شخص يجلس وحيدا على شاطئ البحر - تعبيرية
كيف تتخطى ألم فقدان شخص عزيز عليك؟
يتجرع الإنسان في أثناء حياته القصيرة نسبيا مرارة كأس لا مناص من تلاق معها في سيرورة لا تنتهي ولا تجامل أحدا، إما لموت أو تباعد أسفار أو تقاطع وتدابر بسبب خصام وشقاق، فيحتار معها باحثا عن سبيل لخلاص قد يجده في شكوى إلى ذي مروءة يواسيك أو يسليك أو يتوجع.
ولأن اشتقاق الإنسان من النسيان، قد يجد فيه المرء أيضا ضالته لقهر أحزانه والتغلب عليها، إذ لا بد من هذا الدواء للخروج من الحالة الكئيبة مستعينا به على مكابدة المعاناة والهموم التي قد تخترم الجسيم نحافة وتشيب ناصية الصبي وتُهرم. وانطلاقا من ذلك، دعا اختصاصيون إلى تخطي الأسى بالإيمان والاندماج في المجتمع والاستعانة بذوي الخبرة، آخذين بعين الاعتبار أن الدنيا دار فناء تتأرجح بين ولادة وموت، ولقاء وفراق، وبعكس ذلك قد يدخل الإنسان في نوبات من الحزن لا تحمد عقباها نفسيا وجسديا.
تقول الدكتورة في علم الاجتماع ميساء الرواشدة، إن على الفرد التعامل مع حالة الألم بطريقة عقلانية، فيفرغ المشاعر التي تختلط عليه بـ "الفضفضة" أو البكاء لمواجهة حقيقة غياب هذا الشخص، بالإضافة إلى المعالجة بإشغال النفس، ووجود الاشخاص الذين نثق بهم ونرتاح لقربهم، وألا يتردد المرء في زيارة متخصص في العلاج النفسي للحصول على الرعاية اللازمة، للحيلولة دون مرحلة الاكتئاب الشديدة.
واضافت أن الحزن يبدأ بمرحلة الإنكار ثم الغضب، وأخيرا التقبل وهي المرحلة التي يعد أكثر الأشخاص نجاحا فيها من لديه مسؤوليات تجاه الآخرين، كالأم والأخ الأكبر الذين يقع عليهم عبء إقناع الآخرين بأن هذا الحدث من امور الحياة الاعتيادية.
وتتابع أن الموت عبرة للأحياء بأن الحياة فانية، ولا بد من التغلب على الصدمات، ضاربه أمثلة لأسر تغلبت على فقدان أحبائها بإنشاء الجمعيات أو صفحات التواصل الاجتماعي وبث رسائل التوعية حول حوادث مؤلمة لوفيات نتيجة الإصابة بفيروس كورونا.
ولفتت الدكتورة الرواشدة، إلى أهمية دعم الفئات التي تعرضت للانفصال؛ كالطلاق والهجر والغربة وغيرها، منعا لوصولهم إلى حالات الاكتئاب أو الأمراض المختلفة. من جهته، بين استشاري أمراض القلب والشرايين، الدكتور زاهر الكسيح، أن متلازمة القلب المكسور تحدث نتيجة تعرض بعض الأشخاص لمواقف عاطفية مؤلمة أو عصيبة، وتصيب عضلة القلب بسبب ارتفاع مستوى هرمونات التوتر، وتتشابه أعراضها مع أعراض النوبات القلبية، وتبدأ بظهور آلام في الذراع الأيسر، تنتقل بعد ذلك إلى الجانب الأيسر من الصدر، ما يتطلب إدخال المريض إلى غرفة العناية المركزة، رغم ان الأوعية التاجية له تبدو بصورة سليمة، ولا توجد هناك أي انسدادات، كما هو معتاد مع حالات النوبات القلبية.
واضاف انه يمكن للأخبار السعيدة أيضا أن تؤدي للإصابة بتلك المتلازمة، حيث يعتقد اطباء أن التوتر يؤدي إلى إفراز الجسم الكثير من "الأدرينالين والنورأدرينالين"، كما يعمل هرمون التوتر بدوره على إفراز عنصر "الكالسيوم" الذي يتسبب في توتر عضلة القلب عندما يصل إلى الخلايا، لافتا إلى أن من النادر تعرض مرضى المتلازمة للوفاة أثناء حدوثها مقارنة مع النوبات القلبية.
واكد أن خيارات علاج المتلازمة تشمل العقاقير والعلاج النفسي، وتعليم المريض كيفية التعامل مع التوتر بصورة أفضل، ومن المستحسن الاهتمام بممارسة رياضات قوة التحمل لأنها تقوي القلب وتساعد على التعامل مع التوتر بشكل أفضل.
بدوره، دعا أستاذ علم النفس في الجامعة الأردنية الدكتور فراس الحبيس، إلى تقبل خبر الوفاة، خصوصا أننا نعيش في زمن جائحة كورونا التي أخذت من معظم بيوتنا أعزاء علينا، ولا بد من التكيف مع الحياة الجديدة كما أن فترة العزاء مهمة في مواساة المرء.
من جانبه، دعا رئيس قسم أصول الدين في جامعة اليرموك الدكتور خالد الشرمان، لتجاوز المرء ألم المصيبة، إلى أخذ العبرة مما حصل مع غيره ويوطن نفسه على أن قضاء الله نافذ، وكل ما يحدث هو بحكمته سبحانه وتعالى.
وأضاف أن المصائب سبب لتهذيب النفس وتواضعها، لأن الإنسان إذا استمرأ النعم ربما يتجبر ويتكبر ويطغى، ويتعين عليه تلقيها بنفس راضية أو صابرة دون جزع أو تسخط أو شكوى، وألا يخرج عن اتزانه مهما كانت المصيبة، لأن الدنيا دار ابتلاء وأحوالها متقلبة ومتغيرة ومن الابتلاءات أن يفقد الإنسان أحد احبائه.
وذكر الدكتور الشرمان بقول الله تعالى ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة: 155 – 157.