وزير المالية محمد العسعس
العسعس: العودة للإغلاقات مرهونة بوصول المستشفيات إلى طاقتها القصوى - تفاصيل
ألقى وزير المالية محمد العسعس الاثنين خطاب الموازنة العامة للسنة المالية 2022 أمام أعضاء مجلس النواب.
وتاليا نص خطاب الموازنة كما وصل إلى "رؤيا":
"بسم الله الرحمن الرحيم
معالي الرئيس ،
حضرات النواب المحترمين ،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
إنه لمن دواعي السرور والإعتزاز أن أقف بين يدي مجلسكم الكريم لأعرض مشروعي قانون الموازنة العامة وقانون موازنات الوحدات الحكومية للسنة المالية 2022والذي حرصت الحكومة على تقديمهما وفق ما يقتضيه الدستور لإتاحة الوقت الكافي لمجلسكم الكريم لمناقشتهما وإسداء التوجيهات السديدة حولهما، متطلعين لإقرارهمافي أقرب وقت ممكن.
وإنني لأذكر بالتقدير والإحترام مداولات مجلسكم الكريم وتوصيات اللجنة المالية الموقرة واللقاءات الدورية لمراجعة الأداء المالي للمالية العامة والتي كانت خير عون للحكومة في إسداء التوصيات والمقترحات لتحسين الأداء المالي وتخصيص الموارد لتحقيق أهداف السياسات المالية والإقتصادية.
ويجسد المشروعانالتوجيهاتالملكية السامية في كتاب التكليف السامي للحكومة، ويترجمان إرادة الحكومة وعزمها على السير قدماً نحو تحقيق التعافي لإقتصادنا الوطني من الآثار السلبية لجائحة الكورونا، التي مثلت امتحاناً قاسياً لمناعة الإقتصاد الأردني وللأسر الأردنية،وقدرة الحكومة على تبني السياسات واجتراح الحلول للخروج من الأزمةوالتطلع للمستقبل ومواكبة المتغيرات والإستفادة من الفرص.
لذلك فإن المشروعين يعكسان السياسة المالية التي ستنتهجها الحكومة خلال السنوات القادمة، ويمثلان الإطار العملي لأولويات الحكومة، والخدمات التي ستقدمها للمواطنين، وإجراءات الحكومة للتصدي للإختلالات التي يعاني منها اقتصادنا الوطني .
في مثل هذا الوقت من كل عام نودع عاماً ونستقبل آخر، ونُقيِّم من خلال الحوار إنجازاتنا ونحدد مواطن القوة والضعف لنكون قادرين على استقبال الأعوام القادمة بالثقة والتفاؤل، متسلحين بالإيمان بعظمة هذا الوطن وقدرات مواطنيه، وبالعلم وبالخبرة التي اكتسبناها على مدار السنوات الطوال الحافلة بالتجارب القاسية والإختبارات الصعبة، والتي علمتنا أن النجاح نصيب كل مجتهد وإن طالت الأزمات وكثرت المِحن.
ويأتي إعداد هذه الموازنة في ظل مناسبة عزيزة على قلب كل أردني وأردنية، وهي مرور المئوية الأولى على قيام الدولة الأردنية، وتتشرف الحكومة أن تقدم لمجلسكم الموقر أول موازنة يُستهل بها إطلالة المئوية الثانية والتي نستشرف من خلالها رؤيتنا للمستقبل، ونؤكد من خلالها على استمرارنا في مسيرة العطاء والبناء، وتسخير كل القدرات والإمكانات وتوظيف الموارد البشرية التي حبانا الله إياها في تحقيق المزيد من الإنجازات في شتى المجالات،مرتكزة إلى الإصلاح الشامل كخيار وطني لا رجعة عنه، وهو سبيلنا لمتابعة المسيرة الهاشمية المظفرة، وتجاوز التحديات والمعيقات التي لن تثنينا عن تحقيق الرؤية الهاشمية لأردن مزدهر لجميع الأردنيين دون استثناء.لن نضعف مهما كانت التحديات، ولن تزيدنا الأزمات إلا صموداً ومنعة.سائلين المولى العون والتوفيق.
وأقتبس في هذا السياق مما تفضل به جلالة الملك المعظم حفظه الله في كتاب التكليف السامي لهذه الحكومة ” نحن على أعتاب المئوية الثانية للدولة، فلا بديل عن الإستمرار في تعزيز نهج الإعتماد على الذات، من خلال تمكين مواردنا البشرية الواعدة وتزويدها بعلوم ومهارات مهنية وتقنية ترفع من ميزتهم التنافسية” و” كذلك الإستمرار في الإصلاحات الإقتصادية والمالية والهيكلية بهدف تحقيق النمو الشامل والمستدام”.
لقد تمكنت الحكومة من تحقيق إنجازات مشهودة في التعامل مع تطورات المشهد الصحي والإقتصادي، والتصدي لتلك الآثار ومواجهتها والتقليل قدر المستطاع من انعكاساتهاالسلبية على حياة المواطنين ومستوى معيشتهم،وقامت الحكومة بإعادة ترتيب الأولويات على ضوء هذه المستجدات، وتحقيق الموازنة الحصيفة بين حماية الصحة العامة للمواطنين والوضع المعيشيللحيلولة دون تعمق الركود الإقتصاديبما سيفضي إلى زيادة معاناة المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل.وفي هذا المقام، أسأل الله أن يتغمد من فقدنا من أبناء الوطن الغالي بواسع رحمته، وأن يمنّ على المصابين بالشفاء العاجل.
وقد سعت الحكومة إلى تهيئة الإحتياجات اللازمة لمكافحة الجائحة وتوفير العناية الصحية للمصابين بما أدى إلى ارتفاع حالات الشفاء وانخفاض معدلات الدخول الى المستشفيات مقارنة بالعام الماضي وإنقاذ أرواح مواطنينا. وقد جاء ذلك مدفوعاً بنجاح الحكومة – رغم محدودية الإمكانات – في توفير المطعوم للمواطنين مجاناً ولكل من يعيش على أرض الأردن، والذي يعزى فيه الفضل بعد الله عزوجل إلى الجهود الإستباقية لجلالة الملك المفدى التي عجلت في تلبية الإحتياجات من المطاعيم، إضافة إلى تعاون المواطنين واستجابتهم في الحصول على المطعوم، بما جعل الأردن في مصاف الدول الأولى في هذا المجال في حينه.
وعلى الرغم من أن استراتيجية التعامل مع الموجة الأولى للجائحة اعتمدت على الإغلاق الكامل، وتبني مجموعة من التدابير في وقت مبكر لمنع انتشار المرض،إلا أنه ترتب عليها تكلفة إقتصادية عالية وآثاراً سلبيةًعميقةًأرهقت اقتصادنا المجهد أصلاً من تداعياتِ أزمات ٍونكباتٍ متتاليةٍ، عصفت بالإقليم خلال العقد الماضي.
لذلك، سارعت الحكومة في ترجمة إدراكها أن سرعة التعافي الإقتصادي وفتح المزيد من القطاعات الإقتصادية يعتمد على قدرتها في السيطرة على الجائحة والحد من التأثيرات الصحيةالناجمة عنها.وارتأت الحكومة أن المزيد من الإنفاق على الرعاية الصحية وما يترتب على ذلك من تكاليف مالية آنيّة يمكن تحملها مع تحسن النشاط الاقتصادي،وتعويضها عبر كل دينار يدخل خزينة الدولة كنتيجة للإصلاحات المالية والضريبية واستعادة حقوق الخزينة، سيقابله تراجع الكلف الباهظة التي لن يقوى الإقتصاد على تحملها جراء تعمق الإنكماش أو تباطؤ النمو وانعكاس ذلك على فقدان الوظائف وتغول الفقر الذي سيدفع ألمه وضريبته إخواننا من متوسطي ومحدودي الدخل.
وعليه، قامت الحكومة بالتعاقد سريعاً لبناء المستشفيات الميدانية المدنية والعسكرية، واستئجار مستشفيات خاصة، وتخصيصها بشكل كامل لحالات الإصابة بفايروس الكورونا. كما قامت الحكومة بتوفير الأسرة لإستيعاب المرضى وتوفير الرعاية الصحية لكل من يحتاجها.
وبناء عليه، بذلت هذه الحكومة جهدها في الإعداد للتطورات المحتملة للجائحة والحد من الآثار المستقبلية غير المرغوبة والتي يصعب على اقتصادنا أن يتحملها في حال استمرار فترات الإغلاق.
ولذلك دخل الأردن الموجة الثانية وقد توفرت سبل مواجهة تبعات الجائحة ومتطلبات العناية بالمصابين وتوفر المطاعيم،وتمكنت الحكومة من تنفيذ استراتيجية الإنفتاح الموضوعة بدقة متناهية، وبدأت بوادر الإنتعاش الإقتصادي تظهر في الربع الثاني لعام 2021 في ضوء استعادة العديد من القطاعات لنشاطها الاقتصادي. في الوقت الذي لا زالت فيه الكثير من دول العالم مستمرة حتى الآن في فرض سياسة الإغلاق لتكافح انتشار الفيروس ومتحوراته، الأمر الذي مكن من حماية القطاع الصحي من الإنهيار.
وقد حققت الحكومة إنجازاً كبيراً في فترة قياسية في مواجهة الجائحة، وتوفير الحماية الإجتماعية للفئات الأشد تأثراً والأكثر ضعفاً، وتقديم الرعاية الصحية لمن يحتاجها دون مقابل، وتقديم الدعم الإقتصادي للقطاعات المتضررة، كما حرصت الحكومة على الإجراءات الهادفة نحو توسيع نطاق المشمولين في الضمان الإجتماعي، وغيرها من الإجراءات التي مكنت من الحد من تعمق التداعيات الإقتصادية للجائحة وبلوغها مستويات خطيرة أبرزها زيادة كبيرة في معدلات البطالة، حيث تعرضت الوظائف لتهديد كبير،وحالت قرارات الحكومة المستندة إلى قانون الدفاع إضافة إلى برنامج “استدامة” دون فقدان عشرات الألوف من العاملين في العديد من القطاعات لوظائفهم، حيث يقدم هذا البرنامج مساعدة مزدوجة للعاملين والمستثمرين من خلال دعم الأجور في القطاعات الأكثر تضرراً، الأمر الذي مكن من الحفاظ على الوظائف وعدم ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات أعلى مما وصلت إليه.
ورغم الضغوطات الكثيرة الداعمة لاستمرار الإغلاقات لمواجهة الجائحة في موجتها الثانية،إلا أن الحكومة نجحت في تقرير المعادلة الأخلاقية التي مفادها أن إبقاء الإقتصاد مفتوحاً يستلزم توفير الحماية لمواطنينا، وأن العودة لقاموس الإغلاقات مرهونبوصول المستشفيات إلى طاقتها القصوى ونفاد الأسرّة وتهديد استقرار القطاع الصحي.
ثم استمرت رحلة الحكومة في تسخير الإمكانيات والموارد على نحو غير مسبوق لتوفير الحماية ومتطلبات الرعاية الصحية والمطاعيم اللازمة للحفاظ على أسباب الحياة والإقتصاد معاً.ولنا أن نفخر في الأردن باستجابتنا الصحية والأخلاقية التي عَزَّ مثيلُها، حيث كان البرنامج الوطني للتطعيم من أكثر برامج التطعيم في العالم شفافية وحوكمة في آلية الإختيار، ومن أوائل البرامج في العالم التي شملت ضيوفنا من اللاجئين إضافة إلى توفير الرعاية الصحية وتلقي العلاج اللازم، حيث لا فرق بين مواطن ومقيم ولاجئ عندما يأتي الخطر من انتشار الجائحة. وهذا يؤكد بلا شك على أن الأردن كان وسيبقى موئلاًللقيم والشيم، وبلد الرحمة والإنسانية بكل ما للكلمة من معنى.وما قدمناه فاق بكثير ما فشلت فيه دول ذات موارد أكبر، وحُق لنا أن نفخر بذلك .
يأتي إعداد موازنة عام 2022 في ظروف إقتصادية متباينة وغير مستقرة على النطاق الدولي، حيث تتأرجح الدول ما بين الإنكماش والتعافي.فالعديد من دول العالم المتقدم تحقق نمواً اقتصادياًمتفاوتاً،ويتوقع أن تعود لمستوى النشاط الاقتصادي الذي كانت تحققه قبل حدوث الجائحة، أي أنها تشهد انتعاشاً على شكل حرفV،حيث شهدت الولايات المتحدة الأمريكية إنتعاشاً إقتصادياًسريعاً وتراجعاًتاريخياً لمعدل البطالة،وهناك توقع لقيام الفيدرالي الأمريكي برفع مستويات الفائدة خلال عام 2022 مماقد يؤثر سلباً على مستوى التعافي في العالم كله، ومنها الأردن الذي لم يتعافى بعد، مما سيؤدي إلى ضربة سلبية يجب التعامل معها بحكمة وروية.وفي المقابل، فإن العديد من الدول النامية بدأت تشهد انتعاشاً تدريجياً وإن كان على وتيرة أقل مما تشهده الدول المتقدمة،في حين ما زالت غالبية الدول النامية منخفضة الدخل تعاني من ظروف إقتصادية صعبة عمقتها الجائحة،وتجاهد في سبيل تحقيق معدلات نمو تمكنها من التعافي، ولكنها بعيدة عن تحقيق ذلك في ضوء التباطؤ الشديد في وتيرة التطعيم ضد فايروس الكورونا، وهي مهددة بحالة من الركود الطويل أو متوسط المدى.كما تشهد أسعار الأساسيات العالمية ارتفاعاً كبيراً قد يلقي بظلاله على الأسعار العالمية مما قد يشكل حالة من أصعب حالات الركود الإقتصادي المصحوب بالتضخم (الركود التضخمي).
إن سرعة التعافي الذي تنشده الدول مرتهنٌ بنجاحها في توفير المطاعيماللازمة، حيث لن تتمكن الدول البعيدة عن هذا المسار من التعافي والعودة إلى الوضع الطبيعي.
وبالتالي، فإن أحد التصورات الذي تطرحه بعض المؤسسات الدولية المختصة حول الآفاق الإقتصادية للدول النامية يرجح احتمالية تعمق التطورات السلبية في اقتصاداتها مع توقع انتشار سلالات متحورة جديدة على النطاق المحلي وارتفاع مخاطر العدوى في حال استمرت الوتيرة الحالية البطيئة في تلقّي المطعوموما سيترتب على ذلك من إجراءات إحترازية تؤثر سلباً على النشاط الإقتصادي لدولها، فضلاً عن تأثير الإرتفاع الكبير في أسعار الطاقة والمواد الأساسية والغذائية الذي سيكون له انعكاسات متوقعة على تحسن النشاط الاقتصادي خاصة في الدول المستوردة للطاقة.
وعلى الصعيد المحلي، تأتي هذه الموازنة وسط ظروف صعبة ودقيقة ليست في تحدياتها الحالية وتعقيداتها أقل مما كانت عليه في بداية الأزمة. فلقد تعرض الأردن بدايةً إلى صدمة شديدة بسبب جائحة الكورونا.ولأن الأردن يرتبط بعلاقات إقتصادية وطيدة مع شركائه من الدول، ويتأثر بتطورات الأحداث الإقليمية والدولية، فقد عايشنا في الأردن في بداية الجائحة عاماً لم يشهد إقتصادنا الوطني له مثيل منذ عقود من الإنكماش الإقتصادي،حيث أدت موجات كورونا المتتالية إلى خسائر اقتصادية غير مسبوقة، وسجل الإقتصاد مع نهاية عام 2020 انكماشاً بنحو 1.6بالمائة، وشهدت القطاعات الإقتصادية تراجعاً واضحاً، وارتفع معدل البطالة إلى مستويات قياسية خطيرة وغير مسبوقة فيتاريخ الإقتصاد الأردني منذ عقود طويلة.كما أثقلت الجائحة كاهل الخزينة في ضوء تراجع النشاط الإقتصادي والحاجة إلى تعبئة موارد إضافية للإنفاق على الصحة والحماية الإجتماعية ودعم القطاعات الإقتصادية الأكثر تضرراً.
على الرغم من هذه التحديات الكبيرة، فقد تمكنت الحكومة من المحافظة على استقرار الإقتصاد الكلي وتنفيذ عدد كبير من الإصلاحات الهيكلية المهمة والوفاء بالإلتزامات الحكومية دون تأخير وعلى نحو ينسجم بشكل كامل مع طروحات الإصلاح المالي والإقتصادي وبما يتسق مع الخطاب الإقتصاديالحكومي.
كما كانت السياسة المالية ذراعاً فاعلاً للسياسات الحكومية، تمكنت من تطوير توجهاتها، وكان لها أبلغ الأثر في مواجهة العواصف التي ضربت الإقتصاد، وحالت دون تعمق الإنكماش الإقتصادي، ودون الوصول إلى المستوى المتوقع له في عام 2020 والبالغ سالب 3 بالمائة، حيث بلغ معدل الإنكماش بالأسعار الجارية1.8 بالمائة، وبالأسعار الحقيقية 1.6بالمائة، وهو من أقل المستويات المسجلة مقارنة بالعديد من دول العالموالمنطقة، رغم الإجراءات مرتفعة التكلفة التي اتخذتها تلك الدول.الأمر الذي يشير إلى أننا استطعنا من خلال السياسة المالية والإجراءات الحصيفة التي اتخذتها الحكومة في تعزيز صمود القطاعات المختلفة والتهيئة لبوادر التعافي الإقتصادي، وتمكنّا من حماية الأردن من انعكاسات أكثر سوءاً ومنها ارتفاع أكبر للدين العام، حيث كاد أن يكون الإنكماش أكثر عمقاً، وأثره أشد على كل بيت أردني، وتداعياته على البطالة أكثر حدة، وانعاكساته على الدين العاموالتصنيف الإئتماني سلبية، مما كان سيرفع كلفة الإقتراض ويحدّ من فرص الحصول على التمويل.
في الوقت الذي كشفت فيه الأزمة عن مرونة الإقتصاد الأردني وقوة دعائمه الأساسية،تسانده قيادة حكيمةوعوامل الأمن والإستقرار، ولكنهافي المقابل عززت قناعتنا بأن اقتصادنا يحتاج إلى جراحات عاجلة وعميقة وغير سهلة لمعالجة إختلالات هيكلية مزمنة تأخرت معالجتها،ساهمت في تعميق حدة التأثر بتداعيات الجائحة. وهذه الإختلالات تراكمت عبر سنين طوال أدت إلى تراجع تنافسية الإقتصاد الأردني بسبب ارتفاع كلف الإنتاج، وضعف تحصيل الإيرادات بسبب انكماش القاعدة الضريبية ومنح استثناءات وإعفاءات، وتعدد المناطق الجغرافية ضريبياً دون جدوى إقتصادية، ومحدودية الإنفاق الرأسمالي، وارتفاع المديونية، وتنامي كلفة خدمتها بشكل استنزف جانباً كبيراً من النفقات العامة، إضافة الى ارتفاع معدلاتالبطالة التي تمثل الجانب القاتم من مسيرة اقتصادنا عبر السنوات الماضية.
ولست أشيعُسراً إن قلت بأن أحد أهم الأسباب الكامنةوراء هذه الإختلالات والتشوهات التي لازمت مسيرتنا وتسببت بإضعاف الدور التنموي للسياسة المالية والموازنة العامة،وأدت إلى تفاقم الأزمات الإقتصادية والإجتماعية،وارتفاع حجم الدين العام، والإعتماد المتزايد على المنح الخارجية،وارتفاع عجز الموازنة،وقصور الإيرادات المحلية عن تغطية النفقات الجارية،يرجع إلى التهرب والتجنب الضريبي والجمركي الناجم عن الخلل في التشريعات الناظمة للعمل الضريبي،من حيث تعدد النصوص التشريعية الضريبية وتعدد الإدارات الضريبية التي أوجدت حالة من الإنقسام والضعف في العمل الضريبي وشكلت حافزاً للتهرب والتجنب الضريبي،وكبدت الخزينة خسائر كبيرة جراء ذلك، وأضرت بالإستثمار وأخلت بمفهوم العدالة الضريبية لغياب عدالة المنافسة بين من يؤدي واجبه الوطني من ضريبة ومن يتهرب، في حين تعرضت سياسة محاربة التهرب الضريبي والجمركي لحملات التشكيك والتشويه جراء تنفيذ الإصلاحات الضريبية والجمركية. وما قامت به الحكومة من محاربة للتهرب الضريبي والجمركي أثبت للجميع أن لا أحد فوق القانون.
لذلك كان لا بد من مواجهة صريحة وإجراءات مدروسة، لأن التردد سيعمق هذه الإختلالات، ويؤثر سلباً على مصداقية الحكومة أمام المواطنين، التي تضررت فعلاً جراء الممارسات التي منحت إعفاءات بمئات الملايين من الدنانير،في حين أخضعت السلع الأساسية للضرائب،وأخلّت بالعدالة الإقتصادية والإجتماعية، وتحيزت ضد الفقراء ومتوسطي الدخل.لذلك فإن من واجب الحكومة معالجة مختلف مظاهر الخلل وفقاً للأولويات، وفي ضوء آليات محددة وبرامج زمنية واضحة رغم صعوبة إعادة التوازن الضريبي والسياسة المالية.
لقد أظهرت لنا الأزمات المالية والإقتصادية والتداعيات الناجمة عن الجائحة، وما تضمنته من دروس وعبر، أنه لا بد من التعامل مع واقع الإقتصاد الأردني من خلال رؤية واضحة وموضوعية، مفادها أن نموذج الإقتصاد الأردني لا يمكن صياغته اعتماداً على نماذج إقتصادية تعتمد على وفرة الموارد والثروات الطبيعية أسوة بدول أخرى حباها الله بذلك. فنموذجنا الوطني لا بد أن يكون واقعياً وبعيداً عن الأوهام والأمنيات، يهدف إلى توفير المستوى المعيشي الكريم لمواطنيه ضمن مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص وضمن إطار الحوكمة الرشيدة والشفافية والمساءلة، يرتكز إلى المزايا التي يتمتع بها وفي مقدمتها الموارد البشرية المتميزة، ليكون الحاضن لهذه الموارد البشرية التي تعتبر المصدر الأساسي للنمو الإقتصادي، يحرص على دعمها وتطويرها وإعدادها عبر برامج التعليم والتدريب للدخول إلى سوق العمل في المجالات التي ينافس فيها،وتحفيزها على الإبداع والإبتكار، وتوفير البيئة المناسبة لتأهيلهاوالتزود بالقدرات والمهارات التي تحتاجها لسوق العمل المرتكز على المعرفة، وتمكنها من إطلاق العنان للأفكار والمشاريع المبتكرة، بحيث يتمكن الشباب الأردني المتميز من تصدير المعرفة عوضاً عن تصدير العنصر البشري، في عالم أصبح مترابطاًخدماتياً بفعل التكنولوجيا،حيث سرّعت الجائحة من هذا الترابط.
إن إقتصادنا قد اقترب أكثر من أي وقت مضى من الإعتماد على ذاته، حيث تشكل الإيرادات المحلية نحو 88.4 بالمائة من النفقات الجارية. فلا بد من تحفيز النمو الإقتصادي بقيادة القطاع الخاص على نحو يحافظ على المنافسة ويمنع الإحتكار والهيمنة، ويتم تعزيز تنافسية القطاع الخاص عبر تخفيض تكاليف الإنتاج من طاقة وعقار وعمالة وتمويل، لتشجيعه على خلق الوظائفوخفض معدل البطالة،وبما يفضي إلى تعزيز الموارد المحلية وخلق موارد مستدامة من الإيرادات الضريبية التصاعدية وفقاً لنظام ضريبي يحقق العدالة الإقتصادية والإجتماعية، ومحاربة ومكافحة التجنب والتهرب الضريبي والجمركي، وصولاً إلى قاعدة إيرادات تستخدمها الدولة في تطوير البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين من التعليم والصحة والنقلو غيرها.
كما لم يعد بالإمكان تبرير استثناء من يملك ولا يريد أن يقوم بواجبه الوطني من دفع الضرائب عندما تضطر الحكومة إلى فرض ضرائب استهلاكية مرتفعة، تشكل ضرائب رجعية غير تصاعدية تؤثر على الطبقة الوسطى ومحدودة الدخل أكثر من غيرها.إن ضمان نجاح التحول أعلاه هو السبيل الأساس للحفاظ على الإستقرار المالي والإقتصادي للأردن، ولن يستقر الإقتصاد الأردني ويحقق نمو يوظف طاقات شبابه المتعطش إلى فرص العمل دون مواجهة حقيقة اختلال هيكلية الإيرادات التي لم تنصف الطبقة الوسطى، عبر تركيزها على ضرائب المبيعات غير المباشرة. ولن نستطيع التعافي من هذا الداء دون التوقف عن منح استثناءات وإعفاءات أو إيجاد ثغرات ضريبية تعود بالفائدة على من يقدر على دفع الضريبة العادلة ولا يرغب بذلك. إن هذه الحكومة ستعمل لمصلحة السواد الأعظم من المواطنين، وستستمر بمحاربة التهرب الضريبي والجمركي لتوسيع القاعدة الضريبية والجمركية رغم كل الصعوبات والضغوط التي يمارسها المتهربون دون أن يساهموا في حق الوطن من ضرائب دخل واجبة ومستحقة.
معالي الرئيس ،
حضرات النواب المحترمين ،
لا أجدني أبالغ إن قلت بأن توجهات وإجراءات السياسة المالية والإقتصادية في مواجهة الجائحة شكلت نمطاً فريداً من أنماط التدخلات والتوجهات الحكومية لعقود مضت.
فبالإضافة إلى نجاح السياسة المالية في توفير المرونة الكافية لتحقيق الإستجابة الضرورية والسريعة في تجاوز العاصفة بأخف الأضرار الممكنة، وتمكينها الإقتصاد الوطني من إحتواء الصدمات التي ضربته بعمق شديد، إضافة إلى فعاليتها على صعيد إجراءات الحماية الإجتماعية والإقتصادية، فقد تمكنت السياسة المالية من تحقيق مستهدفاتها دون تحميل المواطنين أي أعباء إضافية ودون فرض أي ضرائب أورسوم جديدة، ونجحت الحكومة في حماية المواطنين من مسلسل رفع الضرائب. وفي ضوء ذلك، فقد تمكنت الحكومة من تحصيل إيرادات محلية أعلى من المستوى المقدر في قانون الموازنة العامةلعام 2021على الرغم من الظروفالسائدة، وذلك بفضل سياسة مكافحة التهرب والتجنب الضريبي والجمركي بمؤسسية ومهنية.
ولأنمنطق الأرقام يتحدث عن الإنجازات، فقد أظهرت التحصيلات الضريبية لعام 2021 أثر الإجراءات الحكومية ونجاحها في الحد من التشوهات والإختلالات الضريبية، والتخفيف من آثار الجائحة على التحصيلات الضريبية، حيث تجاوزت الإيرادات المحلية لعام 2021والبالغة 7301 مليون دينار المستويات المقدرة لها في ذات العام ، على الرغم من الظروف الضاغطة التي فرضتها تداعيات الجائحة من ضعف النمو الإقتصادي وتدني معدل التضخم، ويعتبر هذا إنجازاً تفخر به هذه الحكومة لأنه يشكل حماية للإستقرار المالي والإقتصادي، وحماية للطبقة المتوسطة والفقيرة من رفع الضرائب والرسوم أو فرض ضرائب ورسوم جديدة .
وفي هذا الإطار، فقد أبدى بعض السادة النواب في مثل هذا الوقت من العام المنصرم قلقهم المشروع من إمكانية تحقق الفرضيات التي استندت إليها موازنة عام 2021 المتعلقة بتحصيل الإيرادات المقدرة في القانون، فأود أن أزف لهم البشرى بأن الحكومة أوفت بالتزامها في موازنة عام 2021 وتمكنت عبر محاربة التهرب والتجنب الضريبي والجمركي من تحصيل الإيرادات المقدرة وقبل انتهاء السنة المالية دون رفع الضرائب والرسوم الجمركية.وهذا في الواقع نجاح يسجل لإستراتيجية الحكومة في تجاوز تداعيات الأزمات وتحسين الإستقرار المالي من خلال: فرض سيادة القانون، وتطبيق الإصلاحات، وتعزيز العدالة، وتوظيف التكنولوجيا، والإستفادة من الممارسات الدولية دون اللجوء إلى أدوات حمّلت المواطن أعباء لا يتحمل مسؤوليتها، وأساءت للعلاقة بين الحكومة والمواطن.
وأود في هذا الخصوص أن أوجه الشكر والتقدير لدائرة ضريبة الدخل والمبيعات ممثلة بمديرها العام وكوادرها على الجهود الكبيرة والمضنية التي بُذلت خلال العامين الماضيين في مجال الإصلاحات الضريبية ومعالجة التشوهات والإختلالات عبر مكافحة التهرب والتجنب الضريبي والجمركي، الأمر الذي يوفر الحماية للمواطنين ومؤسسسات القطاع الخاص من المنافسة غيرالعادلة جراء التهرب من دفع الضرائب، ويمكن الحكومة من تحسين مستوى الإيرادات وعلى نحو مستدام دون اللجوء إلى فرض أي ضرائب أو رسوم جديدة، أو زيادة في الضرائب والرسوم السائدة كانت لو حدثت لا سمح الله لأثقلت كاهل المواطن.
كما أتقدم بالشكر والتقدير لدائرة الجمارك التي تشهد نقلة نوعية لتحسين مستوى الخدمات والتسهيل على المواطن والمستثمر في المعاملات الجمركية، على التضحيات والجهود العظيمة التي يقدمها كوادرها في مكافحة التهريب.
ومن جهة أخرى ، وبمراجعة دقيقة لأداء النفقات العامة، وفي ضوء التزام الحكومة بالمخصصات المالية في قانون موازنة عام 2021، فقد بلغت النفقات العامة في عام 2021 نحو 9870 مليون دينار أو ما نسبته 97.6 بالمائة من إجمالي النفقات المقدرة، على الرغم من قيام الحكومة بإعادة صرف العلاوات والحوافز لموظفي القطاع العام والقوات المسلحة والإستجابة للنفقات الضرورية والملحة لمواجهة تداعيات الجائحة.لينخفض عجز الموازنة العامة لعام 2021 بنحو453مليون دينار ليصل إلى نحو 1729 مليون دينار أو ما نسبته 5.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنحو 7.0 بالمائة من الناتج في عام 2020 . وعليه، فقد تراجع عجز الموازنة العامة لعام 2021 بنحو 1.6 نقطة مئوية مقارنة بعام 2020، علماً بأنه تم الإلتزام أمام مجلسكم الموقر في خطاب مشروع الموازنة لعام 2021 بتخفيض عجز الموازنة بنحو 0.8 نقطة مئوية، وبالتالي تكون الحكومة قد تمكنت من خفض عجز الموازنة بنحو 100 بالمائة مقارنة بما التزمت به في عام 2021.وأود أن أؤكد في هذا السياق أن الحكومة نجحت في وقف الإنفاق خارج الموازنة ومنع استخدام سلف الخزينة لسداد مبالغ غير مدرجة في قانون الموازنة.
وأما العجز الأوليفقد تراجع في عام 2021 بنحو 2.1 نقطة مئوية مقارنة بعام 2020، وبنحو0.8 نقطة مئوية عن مستواه المقدر في عام 2021 ليصل إلى 3.5 بالمائة في عام 2021، أي أن الحكومة تمكنت من خفض العجز الاولي بنحو 62 بالمائة عن المستوى المستهدف.وعليه، فقد كان أداء المالية العامة في عام 2021 أفضل مما كان مقدراً له، في ضوء الإنضباط المالي والإصلاحات التي نفذتها الحكومة رغم ضعف النمو وصعوبة الوضع الإقتصادي.
معالي الرئيس ، حضرات النواب المحترمين ،
لقد أشرتُ في خطاب الموازنة العامة لعام 2021 إلى أن الإصلاح المالي والإقتصادي، جاء ليترجم التوجيهات الملكية السامية في كتاب التكليف السامي بتحسين الإيرادات من خلال مكافحة التهرب والتجنب الضريبي والجمركي عبر تطوير المنظومتين الضريبية والجمركية وأدواتهما، فإني أؤكد على أن مكافحة التهرب والتجنب الضريبي والجمركي هو طريقنا لحماية المواطن، وسبيلنا الرئيس لتخفيف العبء الضريبي عنه،مهما كانت التحديات والمعيقات، ورغم الكلفة العالية التي ستواجهها الحكومة على مختلف الأصعدة في سبيل حماية الطبقة الوسطى ومحدودة الدخل.
ولذلك، فقد استندت منهجية الحكومة في الإستجابة لتوفير الإحتياجات المالية من خلال مكافحة التهرب الضريبي ومعالجة التجنب الضريبي بما يمكن من توسيع القاعدة الضريبية والحد من الإعفاءات والإستثناءات. وتتضمن خطة الإصلاحات الحكومية بشكل متوازٍ خدمة المكلفين الملتزمين ضريبياً والإرتقاء بالخدمات المقدمة لهم جنباً إلى جنب مع محاربة التهرب الضريبي والجمركي، ومعالجة التجنب الضريبي ومتابعة المخالفين ضريبياً وبحيث تصبح هذه الإجراءات مؤطرة ضمن عمل مؤسسي لدائرة ضريبة الدخل والمبيعات .وقد مكنت هذه الإجراءات في تحديد الإلتزامات الضريبية التي لم يتم معالجتها في السابق، وتحديد الثغرات الرئيسية المستخدمة في التهرب الضريبي.
كما حرصت الحكومة على تعزيز القدرات المؤسسية والفنيةلدائرة ضريبة الدخل والمبيعات، حيث تم تعيين كادر من الموظفين المؤهلين المتميزين وتم توزيعهم على مديرية دافعي الضرائب الكبيرة والمديريات الرئيسية الأخرى، كما قامت الدائرة بإعداد برامج تدريبية لتعزيز كفاءة الموظفين الحاليين، وتبني إجراء التغييرات التنظيمية اللازمةلتحسين كفاءة وفاعلية إجراءات الدائرة.
كما قامت الحكومة بتعزيز مهام التدقيق من خلال دمج الممارسات القائمة على المخاطر وإنشاء فرق تدقيق متخصصة للقطاعات عالية المخاطر في مديرية كبار دافعي الضرائب. ويضاف إلى ذلك البدء بتطبيق نظام الفوترة الإلكتروني في عدد من القطاعات ذات الأولوية بهدف تعزيز الإجراءات الهادفة إلى تحسين كفاءة التحصيل الضريبي، والحد من التلاعب بالفواتير وتعزيز مهام التدقيق في إطار ضريبة المبيعات، وتطبيق نظام التتبع والتعقب كمرحلة أولية في قطاع التبغ لمكافحة التهرب الضريبي في هذا القطاع.
وفي هذا الصدد، أرجو أن أبين بأن تحصيلات فروقات التحقق من التفتيش والتدقيق الضريبي والبالغة نحو 700 مليون دينار في عام 2021مردها إلى فعالية ونجاح الإصلاحات الهيكلية في الإدارة الضريبية في سد الثغرات أمام التهرب والتجنب الضريبي وليس ضمن إطار تسويات ضريبية آنية مؤقتة ، مشيراً في سياق آخر، إلى أن الحكومة قامت بتعديل أسس التسويات الضريبية لتحفيز القطاعات المتأثرة للتعافي السريع وتجاوز تداعيات جائحة الكورونا والمحافظة على البيئة الاستثمارية مع إعفائها من الغرامات.
كما قامت الحكومة بإعداد مشروع نظام خاص في الأسعار التحويلية للغايات الضريبيةبهدف سد الثغرات في إجراءات النظام الضريبي في الاردن،والتي يستخدمها البعض في التهرب أو التجنب الضريبي وتحويل الأرباح . كما قامت بإقرار مشروع قانون معدل لقانون الضريبة العامة على المبيعات لسنة 2021، بهدف الإنسجام مع الممارسات الدولية في مفهوم خضوع ضريبة المبيعات للسلع والخدمات من خلال إقرار مبدأ التوريد، إضافة إلى إجراء التعديل بما يكفل تسريع سداد رديات ضريبة المبيعات الأمر الذي يوفر السيولة للقطاع الخاص دون تأخير.
وفي سياق مماثل، قامت الحكومة بإعداد مشروع قانون معدِّل لقانون منطقة العقبة الإقتصاديّة الخاصّة لسنة 2021 بهدف توحيد الإدارة الضريبية والإدارة الجمركية لتعزيز الجهود الرامية إلى مكافحة التهرب الجمركي والضريبي دون إحداث أي تعديل على التعرفة الجمركية والمعدلات الضريبية وعدم تحميل المواطنين والمستثمرين أي أعباء أو ضرائب أو رسوم جديدة وتساهم في رفع مستوى الخدمات المقدمة للمستثمرين وسرعة إنجازها.
وتجدر الإشارة إلى أن التعديلات التي تم تضمينها لمشروع القانون المعدل تمنح دائرة ضريبة الدّخل والمبيعات صلاحيّات تدقيق وتقدير وتحصيل ضريبة الدّخل والضريبة العامّة على المبيعات، والضريبة الخاصّة في منطقة العقبة الإقتصاديّة الخاصّة، كما تمكن دائرة الجمارك من تولّي جميع الصلاحيّات الجمركيّة والتحرّي والتفتيش عن الجرائم الجمركيّة وضبطها، وتحصيل الضرائب والرسوم والغرامات وبدل الخدمات المترتّبة على البيانات الجمركيّة داخل حدود منطقة العقبة الإقتصاديّة الخاصّة.
وفي هذا الإطار، فإن الحكومة واثقة بأن مجلسكم الموقر سيولي هذه التشريعات العناية المناسبة آملة إقرارها لما تمثله من إصلاحات ضريبية وجمركيةكبيرة.
إن النمو الذي حققه اقتصادنا الوطني في النصف الأول من هذا العام يعتبر مؤشراً على التطورات الإيجابية المرتبطة بالإنحسار التدريجي للفايروسوبدء دوران عجلة الإقتصاد الوطني،وعلى حيوية الإقتصاد وقدرته على تخطي تداعيات جائحة فيروس كورونا بوتيرة أسرع مما كانت تشير إليه التوقعات،وأننا في الطريق الصحيح نحو الخروج من ضيق الإنكماش الى أفق النمو والإنتعاش.
حيث نما الإقتصاد بالأسعار الثابتة في النصف الأول لعام 2021 بنحو 1.8 بالمائةومتوقعاً له الوصول الى 2.0بالمائة في نهاية هذا العام، ليعود إلى المستوى الذي كان عليه في عام 2019 قبل الجائحة.كما تشير بيانات التجارة الخارجية إلى ارتفاع الصادرات الوطنية بنحو 16 بالمائة خلال الشهور التسعة الأولى لعام2021. كما ارتفعت الإحتياطيات من العملات الأجنبية حتى نهاية تشرين أول من هذا العام لتبلغ نحو 17 مليار دولار لتغطي احتياجات المملكة من المستوردات لأكثر من 9 شهور، كما ارتفعت حوالات الأردنيين العاملين في الخارج خلال الشهور العشرة الأولى من العام الحالي لتصل إلى نحو 2 مليار دينار. وتراجع معدل البطالة في الربع الثالث من العام الحالي إلى نحو 23.2 بالمائة مقابل 24.8 بالمائة في الربع الثاني لهذا العام بعد استقراره عند أعلى مستوى له. وعليه، يتبين أن الإقتصاد الأردني يشهد تعافياً على شكل حرف V، إلا أن استمرار معدل البطالة عند مستوى مرتفع ولمدة زمنية أطول يجعل الإقتصاد بحاجة إلى المزيد من الوقت للتعافي من خسائر الجائحة والحيلولة دون تحول البطالة الناجمة عن الجائحة إلى بطالة هيكلية مزمنة.
وفي هذا السياق، فقد كان للتدابير التحفيزية الإضافية التي أقرتها الحكومة في هذا العام أكبر الأثر في توفير جرعات تحفيز وإنعاش إضافية للقطاعات الإقتصادية المتضررة، وتخفيف الأعباء عن المواطنين وتعزيز شبكة الحماية الإجتماعية، وتعزيز استدامة العمالة في مؤسسات القطاع الخاص من القطاعات المتضررة وحماية الوظائف ومنع استفحال معدل البطالة في مؤسسات القطاع الخاص[.
وعلى الرغم من أن هذه التطورات تشكل إنجازاً حقيقياً في ظل الظروف المحلية والإقليمية والعالمية الصعبة، إلا أنهذا النمو غير كاف لخفض معدلات البطالة. لذلك فإن التحدي بات يتمثل في كيفية تعزيز هذا النمو وعكس آثاره على حياة المواطنين، الأمر الذي يتطلب تبني أساليب خلاّقة لتسريع وتيرة النمو، والتنبه لأهمية التنوع الجغرافي والقطاعي لمصادر الدخل ولسلة إقتصادنا الصغير في حجمه والمنفتح على الإستثمارات الخارجية في السلع والخدمات والتجارة العالمية، بما يخفف من تأثير التداعيات العابرة للحدود ويضمن استدامة النشاط الإقتصادي،نظراً لتأثير المتغيرات الإقليمية والدولية على نمو وأداء الإقتصاد الوطني .
وإن المتأمل في مسيرةالمملكة الممتدّة على مدى مائة عام يجد أنه إذا كانت هناك حقيقة ثابتة في التاريخ الإقتصادي الحديث للأردن فهيالتعرض المستمر للصدمات الخارجية، غير المقتصرة على الصدمات الإقتصادية، وإنما لموقع الأردن وسط إقليم ملتهب،رتب عليه تحمل أعباء كبيرة، هي في الواقع أكبر بكثير من إمكانياته وقدرته على تحملها.
إن ما قدمه الأردن تجاه الإستقرار الإقليمي والدولي وتجاه استضافة لاجئين على ترابه هو أكبر من إمكانياته، حيث يستضيف الأردن أعداداً كبيرة من الأخوة السوريين،بما يقارب خمس سكانه، ويتحمل إدارة هذا العبء بموارده المحدودة والقاصرة بطبيعتها عن استيعاب الطموحات لتحقيق النقلة التنموية النوعية التي نريدها ونخطط لها، فضلاً عن أن تستوعب تداعيات التطورات المتعلقة باحتياجات الأخوة اللاجئين.
وأقولها بكل أسف أن الإستجابة الدولية لإحتياجات إخواننا الضيوف من اللاجئين السوريين لم تكن لتشكل سوى جزء بسيط جداً مما تنفقه دول العالم على حماية أمنها وحدودها،وهذه النفقات كفيلة بتحويل الجانب الأكبر من هؤلاء اللاجئين إلى محرك إيجابي للنمو ورافد للتنمية والإزدهار في حال استثمارها إلى جانب التنمية الشاملة في الأردن.
لقد فرضت علينا تداعيات التوترات الإقليمية والأزمات المالية العالمية والجائحة الصحية التكيف مع الأوضاع الجديدة.]وقد قامت الحكومة بتحديد المشكلات والمعيقات التي تواجه القطاعات الإقتصادية، واتخذت إجراءات لمعالجة التحديات الآنية، في حين تطلّب بعضها الآخر تعديلات تشريعية لإيجاد حلول للمعيقات والتحسين والمواءمة مع أفضل الممارسات الدولية بما يمكن من الإنتقال من مرحلة التكيف إلى مرحلة الإنتعاش والتطوير.
وعلى الرغم منصعوبة الأوضاع الناجمة عن الجائحة، فإن لهذه الأوضاع جوانبَ أخرى مشرقةً[ ، وإني لأقول بكل فخر أنَّ اقتصادنا قد تمكن من تحقيق نتائج إيجابية لم تحققها دول أخرى ذات إمكانيات إقتصادية ومالية كبيرة، بشهادة التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية والتي أشارت إلى أن الأردن يعتبر من أفضل الدول التي تمكنت من السير بخطى ثابتة في تنفيذ الإصلاحات وإزالة التشوهات، إضافة إلى المحافظة على الإستقرار المالي والنقدي.
لذلك، وبالرغم من حالة التشاؤم التي تكتنف أجواء الإستثمار في العالم وحالة عدم اليقين السائدة في ظل الإضطرابات الصحية والإقتصادية، والسوداوية التي تحيط بنا، إلا أننا متفائلون بقدرتنا على توفير بيئة استثمارية تمكينية تسمح لمؤسسات وشركات القطاع الخاص من العمل بكفاءة وفاعلية لتطوير أداء اقتصادنا الوطني الذي يشهدجهوداحكومية لرفع كفاءته وفاعليته وتحسين مستوىتنافسيته[.كما أشارت التقارير الدولية إلى تحسن واقع البيئة الإستثمارية في المملكة، حيث تم تصنيف الأردن عن جدارة واستحقاق في التقرير الأخير لسهولة ممارسة الأعمال لعام 2019قبل إيقافه بأن الأردن من أكثر دول العالم تطبيقاً للإصلاحات الهادفة لتحسين بيئة الأعمال، مما يساهم في تحسين تنافسية الإقتصاد الأردني ويجعل الأردن أكثر جاذبية للإستثمار.
وقد خلصت تقارير مؤسسات التصنيف الإئتماني الدولية ستاندرد آند بورز وموديز على تثبيت تصنيف الأردن الإئتماني عند مستوى مستقر، كما رفعت مؤسسة فيتش في تقريرها الذي صدر قبل أيام قليلة توقعاتها للتصنيف الإئتماني للأردن من سلبي إلى مستقر عاكسةً بذلك الثقة بقدرة الإقتصاد على التعافي من تبعات الجائحة، على الرغم من التخفيضات على تصنيف العديد من دول الإقليم والعالم واستمرار حالة عدم اليقين، وليقدم دلالة صريحة على صلابة الإقتصاد الأردني، وتعزيز الثقة بالإجراءات الحكومية المتعلقة بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، ووفاء الحكومة بمتطلبات الإصلاح المالي والإقتصادي، وفعالية التدابير والقرارات الحكومية التي جنبت الإقتصاد سيناريوهات أكثر سلبية جراء الجائحة، الأمر الذي ترك أثره الايجابي لدى المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة والمقرضة بحيث مكنتنا من الحصول على التمويل اللازم للإحتياجات التمويلية وبشكل ميسر.
وبقدر ما تكرستقارير مؤسسات التصنيف الإئتماني الدوليةالثقة في الحكومة وبقدرتها على السير قدماً في تنفيذ الإصلاحات، فإنهاتشير من جهة أخرى إلى حجم التحديات الكبيرة المرتبطة بإنجاز هذه الإصلاحات المنشودة في ظل الأوضاع الإقتصادية الصعبة.
وإذ تؤكد الحكومة على أهمية دور القطاع الخاص في الوصول إلى الهوية المستقبلية لإقتصادنا الوطني في تحقيق معدلات نمو إقتصادي مرتفع، فإنها لعلى ثقة كبيرة بأن القطاع الخاص على قدر المسؤولية الكبيرة المناطة به وسيتفاعل بشكل إيجابي مع التوجهات والإجراءات الحكومية واضعاً نصب عينيه المصلحة العامة إلى جانب المصلحة الذاتية.
التفاؤلوالطموح والواقعية شعارنا في تحقيق ما نصبو إليه، وإيماننا راسخ بالطاقات الكامنة في اقتصادنا ومواطنينالبناء أردن الغد الذي يضمن لشبابه فرص العمل والعيش الكريم.ولتحقيق ذلك، لا بد أن يقترن تفاؤلنا وطموحنا بسياسات إقتصادية ومالية وتجارية مُحكَمة وحصيفةتدفع نحو تمكين اقتصادنا من تجاوز المرحلة الأصعب في هذه الأزمة[.
وكما تعلمون،فقد اختط الأردن نهجاً تصحيحياً شاملاً،يحمل في ثناياه إصلاحات هامة لتعزيز تنافسية الإقتصاد وتحفيز النمووخلق الوظائف، ويساهم في بناء جسور الثقة والتعاون مع المؤسسات الدولية والجهات الدائنة.ويستمد قوته من كونه إصلاحاً وطنياً، تم وضع خطوطه العريضة وتفاصيله الدقيقة بأفكار وسواعد محلية، يسعى إلى هوية مميزة لإقتصادنا وتصويب مساره،ووضع الإقتصاد الأردني على مسار النمو الغني بالوظائف وتعزيز نطاق الحماية الإجتماعية وتحسين مستوى المعيشة وتكافؤ الفرص لترسيخ مفهوم المواطنة والإنتماء وتعميق الهوية الوطنية، والإعتماد بدرجة أكبر على الذات وتعزيز الإيرادات المحلية عبر محاربة التهرب والتجنب الضريبي والجمركي دون تردد، والإبتعاد عن الحلول التقليدية والسهلة التي لجأنا إليها في الماضي، وكلفتنا الكثير في تراجع معدلات النمو الإقتصادي لاعتمادها على زيادة الضرائب والعبء الضريبي على المواطنين،وإضرارها بالطبقة الوسطى ثمناً باهظاً لإرضاء من يتخلف عن الوفاء بدَينه تجاه وطنه.كما أفضت تلك الحلول إلى خفض الإنفاق الإستثماري الحكومي سعياً لتحقيق الإستقرار المالي، مما أضعف مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، إضافة إلى التحديات المتعلقة بالتخطيط المالي وخاصة على صعيد الإيرادات مما أدى إلى خلق متأخرات أثقلت كاهل القطاع الخاص ورفعت كلفة خدمتها على الحكومة.