحد. قال الشخص لمهند أن يناولني الهاتف. تحدث معي شخص باللغة العربية قائلاً إنه الضابط المسؤول عن البلدة القديمة ثم قال لي إن مهند رشق حجارة نحو الجنود وإنه سوف يُخلي سبيله في هذه المرة، ولكن إذا فعل ذلك مرة أخرى فسوف يأمر الجنود باعتقاله. بعد ذلك أنهى المكالمة ثم غادر الجنود المكان بعد أن أرهبوا كل من حاول المساعدة.
غادر الجنود ومهند واصل البُكاء ولم يهدأ. عندما عُدنا إلى المنزل دخل مهند إلى غرفته وبقي هناك حتى صباح اليوم التالي. في البداية رفض أن يذهب إلى المدرسة لكنه وافق أخيراً شرط أن يُرافقه أخوه أو أخته الأكبر منه. إنه يرفض الذهاب حتى إلى البقالة قبالة منزلنا. يقول إنه يخاف أن يعود الجنود ويعتقلوه. هو أيضاً يرفض أن يرتدي ملابسه التي كان يرتديها في ذلك اليوم.