الصورة أرشيفية
حرب المقرات: دبي والرياض على طريق منافسة اقتصادية محتدمة
جعلت البنية التحتية الحديثة والقوانين السلسة من دبي المقر الإقليمي المفضل للشركات الدولية، لكن خروج الرياض من عباءة التشدد في السنوات الأخيرة أيقظ منافسا عملاقا.
وقد سهّلت الإمارة الخليجية الثرية فتح الأعمال التجارية في منطقة تعاني من البيروقراطية مما ساعدها على استضافة حوالي 140 مقرا لشركات كبرى خلال ثلاثة عقود، أكثر من أي مدينة أخرى في الشرق الأوسط.
وبينما كانت بيئة الأعمال تزدهر في دبي، تعثر النمو في الرياض، عاصمة أكبر اقتصاد عربي، بسبب السياسات المتشددة والتهديدات الأمنية والفساد.
لكن ولي العهد محمد بن سلمان سعى إلى وضع حد لذلك عندما تولى منصبه في عام 2017. وقد باتت المدينة المحاطة بالكثبان الرملية تنعم بازدهار نسبي وتشهد افتتاح أعمال جديدة بوتيرة متسارعة، من المطاعم إلى الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.
وقال الأمير البالغ من العمر 35 عاما في كانون الثاني الماضي إن هدفه "أن تصبح الرياض واحدة من أكبر عشر اقتصادات مدن في العالم".
ولتسريع هذا الهدف، أعلنت الرياض أنّها ستوقف اعتباراً من مطلع العام 2024 التعامل مع شركات أجنبية تقيم مقرات إقليمية لها خارج السعودية.
وتمثّل الخطوة المفاجئة تحدّيا مباشرا لدبي وتهدّد بسباق مفتوح محتدم بين الجارتين الحليفتين، السعودية والإمارات.
وقال الأستاذ المساعد في كلية لندن للاقتصاد والسياسة ستيفن هيرتوغ لوكالة فرانس برس "لا أعتقد أن هذه هي النية ولكن هذا ما سيحصل عمليا، كون دبي الموقع المفضّل كمقر إقليمي للشركات الدولية".
في عهد الأمير محمد، تبنّت السعودية سلسلة من التغييرات الاجتماعية التي لم يكن من الممكن تصورها في السابق، وعدّلت بعض قوانينها المتشددة.
وفتحت الرياض، المدينة التي يبلغ عدد سكانها 7,5 ملايين نسمة وكان يُنظر إليه على أنها معقل لسياسات المحافظين، أبوابها للترفيه والاستثمار، وهمّشت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونفّذت حملات لمكافحة الفساد.
وتلطّخت عملية التجديد بجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول عام 2018، والحملة القمعية ضد المعارضة التي شهدت وضع العديد من المنتقدين السلميين وراء القضبان.
ولكن الوجه الجديد للعاصمة جذب مع ذلك مستثمرين كثر يأملون في الاستفادة من مشاريع بمليارات الدولارات مثل مدينة نيوم المستقبلية الضخمة المخطط لها على ساحل البحر الأحمر.
ومن بين هؤلاء رائدة الأعمال السعودية هيا أخضر وزوجها الفرنسي اوغو بوديز اللذان أنشآ شركة استشارية متخصّصة في العلامات التجارية الفاخرة في دبي عام 2017.
وبالنسبة للزوجين الشابين، فقد حان الوقت للتوجه نحو الرياض وفتح مكتب هناك، إنما من دون أن يتخلّيا عن مقر شركتهما في دبي.
وقال بوديز لفرانس برس "لقد شاهدنا نمو السوق وتحول اهتمام العديد من العلامات التجارية إلى السعودية، وتحديدا الرياض"، مضيفا "نحتاج لأن نكون قريبين من عملائنا في كلا السوقين المهمين".
ويقول المسؤولون السعوديون إن المملكة تستضيف أقل من 5 بالمئة من المقرات الرئيسية للشركات الكبرى في المنطقة رغم أنها تمثّل "حصة الأسد" من الأعمال والعقود إقليميا.
وبعدما وصلت رياح المنافسة للإمارات، استجابت الدولة النفطية بسرعة للتحدي الجديد.
فرفعت البلاد التي يسكنها مليون إماراتي وتسعة ملايين أجنبي الحظر المفروض على إقامة غير المتزوجين معا، وخففت القيود المفروضة على الكحول، وعرضت تأشيرات طويلة الأجل ومنح الجنسية لأفراد معينين، ووقّعت اتفاق تطبيع علاقات مع إسرائيل ليجتمع معا أكثر اقتصادات المنطقة تنوّعا.
قال الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة "ستراتفور" الاستشارية ريان بوهل إن على الإمارات أن "تسرّع بعض الإصلاحات التي لا تزال غير ممكنة في السعودية" حتى تظل قادرة على منافسة المملكة التي يسكنها 34 مليون شخص اكثر من نصفهم من الشباب.
ولا تزال المدن السعودية تفتقر إلى البنية التحتية الملائمة في قطاعات رئيسية مثل النقل والمصارف، بينما تعاني بعض الوزارات من بيروقراطية متجذّرة.
وبحسب بوهل، فإنّ الرياض بعيدة جدا عن "دبي وحتى أبوظبي من حيث الليبرالية الاجتماعية والإسكان والتعليم وأماكن الترفيه".
وتابع أن "الحقيقة الصعبة الأخرى هي أن في السعودية 19 مليون مواطن محافظ إلى حد كبير سيكونون أقل قابلية للتفاعل مع العادات الاجتماعية الغربية لسنوات قادمة مقارنة بالإمارات".
وهذه ليست التحديات الوحيدة. فبينما يُنظر إلى دبي على أنها واحدة من أكثر المدن أمانا في المنطقة، تواجه الرياض تهديدا من متمردي اليمن حيث تقود تحالفا عسكريا منذ 2015، والجماعات المتطرفة على حد سواء.
ومن المتوقع أن تتعرض جهودها لتحسين صورتها لضغوط من قبل الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة بعدما لوّح الرئيس جو بايدن بجعل المملكة "منبوذة" على خلفية جريمة مقتل خاشقجي وسجلّها الحقوقي وحرب اليمن.
وكتب استاذ العلوم السياسية الاماراتي عبد الله عبد الخالق في تغريدة الأربعاء "الشركات والمصارف العابرة للقارات التي تتخذ دبي مقرا منذ 30 سنة (...) اختارت دبي دون غيرها بسبب نوعية الحياة والميزات التنافسية وبيئة تشريعية واجتماعية وبنية تحتية فريدة".
وأضاف" لن تتركها، رغم ذلك مليون أهلا بالمنافسة".