الاحتجاجات في العراق
الاحتجاجات في العراق تدخل أسبوعها الثالث دون حل في الافق
احتشد آلاف المتظاهرين في العراق في الجمعة الثالثة على التوالي من الحراك الاحتجاجي ضد الطبقة السياسية، مؤكدين ثباتهم في تحركهم الذي بدأ يطال البنية التحتية الحيوية للبلاد في ظل عدم وجود بوادر حل في الافق.
وشهدت الاحتجاجات التي انطلقت في الأول من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أعمال عنف دامية أسفرت عن مقتل نحو 300 شخص، غالبيتهم من المتظاهرين المطالبين بـ"إسقاط النظام".
وقال وجيه عشائري جاء من الناصرية (نحو 300 كلم جنوب بغداد) للتظاهر في ساحة التحرير في بغداد، إنّ "منصب (عادل) عبد المهدي (رئيس الوزراء) يعني له أكثر من دماء العراقيين".
وشهدت نهاية النهار صدامات بين القوات الأمنية والمتظاهرين، غداة مقتل ستة أشخاص.
وأطلق عناصر من الجيش العراقي غازا مسيلا للدموع على مجموعات من المتظاهرين في شارع الرشيد الشهير في بغداد.
وكان عبد المهدي، المستقل الذي لا يحظى بقاعدة شعبية، فكر أن يستقيل تحت ضغط الشارع، وفق ما يؤكد مسؤولون، قبل أن ينقلب موقفه رأساً على عقب.
ومذاك، كثف عبد المهدي من بياناته واجتماعاته التي تنقل عبر التلفزيون للقول إن الوقت حان لـ"العودة إلى الحياة الطبيعية" وتنشيط الاقتصاد، خصوصاً في جنوب البلاد الذي شلته حركة العصيان المدني.
- قنابل غاز قاتلة -
وفي محافظة البصرة الغنية بالنفط والمنفذ البحري الوحيد للبلاد، والتي تعاني من نقص كبير في الخدمات والبنية التحتية، كانت أعمال العنف دامية.
وتجددت المواجهات في المدينة، ما أجبر السلطات على إعادة إغلاق ميناء أم قصر الحيوي لاستيراد المواد الغذائية والأدوية، بعد ساعات قليلة من افتتاحه.
من جهة أخرى، لا يزال وصول الموظفين إلى الدوائر الرسمية والمنشآت النفطية متعذراً بسبب الإضرابات العامة، فيما لا يزال نحو 100 ألف برميل نفطي مخصصة للتصدير عالقة في شمال البلاد لعدم تمكن الشاحنات من الوصول جنوباً.
ورغم أعمال العنف، يؤكد متظاهرون مواصلة احتجاجاتهم في الساحات، وخصوصاً التحرير، حتى تغيير النظام السياسي الذي تأسس بعد سقوط نظام صدام حسين، وتجديد الطبقة السياسية التي تحتكر الحكم منذ 16 عاماً.
وقال متظاهر في بغداد "لازم ندخل المنطقة الخضراء ونسقطها"، في إشارة إلى المنطقة التي تضم عددا كبيرا من مؤسسات الدولة.
وأضاف "ثم نعلن ثورة شعبية منها، ضد كل الذين سرقوا منا (...) عادل عبد المهدي وقيس الخزعلي وهادي العامري"، في إشارة إلى رئيس الوزراء وشخصيتين من قوات الحشد الشعبي والساحة السياسية.
وقال مصدر من "الحشد" لفرانس برس الجمعة إنّ هذه القوات نشرت تعزيزات بالمئات لحماية المنطقة الخضراء إزاء أي محاولة لاقتحامها من قبل المتظاهرين.
وتواصل القوات الأمنية في بغداد استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع وأحيانا الرصاص الحي بأعيرة ثقيلة، إضافة إلى القنابل الصوتية التي تهز العاصمة حتى وقت متأخر من الليل، مذكرة بأصوات انفجارات السيارات المفخخة التي حفظها البغداديون على مدى الأعوام الـ15 الماضية.
وقالت منظّمة العفو الدوليّة إن القنابل المسيلة للدّموع التي تستخدمها القوات العراقية يبلغ وزنها 10 أضعاف وزن عبوات الغاز المسيل للدموع التي تُستخدم بالعادة، وهي مصنوعة في بلغاريا وصربيا وإيران، وفق المنظمة نفسها.
- "عدم المماطلة والتسويف" -
وأعلنت الأمم المتحدة أن تلك القنابل أدت إلى مقتل 16 متظاهراً على الأقل من خلال اختراق الجماجم أو الصدور.
ويندد الحقوقيون أيضاً بعمليات الاعتقال والاختطاف وتهديد ناشطين وأطباء من قبل جهات تؤكد الحكومة حتى الآن أنها تجهل هويتها.
على الصعيد السياسي، تبدو الأمور مجمدة، خصوصاً مع إعلان عبد المهدي الثلاثاء أن الحلول المطروحة لا تفي بالغرض، خصوصاً إجراء انتخابات نيابية مبكرة.
ومسألة الانتخابات كانت مقترحاً من رئيس الجمهورية برهم صالح الذي يجري مشاورات سياسية مع كبار الزعماء في إقليم كردستان العراق.
وتركز غضب المتظاهرين الذين يطالبون ب"إسقاط النظام" خلال الأيام الماضية، على إيران صاحبة النفوذ الواسع والدور الكبير في العراق، إلى جانب الولايات المتحدة التي لم يشر إليها المحتجون خلال التظاهرات، وهي بدورها لم تبد تفاعلاً تجاه الأزمة الحالية في البلاد.
وما أجج غضب المحتجين هو الزيارات المتكررة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني للعراق، وتصريحات المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي عن وجود "مخططات من الأعداء لإثارة الفوضى وتقويض الأمن في بعض دول المنطقة".
ودعا المرجع الديني الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني الجمعة إلى عدم "المماطلة والتسويف"، والاستجابة الى "مطالب المواطنين وفق خارطة طريق يتفق عليها، تنفّذ في مدة زمنية محددة".
وفي شمال البلاد الذي لا يشهد تظاهرات، سقطت قذائف على قاعدة عسكرية عراقية، فيها جنود أميركيون، قرب الموصل، بحسب مصادر محلية لم تستطع أن تحدد الجهة التي أطلقتها.