97 عامًا على وعد بلفور : من لا يملك أعطى من لا يستحق
رؤيا - حافظ أبوصبرا- ترجع البدايات الأولى لفكرة إنشاء وطن خاص باليهود، يجمع شتاتهم ويكون حارسًا على مصالح دول (أوروبا) الاستعمارية في الشرق إلى ما قبل الحملة الفرنسية على مصر، وتجلى ذلك بوضوح في خطاب "نابليون" الذي وجهه إلى يهود الشرق؛ ليكونوا عونًا له في هذه البلاد، وقد وجدت هذه الدعوة صدى لها لدى كثير من اليهود، فقد كتب المفكر اليهودي (موشى هس) يقول: "إن فرنسا لا تتمنى أكثر من أن ترى الطريق إلى الهند والصين وقد سكنها شعب على أهبة الاستعداد لأن يتبعها حتى الموت.. فهل هناك أصلح من الشعب اليهودي لهذا الغرض؟"
الطريق إلى الوعد المشؤوم
ومع نهايات القرن التاسع عشر انتقلت فكرة الصهيونية التي تزعمها تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية - من مرحلة التنظير إلى حيّز التنفيذ، وذلك بعد المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بازل عام 1897م، وتجلى ذلك بوضوح في سعي الصهيونية الدائب للحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي يهودي على أرض فلسطين.
الطريق إلى وعد بلفور
لم يثنِ رفض السلطان العثماني الرشوة الصهيونية بعشرين مليون ليرة تركية مقابل التنازل عن فلسطين هرتزل عن المضي في العمل على تحقيق مشروعه، وبدأ اليهود ينشرون فكرتهم على نطاق واسع في أوروبا، حتى وجدت الفكرة صدى وتجاوبًا واسعًا لها في الغرب لدى عدد من الساسة والزعماء، وكان "آرثر بلفور" - وزير الخارجية البريطاني آنذاك - من أكثر المتحمسين لها، فقد كان معروفًا بتأثره بالفكر الصهيوني وتعاطفه الشديد مع الصهاينة.
ونشط الصهيونيون في التقرب من الانجليز، وما انفكوا يؤكدون لهم قدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا والحفاظ على مصالحها، وهكذا بدأ البريطانيون يضعون الخطوط الرئيسية لفكرة الوطن اليهودي، وتركزت في البداية على مفهوم إيجاد ملجأ للمضطهدين من اليهود المهاجرين، ولكن الجانب الصهيوني عارض هذا الاتجاه، واستقر الطرفان - في النهاية - على مشروع الوطن القومي، وهو ما تمخض عن مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية، وممثلي اليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية.
وعد بلفور الوقع والصدى
وبتكليف من الحلفاء أقدمت الحكومة البريطانية على تلك الخطوة الخطيرة، فأصدرت وعد بلفور، ونشرته في الصحف البريطانية صباح 8 من تشرين الثاني 1917م وكان نصه:
وزارة الخارجية 2 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1917م عزيزي اللورد روتشلد ..
يسرني جدًّا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عُرض على الوزارة وأقرّته: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهومًا بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى"، وسأكون ممتنًا إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علمًا بهذا التصريح.
المخلص آرثر بلفور
وفور إعلان هذا الوعد سارعت الدول الكبرى، وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا وأمريكا بتأييده، بينما كان له في مناطق العالم العربي وقع الصاعقة، لتختلف ردود أفعال العرب بين الدهشة والاستنكار والغضب.
وعد بلفور .. بيت العنكبوت الذي صار حِصنًا
وبالرغم من كل المكاسب التي حققها اليهود من الوعد المشؤوم فإن الكثير من السياسيين والمؤرخين يدفعون ببطلانه، وبالتالي بطلان كل ما ترتب عليه من مغالطاتٍ وأكاذيب، فلم تكن فلسطين عند صدور الوعد جزءً من الممتلكات البريطانية أو من الأراضي التي تقع تحت سلطتها الإستعمارية، لكيّ تتصرف بها كما تشاء، وإنما كانت جزءاً من الدولة العثمانية ما يجعلها وحدها في ذلك الحين صاحبة الحق في ذلك، كما أن "وعد بلفور" صدر من جانب واحد وهو بريطانيا ولم تشترك فيه الحكومة العثمانية، بالإضافة إلى أن هذا الوعد يتعارض مع البيان الرسمي الذي أعلنته بريطانيا في عام 1918م، أي بعد صدوره بعام واحد والذي نص على أن: "حكم هذه البلاد يجب أن يتم حسب مشيئة ورغبة سكانها، ولن تتحول بريطانيا عن هذه السياسة"، كما يتعارض هذا الوعد أيضًا مع مبدأ حق تقرير المصير الذي أعلنه الحلفاء في تلك الفترة، وأكدته بريطانيا ذاتها في أكثر من مناسبة.
ما المختلف في ذكر وعد بلفور هذا العام؟
تختلف الذكرى هذا العام عن سابقاتها؛ وما يحمل هذا الإختلاف هو حدوث نوع من التطور الأكثر إيجابية في الموقف البريطاني تجاه القضية الفلسطينية، والذي تمثل في قرار مجلس العموم البريطاني في الثالث عشر من الشهر الجاري، حين صوت بأغلبية ساحقة لصالح الاعتراف بدولة فلسطين، داعيا الحكومة البريطانية إلى تبني هذا الموقف رسميا، والتصويت في مجلس الأمن الدولي لصالح الاعتراف بحدود دولة فلسطين والانسحاب الإسرائيلي التام منها وفق جدول زمني محدد.