رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك - أرشيفية
رئيس الوزراء السوداني حمدوك يعلن استقالته من منصبه
أعلن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، الأحد، استقالته من منصبه في كلمة متلفزة نقلها التلفزيون الرسمي.
وقال حمدوك في كلمة بثها تلفزيون السودان إن "الحكومة الانتقالية واجهت تحديات جسام، أهمها تشويه الاقتصاد الوطني، والعزلة الدولية الخانقة، والفساد والديون التي تجاوزت الستين مليار دولار، وتردي الخدمة المدنية والتعليم والصحة، وتهتك النسيج الاجتماعي؛ وغيرها من الصعاب التي واجهت المسيرة الوطنية."
وأضاف أن نهج الحكومة كان دائما هو الحوار والتوافق في حلحلة كل القضايا، مضيفا: "نجحنا في بعض الملفات وأخفقنا في البعض الأخر."
وتابع أن قبوله التكليف بمنصب رئيس الوزراء في آب 2019 كان على أرضية وثيقة دستورية وتوافق سياسي بين المكونين المدني والعسكري، لكنه لم يصمد بنفس الدرجة من الالتزام والتناغم التي بدأ بها.
وتابع: "وزاد على ذلك، الوتيرة المتسارعة للتباعد والانقسام بين الشريكين، الأمر الذي انعكس على مجمل مكونات الحكومة والمجتمع، مما انسحب على أداء وفعالية الدولة على مختلف المستويات. والأخطر من ذلك وصول تداعيات تلك الانقسامات إلى المجتمع ومكوناته المختلفة فظهر خطاب الكراهية والتخوين وعدم الاعتراف بالآخر، وانسدّ أفق الحوار بين الجميع؛ كل ذلك جعل مسيرة الانتقال هشة ومليئة بالعقبات والتحديات."
وقال رئيس الحكومة السودانية "إن الشعب هو السلطة السيادية النهائية وإن القوات المسلحة هي قوات هذا الشعب تأتمر بأمره وتحفظ أمنه وتصون وحدته وسلامة أراضيه وهي منه وإليه ويجب ان تدافع عن أهدافه ومبادئه وعلى الشعب أن يقابل ذلك بالتبجيل والتقدير والاحترام وتوفير كلما يلزم لتأهيل قواته ودعمها حتى يتحقق شعار "جيشٌ واحد شعبٌ واحد" وحينها لن يكون هنالك خوف على مستقبل البلاد وأمنها ومستقبلها وحكمها الديموقراطي المدني."
وأردف حمدوك بأن "الأزمة الكبرى اليوم في الوطن، هي أزمة سياسة في المقام الأول، ولكنها تتحور وتتمحور تدريجيا لتشمل كل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وفى طريقها لتصبح أزمة شاملة."
وختم بالقول "الشعب الكريم، لقد قررت أن أرد إليكم أمانتكم، وأعلن لكم استقالتي من منصب رئيس الوزراء، مفسحا المجال لآخر من بنات أو أبناء هذا الوطن المعطاء، لاستكمال قيادة وطننا العزيز والعبور به خلال ما تبقى من عمر الانتقال نحو الدول المدنية الديمقراطية النهاضة، وأسأل الله أن يوفق كل من يأتي بعدي للم الشمل".
إلى ذلك، سار آلاف السودانيين الأحد باتجاه القصر الرئاسي بالخرطوم متحدين الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته قوات الأمن السودانية، وسط انقطاع كامل جديد للاتصالات وانتشار كثيف للجنود المسلحين.
وقتل متظاهران مناهضان للحكم العسكري الأحد، فيما كانا يشاركان في تظاهرات في أم درمان، الضاحية الشمالية الغربية للخرطوم، بحسب ما أفادت لجنة الاطباء المركزية المناهضة للانقلاب، لافتة إلى أن احدهما قضى برصاصة في صدره.
ومنذ انقلاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين الاول/أكتوبر، قتل 56 متظاهرا واصيب المئات.
وأفادت لجنة الأطباء بأن القتيل الثاني الأحد تعرض لضربة شديدة في الرأس تسببت بتحطيم جمجمته، علما بأن قوات الأمن تعمد دائما الى ضرب المتظاهرين بواسطة عصي.
وكانت السلطات السودانية اغلقت في وقت سابق الاحد الجسور التي تربط الخرطوم وأحياء أم درمان وبحري ونشرت عربات مسلحة لقوات الامن وقطعت الاتصالات والانترنت تحسبا للتظاهرات وفق مراسل فرانس برس.
ولبى مئات المحتجين الدعوة للمشاركة في مسيرة باتّجاه القصر الرئاسي في وسط العاصمة وهم يحملون أعلام السودان ولافتات كتب عليها "العسكر إلى الثكنات" ويهتفون "الردة مستحيلة" و"السلطة سلطة شعب" عندما أطلق عناصر الأمن الغاز المسيل.
شهدت العاصمة الخميس تصعيدا في وتيرة الاحتجاجات من جهة وعنف قوات الأمن للرد من جهة أخرى، ما أسفر عن سقوط ستة قتلى من المتظاهرين، بحسب لجنة أطباء السودان المركزية المناهضة للانقلاب.
واتّهمت اللجنة قوات الأمن بقطع الطريق على سيارات الإسعاف وإخراج جريح واحد بالقوة من إحداها، فيما أظهرت العديد من مقاطع الفيديو التي نُشرت الجمعة رجالًا بالزي العسكري يضربون متظاهرين بالعصي.
كذلك تعرضت بعض وسائل الاعلام والعاملين فيها لاعتداء من سلطات الأمن السودانية مثل قناتي "العربية" و"الشرق".
العودة إلى الثكنات
الأحد، سار آلاف المتظاهرين من جديد معتبرين أن على الجيش "العودة إلى الثكنات" وأن "القوة للشعب"، فيما اخترق شبان على متن دراجات نارية الحشد وهم ينقلون الجرحى، في ظل منع قوات الأمن سيارات الإسعاف من التحرك.
وعلى مقربة من القصر الرئاسي، حيث مقر الحكومة الانتقالية، تقدم الحشد وتراجع رغم الانتشار الأمني، وفق ما أشار مراسل وكالة فرانس برس.
ودعا تجمع المهنيين السودانيين، الكيان المهني الذي لعب دورا محوريا في الانتفاضة التي أسقطت عمر البشير في نيسان/ابريل 2019، في بيان السبت إلى جعل 2022 "عاما للمقاومة المستمرة".
ودعا "جماهير الشعب السوداني وجموع المهنيين السودانيين والعاملين بأجر في كل مدن وقرى السودان" إلى "الخروج والمشاركة الفعالة في المواكب المليونية يوم 2 (كانون الثاني) يناير 2022، فلنجعل منه عاما للمقاومة المستمرة".
وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان عزل رئيس الوزراء وأعضاء حكومته واعتقلهم في 25 تشرين الاول/اكتوبر. لكنه أعاده إلى منصبه من دون حكومته إثر ضغوط دولية ومحلية في 21 تشرين الثاني/نوفمبر.
ووقّع الرجلان لاحقا اتفاقا لإعادة الانتقال الديموقراطي إلى مساره وطمأنة المجتمع الدولي الذي خفّف من مساعداته بعد الانقلاب، ولم يكن الاتفاق مرضيا لجميع الأطراف في السودان، لذلك تواصلت الاحتجاجات في الشوارع.
ومع استمرار تصاعد اعمال العنف، قدم وزير الصحة بالانابة استقالته، بينما قال عضو مدني في مجلس السيادة إنه يريد أن يحذو حذوه.
لا شراكة ولا تفاوض
في هذا البلد الذي لطالما خضع للسلطة العسكرية منذ نيله الاستقلال قبل 65 عامًا، أعلن المتظاهرون أن "لا شراكة ولا تفاوض" مع الجيش.
من جهته، قال العميد الطاهر أبو هاجة مستشار البرهان لوكالة الأنباء الرسمية الجمعة إن "استمرار التظاهرات بطريقتها الحالية ما هو إلا استنزاف مادي ونفسي وذهني للبلاد واهدار للطاقات والوقت".
وأضاف أن "التظاهرات لن توصل البلاد إلى حل سياسي".
وزيادة على وقوع قتلى وقطع خدمة الهاتف والإنترنت، تم اتهام قوات الأمن كذلك باللجوء إلى أداة جديدة للقمع في كانون الأول/ديسمبر، مع اغتصاب ما لا يقل عن 13 متظاهرة، بحسب الأمم المتحدة.
كذلك تعلن لجان المقاومة، وهي مجموعات صغيرة تنظم التظاهرات، كل يوم وفي كل حي، اعتقالات جديدة في صفوفها.
أعرب الأوروبيون بالفعل عن غضبهم، وكذلك الأمم المتحدة ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.
ويطالب الجميع على الدوام بالعودة إلى الحوار كشرط مسبق لاستئناف المساعدات الدولية بعد الانقلاب في هذا البلد، وهو أحد أفقر دول العالم.
وقال بلينكن السبت، إن الولايات المتحدة "مستعدة للرد على كل أولئك الذين يريدون إيقاف السودانيين في سعيهم لإقامة حكومة مدنية وديموقراطية".