الشاب الفلسطيني السوري المقيم في ألمانيا نورس رحال
الشاب العربي نورس رحال يمنح العالم لقاح كورونا والعالم لم يمنحه جنسية
ساهم الشاب الفلسطيني السوري المقيم في ألمانيا نورس رحال في تطوير اللقاح الذي أعلنت عنه شركة "فايزر" الأمريكية.
انتقل نورس رحال (27 سنة) إلى ألمانيا قبل سنتين من العاصمة السورية دمشق التي دمرتها الحرب، وبقي عديم الجنسية حتى بعد نجاحه الدراسي وتقدمه العلمي، أي أنه لا توجد دولة تعترف به كمواطن.
وقال رحال "عندما تكون عديم الجنسية، يصبح السؤال البسيط "من أين أنت؟" صعبا. ولا يواجه معظم الناس مشكلة في تحديد المكان الذي ينتمون إليه، لكنني لا أعرف ماذا أجيب. أود أن يكون لدي مكان أسميه وطني".
وأنهى رحال العمل مع فريق في أحد معاهد "ماكس بلانك" لتطوير نظام يسمح بحقن لقاح كوفيد – 19 في الجلد، بدلا من حقنه في العضلات.
وأضاف رحال "إن هذه التقنية تستهدف الخلايا المناعية المتخصصة في الجلد التي يمكن أن تؤدي إلى رد فعل مناعي في الجسم. وهي تتطلب جرعة أصغر لكل شخص، وهذه ميزة كبيرة عند تلقيح أعداد كبيرة من السكان".
وقبل وصوله إلى ألمانيا، أمضى رحال سنوات في الدراسة على صوت القصف ونيران المدفعية، مستخدما ضوء هاتفه للقراءة عند انقطاع التيار الكهربائي عن منزله في دمشق.
وحقق رحال إنجازات أكاديمية تعتبر مبهرة لسبب آخر، إذ غالبا ما يعاني عديمو الجنسية من أجل الوصول إلى التعليم. وكان جَدُّ رحال من بين عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين فروا من مدينة حيفا الواقعة على البحر المتوسط خلال الصراع الفلسطيني مع الاحتلال عام 1948.
ويوجد اليوم نصف مليون فلسطيني في سوريا، لكن، لا يُسمح لهم بالحصول على الجنسية السورية، رغم أن معظمهم ولدوا في البلاد، وحتى أولئك الذين تكون أمهاتهم سوريات كما والدة رحال.
وتحظر القوانين في العديد من الدول العربية على المرأة نقل جنسيتها إلى أطفالها، لذلك، وُلد رحال وشقيقاه وأخته بلا جنسية مثل والدهم.
وهناك ما يقدر بنحو 10 ملايين شخص من عديمي الجنسية في العالم مع وجود عدد كبير منهم في ميانمار وساحل العاج وتايلاند وجمهورية الدومينيكان. وغالبا ما يعيشون على هامش المجتمعات محرومين من حقوقهم الأساسية.
ورغم أن الفلسطينيين عديمي الجنسية لا يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون السوريون، لكن يمكنهم الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والوظائف.
ودرس رحال، الذي قضى معظم طفولته في داريا التي تعرضت للقصف في دمشق، في مدرسة تديرها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). وأكد العالم الشاب أنه كان محظوظا لأنه ولد في عائلة تقدر التعليم، فوالده سوري المولد مهندس زراعي وأمه خبيرة اقتصادية.
لكن رحال رأى كيف أعاق انعدام الجنسية مسيرة والده ومنعه من السعي وراء الفرص في الخارج، كما شهد تمييزا اجتماعيا آخر بعد لقاء فتاة في الجامعة كان ينوي الزواج بها، إلا أن عائلتها أنهت العلاقة التي جمعتهما. وتابع رحال “قالوا لي إنني غير مرحب بي، لأنني لاجئ عديم الجنسية، كان لهذا الحادث تأثير كبير عليّ، كان تمييزا حزّ في نفسي”.
ودرس رحال وتخرج في كليّة الصيدلة في جامعة دمشق، ثم غادر إلى ألمانيا في العام 2018، وقال عن عائلته “كان الأمر كما لو كنت أودّعهم للمرة الأخيرة، لأنني لا أعرف متى سأراهم مرة أخرى. وعندما رأيت أفراد عائلتي يبكون، صممت على تحقيق نجاح يجعلهم فخورين".
وأضاف أن الحرب تركت له ندوبا جسدية ونفسية عميقة، لكنه يفضل عدم الحديث عن تجاربه. ولم يهرب من سوريا كلاجئ، لكنه تقدم للدراسة في ألمانيا بعد تخرجه في جامعة دمشق. وفي ألمانيا، تقدّم بطلب للحصول على مقعد لدراسة علوم النانو، وتمّكن من الحصول على شهادة ماجستير بأعلى درجة من جامعة “كاسل” ما أهّله للترّشح لجائزة أفضل طالب دولي.
وعمل في أبحاث عن أدوية السرطان وساعد في مشروع لسرد القصص بلغتين للأطفال اللاجئين، ويسعى دائما إلى تحقيق النجاحات، وهو يعمل الآن على الحصول على درجة الدكتوراه في تكنولوجيا اللقاحات في جامعة فيبنا.
10 ملايين شخص من عديمي الجنسية في العالم يعيشون محرومين من حقوقهم الأساسية
ومع ذلك، لا يزال انعدام الجنسية يلقي بظلاله على حياة رحال، حيث أشار إلى أن الخدمات البسيطة مثل تفعيل رقم هاتفه تصبح مشكلة كبيرة دون جنسية. وغيرت السلطات الألمانية وضعه ثلاث مرات، فقد صنفته عديم الجنسية، ثم سوريّا، وأصبح الآن غير محدد. وأضاف "عندما تنظر إلى بطاقة هويتك وترى أنك شخص غير محدد، فهذا مؤلم حقا".
وتثير وثائقه الشكوك بين المسؤولين وتحيّر المطّلعين عليها، حيث أكّد "إذا قلت إنني عديم الجنسية، فإنني أشعر بالقلق إذا اعتقد الآخرون أنني ارتكبت جرما كبيرا إلى درجة سَلب جنسيتي".
وقال الأستاذ كريستوف راديماخر، الذي اختار رحال للانضمام إلى مشروع لقاح كوفيد – 19، إنه اندهش عندما علم بالعقبات التي يتعين على رحال التغلب عليها. واجتاز لقاحهم الاختبارات الأولية ويخضع إلى مزيد من التجارب مع فريق آخر.
ويأمل رحال أن تشجع قصته الشباب الآخرين عديمي الجنسية على أن يحلموا أكثر، وأن تحفز المزيد من الدول على دعم حملة الأمم المتحدة لإنهاء انعدام الجنسية التي يُطلق عليها "# أنا_أنتمي".
ويقول خبراء الأمم المتحدة إن الفشل العالمي في دمج الأشخاص عديمي الجنسية هو إهدار هائل للإمكانات البشرية. وختم رحال "أنا محظوظ، فقد أتيحت لي فرصة الحصول على التعليم. أنا متأكد من أنه إذا أتيحت هذه الفرص للأطفال الآخرين، فسنسمع الكثير من قصص النجاح".