فيصل الفايز يكتب: كيف نحمي الأردن؟
بقلم: فيصل عاكف الفايز*
في هذه الأيام، وبالرغم مما يتمتع به وطننا من عافية، أصبح الأردنيون أكثر قلقًا عليه، جراء ما يجري حولنا، وأصبح المواطن يتخوف من طرح مشاريع تصفية وتسوية، لهذه الأمة وقضاياها العادلة، في ظل حالة الانكسار والوهن التي أصابتها. ولم يعد أحد يعرف متى النهاية لهذه الدوامة المخيفة، التى تعصف بأمتنا.
وترافق مع حالة القلق والخوف المشروعة هذه، قيام الشارع بطرح العديد والكثير من الأسئلة، والتساؤلات، حول ما يجري في محيطنا. وهل لكل ما يجري أثر على الأردن؟ بعض هذه التساؤلات مشروع، وبعضها هدفه التخويف، وآخر مبالغ فيه، لكن الهاجس لدى الجميع كان الخوف على الوطن، وهويته وأمنه واستقراره، وحمايته من أي حلول للقضية الفلسطينية على حسابه.
في ظل هذه الظروف الصعبة، ووجود هذه التخوفات على مستقبل الوطن، ماذا علينا أن نفعل، من أجل المحافظة على الوطن؟ هذا سؤال حاسم، يجب علينا جميعاً ان نسأله لأنفسنا، إذ ليس من المقبول والمعقول، في ظل هذا الحاضر المخيف، أن نطرح الاسئلة، لمجرد إثارة الزوابع، وبث التخوفات فقط. إن المطلوب منا الآن، مهما كانت توجهاتنا وتطلعاتنا ومشاربنا، ومهما كان انتماؤنا السياسي والحزبي والعقائدي والعشائري، أن نسعى في هذه المرحلة الدقيقة، إلى حالة وطنية جامعة، نتوحد فيها خلف قيادتنا الهاشمية، وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني، كما كنا على الدوام، لتقوية عزيمته، وشد أزره، في مواجهة الأخطار، التي تُحدق بوطننا وأمتنا. فلم تعد حالة الانكفاء، التي يعيشها البعض، مقبولة، ولم يعد مقبولاً أن تبقى قناعاتنا ورؤيتنا للأشياء، قائمة على الشك وانعدام الثقة والتخوين. ولم يعد مقبولاً استمرار تلك المناكفات والتجاذبات، التي نطالعها ونسمعها ونشاهدها يومياً، حيال ما يجري في المنطقة، وما يتسرب من مشاريع وطروحات، يحملها البعض لإيجاد حلول للقضية الفلسطينية. فهل لغة التشكيك والاتهام، وإثارة الفتنة، واللعب على إثارة النعرات الإقليمية والطائفية والجهوية، والبحث عن الشعبوية والانتهازية السياسية، من قبل البعض، يخدم الوطن ويحفظ أمنه واستقراره، ويمكننا من مواجهة التحديات؟!
إن ردات الفعل، وما يقوم به نفر قليل هذه الأيام، داخل ساحتنا الوطنية، حيال ما يجري ويدور حولنا، أمر يدعو للدهشة، ويثير الاستغراب، باعتباره على الأقل، يأتي في وقت نحن أحوج فيه جميعاً إلى لغة جامعة، تغلّب المصلحة الوطنية العليا، وتؤمن بقبول الآخر، وتنبذ لغة التخوين والتشكيك، وتكرّس القيم النبيلة الجامعة، فجميعنا يرفض العودة إلى لغة التكفير، التي عانى مجتمعنا كثيرا منها فيما مضى، حيث كانت شعاراً لدى البعض، في تلك المرحلة، وفي الحقيقة كان هدفها المخفي، النيل من الوطن، والإساءة إليه، وتنفيذ أجندات الغير.
من جانب آخر، فإن من حق الجميع إثارة التساؤلات المشروعة، والحصول على إجابات واضحة وشفافة، حيال كل ما يجري حولنا. وهنا تقع المسؤولية، أولاً، على المؤسسة الرسمية، للإجابة والتوضيح، وعلى المثقفين والسياسيين والإعلاميين، لتعظيم القواسم المشتركة فيما بيننا، بلغة بعيدة عن الغلو والمماحكة، ليدرك الجميع حقيقة ما يجري في المنطقة، وأثره على الأردن، وهويته، وبما يعزز، في نفس الوقت، قناعات المواطنين، من أنهم يقفون على أرضية صلبة، عنوانها الإيمان بالمستقبل، وأن هذا الحمى العربي الهاشمي، سيبقى عصياً على الأعداء والمتربصين به، وسيبقى أردناً هاشمياً عروبياً قومياً، وملاذاً لأحرار العرب والمستضعفين.
لم يعد مقبولاً تحت أي ظرف من الظروف، أو مبرر من المبررات، ان تنتقل معارك الآخرين إلى وطننا، فكلنا يرفض القتل والتدمير، الذي يجري في سورية، ونؤمن بضرورة استقرار العراق وعودة الأمن له. وجميعنا يرفض الإرهاب مهما كان مصدره. وكلنا يؤكد على حق شعوبنا العربية، بحياة كريمة مستقرة آمنة، ونرفض أن يكون الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين، والفلسطينيون يؤمنون إيماناً قاطعاً بحقهم بالعودة إلى فلسطين، وإقامة دولتهم المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني، وعاصمتها القدس الشريف.
إذاً، أليس الأحرى بنا والأجدى لنا، نحن الأردنيين، أن نتوحد لمواجهة أي تخوفات، جراء ما يثيره البعض من وجود مشاريع تصفية للقضية الفلسطينية على حساب الأردن وهويته الوطنية؟ بدلاً من إستمرارنا في المناكفات والتجاذبات؟ ولنفوت، في نفس الوقت، الفرصة على المتربصين بالوطن، من تحقيق مآربهم، في العمل على إضعافه، وبث الفرقة والنزاع بين أبنائه.
أرى وجوب وجود طاولة مستديرة، يجلس الجميع حولها، لبحث مختلف تخوفاتنا وهمومنا، والتحديات التي تواجهنا، بروح من المسؤولية والهمة العالية. نؤكد، من خلالها مرة اخرى، على ثوابتنا الوطنية، المتمثلة بالتفافنا جميعاً خلف جلالة الملك عبدالله الثاني، وأن الأردن ليس وطنا بديلاً للفلسطينين، وانه غير قابل للقسمة، وهويته الوطنية هوية راسخة متجذرة منذ فجر التاريخ. وإن أمن الأردن واستقراره خط أحمر، لن يُسمح لأحد المس أو العبث فيه، ولا حتى التدخل في شؤونه، ونؤكد، من خلالها ايضاً، على أنه يجب ألا يكون النقاش العام، حول مختلف القضايا السياسية وغيرها، المطروحة على الساحة الوطنية والإقليمية، مدخلاً لتصفية الحسابات، والعبث بأمن الوطن واستقراره، وإثارة الفتنة والنزاعات. إن هيبة الدولة قيمة سامية، وعليا، ممنوع الاعتداء والتطاول عليها. ومطلوب أن يتم وضع خطط واستراتيجيات تعزز مسيرة الإصلاح، وتحدد أولوياتنا للمرحلة المقبلة، وتمكننا من مواجهة التحديات، بفعل ما يجري حولنا، وفق آليات ومنهجيات واضحة، قابلة للتنفيذ، ويتفق الجميع عليها.
ولنؤكد أيضاً، ومرة أخرى، على أن قيام الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية، مطلب لكافة الأردنيين، قيادة وحكومة وشعباً، وهو حق راسخ غير قابل للتفاوض.
وأن عودة كافة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وتعويضهم، هو حق أصيل، لا يمكن التنازل عنه، ولا المساومة عليه. وهذه الحقوق كفلتها قرارات الشرعية الدولية والأمم المتحدة.
وأقول، بكل ثقة وقناعة، أنني أكثر ثقة بالمستقبل، وغير متخوف على الهوية الوطنية الأردنية، ذلك لأن العرش الهاشمي هو عنوان التوازن في مجتمعنا، وهو الحامي والراعي والداعم والجامع لهويتنا الوطنية، فقد كان عرشنا الهاشمي، على الدوام، عنوانا لعزتنا وكرامتنا، وعزة وكرامة أمتنا العربية، وهذا الأمر يعرفه القاصي والداني، فجلالة الملك ومنذ توليه سلطاته الدستورية، قد أعلن وصرح عشرات المرات، وبأكثر من مناسبة، أن الأردن لن يكون وطنا بديلاً للفلسطينيين، ولا لأي جهة كانت، وأن الأردن، بقيادته الهاشمية وبجيشه ومؤسساته وشعبه، قادر على الدفاع عن وحدته، وأرضه وهويته. كما أننا لم نلحظ في التاريخ، أن قامت أي دولة وفرطت بهويتها، وتخلت عن حقوقها ومصالحها.
إضافة إلى أننا جميعاً، متفقون، على أن وطننا هو لنا جميعاً، لن نقبل التفريط به، أو ببديل عنه. وقد قدمنا الدماء والشهداء، والكثير الكثير من أجله، ومن أجل صون كرامته وعزته ورفعته، عبر العقود الماضية. والأردنيون كانوا، عبر التاريخ، وعلى الدوام، قادرين على الصمود، والمواجهة، وسيستمرون بإذن الله تعالى في ذلك، دفاعا عن كبريائهم وعزة وطنهم.
حفظ الله الأردن، وقيادتنا الهاشمية، وشعبنا الأصيل.
*رئيس الوزراء الأسبق