جوزف عيد
حاكم مصرف لبنان: ١٢ إلى ١٥ مليار دولار تساعد على إعادة تحريك الاقتصاد
أكد حاكم المصرف المركزي رياض سلامة الثلاثاء أنّ من شأن حصول لبنان على دعم يراوح بين 12 و15 مليار دولار في حال التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، أن يساعد على إعادة تحريك الاقتصاد المتعثّر واستعادة الثقة، منبها من تضاؤل الاحتياطي الإلزامي بالدولار.
يشهد لبنان منذ عام 2019 انهيارا اقتصاديا غير مسبوق، صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي. ويترافق ذلك مع شلل سياسي يحول دون اتخاذ خطوات إصلاحية تحدّ من التدهور وتحسّن من نوعية حياة السكان الذين يعيش أكثر من ثمانين في المئة منهم تحت خط الفقر.
قال سلامة في مقابلة مع وكالة فرانس برس، بينما يخوض لبنان نقاشات مع صندوق النقد الدولي تمهيدا للتوصل الى خطة تعاف شاملة، "حصتنا في صندوق النقد هي أربعة مليارات ويمكن أن تأتي دول وتضيف عليها.. يمكن أن نصل الى مبلغ يراوح بين 12 و15 مليار دولار".
وأوضح "هذا المبلغ يساعد لبنان لينطلق مجددا ويستعيد الثقة". وأضاف "بقدر ما نتمكّن من استقطاب أموال (..) بقدر ما نتعافى بسرعة ... هذا هو المفتاح.. ليستعيد البلد نشاطه الطبيعي".
ويشترط المجتمع الدولي تطبيق إصلاحات بنيوية مقابل توفير الدعم المالي.
ولم يبق قطاع بمنأى عن تداعيات الأزمة التي ترافقت مع قيود مصرفية مشددة على سحب الودائع والتحويلات الى الخارج، وتدهور قدرات السكان الشرائية. وفي أيار/مايو 2020، تخلّفت الحكومة لأول مرة عن سداد ديونها الخارجية، ما فاقم الانهيار.
يواجه سلامة، الذي كان يعدّ على مدى سنوات عراب استقرار الليرة، انتقادات إزاء السياسات النقدية التي اعتمدها طيلة عقود باعتبار أنّها راكمت الديون، إلا أنه دافع مرارا عن نفسه قائلا إن المصرف المركزي "موّل الدولة ولكنه لم يصرف الأموال".
- 12,5 مليار دولار -
على وقع الأزمة، انخفض بأكثر من النصف الاحتياطي الإلزامي لدى المصرف المركزي، وهي نسبة مئوية تودعها المصارف الخاصة في المصرف المركزي في مقابل ودائعها ويمنع القانون المسّ بها إلا في حالات استثنائية قصوى.
قبل بدء الأزمة، بلغ الاحتياطي الإلزامي 32 مليار دولار، ليتقلص اليوم وفق سلامة إلى "حوالى 12,5 مليار دولار"، وهي قيمة توظيفات إلزامية لا يمكن المسّ بها. ويضاف إليها فائض بقيمة 1,5 مليار دولار يستخدمه المركزي حاليا لتمويل عمليات عدّة بينها الدعم الجزئي لسلع رئيسية خصوصا الطحين والأدوية.
ويكفي هذا الفائض لفترة تراوح "بين ستة وتسعة أشهر على الأقل"، وفق سلامة ما لم يصار الى اتخاذ اجراءات إضافية للجم ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية.
رفع المصرف المركزي تدريجا خلال الأشهر الأخيرة الدعم كليا عن استيراد سلع رئيسية خصوصا المحروقات التي باتت تسعّر وفق سعر الصرف في السوق السوداء حيث لامس عتبة ثلاثين ألفا في مقابل الدولار خلال الشهر الحالي.
ورجّح خبيران اقتصاديان أن تكون الأموال الوحيدة التي يمكن للمصرف المركزي التصرّف بها حاليا هي حقوق السحب الخاصة التي تلقاها في أيلول/سبتمبر من صندوق النقد الدولي وتقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار.
وقال أحدهما وهو مسؤول سابق في المصرف المركزي لفرانس برس، من دون الكشف عن هويته، "لا نعلم كيف يتم استخدامها في غياب تام للشفافية".
ويدافع سلامة عن التدابير التي اتخذها المصرف المركزي لإدارة الأزمة، وبينها رفع سعر الدولار المصرفي من 3900 ليرة الى ثمانية آلاف. ويرى أنه "لولا مصرف لبنان والاحتياطات لديه، لما كان يمكن للبنان الاستمرار"، لافتا الى أن "المصرف المركزي يعالج النتائج وليس من يفتعل الأزمة".
وفي ظل اعتماد أسعار صرف عدة داخل المصرف المركزي وفي السوق الموازية، أوضح سلامة أنّه لا يمكن توحيد سعر الصرف حاليا، بمعزل عن تحقيق استقرار سياسي وقبل التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وأقر أنّ سعر الصرف الرسمي المثبت على 1507 ليرات للدولار منذ العام 1997، "لم يعد واقعيا اليوم" بعدما "خدم" لبنان وجعل "الوضع الاقتصادي والاجتماعي جيدا خلال 27 عاما".
- شكاوى قضائية -
تتطلع الحكومة حاليا الى التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد من أجل وضع حدّ للانهيار المتمادي. ويعقد الجانب اللبناني محادثات مستمرة مع ممثلين عن الصندوق.
وقال سلامة، وهو من ضمن الفريق المفاوض، إن المحادثات ما زالت "في مرحلة الأرقام" فيما "لم يقدّم اللبنانيون خطة بعد الى صندوق النقد لتتم مناقشتها".
وبعدما أدى التباين في تقدير حجم الخسائر المالية بين المفاوضين اللبنانيين الى تعليق جلسات تفاوض عقدتها الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب مع صندوق النقد العام 2020، تم التوافق مؤخرا على تقدير لبنان حجم الخسائر المالية بـ69 مليار دولار، من دون التوافق بعد على كيفية توزيعها.
ويحول الانقسام السياسي داخل الحكومة حول ملفات عدة، أبرزها مصير المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، دون المضي في إصلاحات جذرية يشترطها المجتمع الدولي خصوصا في قطاع الكهرباء المتداعي.
الى جانب دفاعه عن السياسة النقدية التي يتبعها، دافع سلامة بشراسة عن نفسه بمواجهة شكاوى قضائية ضدّه في لبنان ودول أوروبية عدة بينها فرنسا وسويسرا، تتعلق بشبهات اختلاس أموال وتحويلات عبر مصرف لبنان الى الخارج واتهامات أخرى.
وقال سلامة إن الشكاوى استندت إلى إخبارات قدمها لبنانيون "لأسباب يمكن أن تكون سياسية أو عقائدية أو مرتبطة بمصالح معينة" من دون أن يسميهم. واوضح أنّ شركة تدقيق مالي من الدرجة الأولى تولّت، بناء على طلبه، التدقيق في حساباته. وقد سلم تقريرها الى مسؤولين وجهات قضائية في لبنان والخارج، مستغربا افتعال هذه "الضجة".
وأبدى استعداده "التعاون مع كل التحقيقات"، لأن الشكاوى استندت إلى "بيانات مزورة" منددا بما وصفه بأنه "تضخيم الأمر" وأضاف بتهكم "سيتبين بعد قليل أنني أخذت كل أموال لبنان ووضعتها في جيبي".