ارشيفية
مرشّح أنقرة يحقّق فوزاً مفاجئاً بالانتخابات "الرئاسيّة" في شمال قبرص
فاز المرشّح القومي المدعوم من تركيا أرسين تتار بمنصب "الرّئاسة" في جمهوريّة شمال قبرص التركيّة المعلنة أحاديّاً، مخالفاً بذلك التوقّعات ومانحاً أنقرة موقعاً متقدّماً بظلّ توتّر إقليمي حادّ على خلفيّة مشاريعها في شرق المتوسّط.
وحاز تتار 51,69% من الأصوات، متقدّماً على مصطفى أكينجي ذي العلاقة الباردة مع الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان، في حدث يُنبئ بتغيّر جذري للعلاقات مع الشطر الجنوبيّ لجزيرة قبرص. وغالباً ما كان أكينجي يُندّد بالتدخّل التركي في الانتخابات.
ولم يُساهم الدّعم الذي حظي به أكينجي من المرشّح الذي حَلّ ثالثاً في الجولة الأولى في 11 تشرين الأوّل/أكتوبر في حسم النتيجة لمصلحته. ولا يُستبعَد أن يطلب فريقه إعادة فرز الأصوات.
واحتفل مناصرو تتار الذين تجمّعوا في مقرّ حزبه، بالفوز وسط الأغاني الحزبيّة ورفع أعلام تركيا.
وقال المرشّح الفائز أمام أنصاره "أشكر الشعب القبرصي التركي الذي انتخبني هذا المساء عبر ديموقراطيّته"، موجّهاً الشّكر أيضاً إلى إردوغان ومندّداً بـ"مَن استخدموا تركيا حجّةً انتخابيّة".
ودعا إلى توحيد صفوف القبارصة الأتراك الذين "يستحقّون سيادتهم".
وهنّأ أكينجي خصمه، غير أنّه قال "تعلمون ما حصل خلال هذه الانتخابات"، في إشارة منه إلى تدخّل تركي.
وسارعت أنقرة إلى الترحيب بفوز مرشّحها. وكتب وزير خارجيّتها مولود تشاوش أوغلو على تويتر "نهنّئ الفائز في الانتخابات الرئاسيّة أرسين تتار. سنعمل معاً لضمان ازدهار وتنمية وأمن القبارصة الأتراك. سندافع معاً عن الحقوق والمصالح المشروعة لشمال قبرص في شرق المتوسّط".
وكتب إردوغان بدوره "أهنّئ أرسين تتار الذي انتُخب رئيساً (...) تركيا ستواصل تأمين كل أشكال الدعم لحماية حقوق الشعب القبرصي التركي".
وتحدّث تتار هاتفيّاً مع الرئيس التركي عقب فوزه، وفق ما أعلنت الرئاسة.
وعبّر إردوغان عن قناعته بأنّه سيُواصل مع تتار "تعاونهما المتناغم بالتصميم نفسه (...) بدءاً بالأنشطة المتّصلة بالمحروقات في شرق المتوسّط والتنمية في شمال قبرص".
وأكّد الرئيس التركي أنّ "تركيا وشمال قبرص ستواصلان جهودهما لحلّ المسألة القبرصيّة".
وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 67,30%، بزيادة ثلاث نقاط عن انتخابات 2015 رغم الأزمة الوبائيّة. وكان نحو 199 ألف ناخب دعيوا إلى التصويت من أصل أكثر من 300 ألف نسمة في شمال قبرص.
وجرت الانتخابات وسط توتّر شديد بسبب ملفّ التنقيب عن موارد الطاقة في شرق المتوسّط خصوصاً بين أنقرة وأثينا الحليفة الرئيسيّة لجمهوريّة قبرص المعترف بها دوليّاً والتي تُمارس سلطتها على ثلثي الجزيرة المنقسمة.
فبعد عمليّات تنقيب أجرتها تركيا قبالة سواحل شمال قبرص، أُثير مجدّداً الخلاف هذا الأسبوع بعد إرسال سفينة تنقيب تركيّة إلى المياه التي تطالب اليونان بالسّيادة عليها. وندّد قادة الاتّحاد الأوروبّي بـ"استفزازات" تركيا التي تَخضع لتهديداتٍ بفرض عقوبات أوروبّية عليها.
وأكينجي اشتراكيّ ديموقراطيّ مستقلّ يبلغ 72 عاماً ويؤيّد توحيد الجزيرة بصيغة دولة اتّحاديّة وتخفيف روابط الشمال مع أنقرة. أمّا تتار (60 عاما) القومي فيؤيّد حلاً بدولتين.
- "كرامة" -
وبعد الإدلاء بصوتَيهما، قال أكينجي إنّه يأمل في أن يستذكر القبارصة الأتراك هذه الانتخابات "كاحتفال بإرادة الشعب"، بينما أشار خصمه إلى أهمّية إقامة علاقات جيّدة مع تركيا.
وأكّد سعيد كينان لدى خروجه من مركز اقتراع في شمال نيقوسيا أنّ "الحلّ الوحيد والجيّد هو حلّ الدولة الاتّحاديّة". وأشاد طبيب القلب البالغ 76 عاماً بالوضع الجغرافي "الاستراتيجي" للجزيرة. وأوضح أن قبرص يمكن أن تسيّر أمورها وحدها بفضل مواردها النفطية التي تستقطب دولاً كثيرة "حول القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين".
وتَعتبر أنقرة "جمهورية شمال قبرص التركية" حجر زاوية في استراتيجيتها للدفاع عن مصالحها في شرق المتوسط، وقد راقبت الانتخابات مِن كثب وكثّفت مناوراتها لدعم تتار.
وتسبّب حفل تدشين قناة لنقل المياه تربط شمال قبرص بتركيا ،إضافةً إلى فتح شاطئ مدينة فاروشا الشهيرة التي أمست مدينة مقفرة منذ انقسام الجزيرة وتطويقها من جانب الجيش التركي، بتوجيه اتّهاماتٍ لتركيا بالتدخّل في الانتخابات، وكذلك إثارة غضب عدد كبير من القبارصة الأتراك على رأسهم أكينجي.
وتقول المحلّلة في جامعة شرق المتوسط في شمال قبرص أوزموت بوزكورت إنّ "القبارصة الأتراك ليسوا سعداء باعتبارهم تابعين لطرفٍ آخر أو بكونهم يُلامون على الدوام أو يُحتقَرون".
وترى الباحثة أنّ التدخّل المفترض من جانب أنقرة حوّل الانتخابات إلى استفتاء على "الكرامة" بالنسبة إلى كثير من القبارصة الأتراك.
لكنّ انتهاج خطّ مستقلّ حيال أنقرة ليس سهلاً في "جمهوريّة شمال قبرص التركيّة"، إذ إنّ أنقرة تحكم السيطرة عليها اقتصاديّاً منذ إنشائها عام 1983.
وجاءت الأزمة الاقتصاديّة الناجمة عن تفشّي وباء كوفيد-19، لتُفاقم الوضع. وموّلت أنقرة بناء مستشفى يضمّ مئة سرير في شمال قبرص لمواجهة الوباء.
وحصلت قبرص على استقلالها عن المملكة المتّحدة في 1960. غير أنّ القوّات التركيّة غزتها عام 1974 ردًا على محاولة انقلابيّة لربطها باليونان.
وأحيا أكينجي لدى وصوله إلى الحكم عام 2015، الآمال بالتوصّل إلى اتّفاق سلام، لكنّ المحادثات الرسمية الأخيرة باءت بالفشل عام 2017.
وتجمّع القبارصة اليونانيون السبت قرب المنطقة العازلة للمطالبة بإعادة أراضي الشمال، مؤكّدين أنّ قبرص "يونانيّة".
وقال حزب "أكيل" الشيوعي والموجود في جنوب الجزيرة، إنّ انتخاب تتار "تطوّر سلبي"، داعياً القبارصة اليونانيين إلى مواصلة التزام استئناف المفاوضات. من جهته، اعتبر الحزب الاشتراكي أنّ نتائج الانتخابات في شمال الجزيرة "تُثبت دور أنقرة الحاسم في قرارات الإقليم المحتلّ".