سلامة حماد وجمانه غنيمات
غنيمات تنتقد حماد في عام 2015 وتزامله في الحكومة اليوم.. مقال
بعد التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه رئيس الوزراء عمر الرزاز، وما لقيه من جدل كبير جراء إعادته سلامة حمّاد وزيرًا للداخلية مجددًا، تكشف رؤيا، عن تناقض كبير في شكل الفريق الحكومي الجديد.
ففي عام العامين 2015 و 2016، عندما كان سلامة حمّاد وزيرًا للداخلية، كانت الكاتبة جمانة غنيمات أشد المنتقدين لآلية عمله، ولآلية رؤساء الوزراء في الحكومات الأردنية باختيار المسؤولين.
وتصدرت غنيمات غداة الأحداث الإرهابية التي شهدتها مدينة الكرك، وراح ضحيتها نحو 10 شهداء، منتقدي النهج الحكومي وسياسة حمّاد تحديدًا التي تعامل خلال تلك الأزمة.
ورغم النيل الكبير من أداء وزير الداخلية سلامة حمّاد، في حينها، تبدو غنيمات اليوم وهي المتحدثة باسم حكومة عمر الرزاز ووزيرة الإعلام فيها، أمام اختبار حقيقي في التعامل مع حمّاد وقد غدا زميلًا فيها وتسلم وزارة الداخلية في التعديل الأخير الذي أجراه الرزاز.
وتاليًا نص مقالة الوزيرة جمانة غنيمات، حينما كانت كاتبة ونشرته عبر صحيفة الغد عام 2015:
لكنْ ثمة سؤال ملحّ هنا: لماذا كلما تأزم موقف، واحتاجت الدولة إلى مسؤول “جديد” ذي اسم ثقيل، عادت إلى شخصيات تخرّجت من مصنع النخب الأردني قبل عقود طويلة؟
ويرتبط بهذا حكماً سؤال آخر، ملحّ أيضاً، وهو: ماذا حل لذاك المصنع؛ ولماذا تعطلت ماكينة إنتاج النخب في الأردن، بحيث يكون المسؤول “الجديد” ليس إلا مسؤولاً عتيقاً معتقاً، ولا نقول قديماً؟
لا أدري من يملك جوابا حقيقيا شافياً عن السؤال الذي يطرحه الشباب خصوصاً، وهم الذين يشكلون 60 % من المجتمع، بشأن دورهم وحجم مشاركتهم، طالما أن البحث دائم مستمر في القوائم القديمة التي تضم أسماء نخب وشخصيات أيام زمان.
اتكاء الدولة على الجيل القديم من المسؤولين لأداء الأدوار الصعبة، هو إقرار طوعي واضح بأنها (الدولة) عجزت عن خلق كفاءات جديدة، وقيادات قادرة على إدارة أمرنا وتدبره. وآخر الأمثلة الكثيرة على ذلك، وزير الداخلية الجديد سلامة حماد، الذي أُعيد إلى الخدمة العامة وهو في عقده السابع؛ أطال الله عمره، ومتعه بالصحة والعافية.
ومن نافلة القول التأكيد على أن الحديث هنا ليس تعبيراً عن موقف من شخص الوزير حماد وأقرانه، بل يبقى ضروريا حتما الاستفادة من مسؤولي الحقب السابقة، واللجوء إليهم للاستعانة بخبراتهم في الأزمات، أو في أي موقف يحتاج فيه البلد إليهم. أما الأهم، وجوهر المسألة هنا، فيتمثل في تأمين مستقبل الأردن، عبر صيانة وتفعيل مصنع إعداد النخب المحترفة، بحيث يُخرّج لنا كفاءات أردنية قادرة على إدارة البلد وحمايته مستقبلاً ودوماً.
إذ للأسف، يبدو هذا المصنع معطلاً، وتكاد تكون مهترئة مكائنه التي يُفترض أنها تتوزع على أكثر من مستوى ومؤسسة. أما الانقلاب على هذا الواقع وإعادة بث الحياة في المصنع المهمل، ربما منذ منتصف تسعينيات العقد الماضي، فيحتاجان إلى قرار وإرادة، لأن العطب الحالي هو نتيجة عودة الدولة خطوات عن طريق الديمقراطية، وأخذها البلد باتجاه قانون “الصوت الواحد” الانتخابي، والذي لم يقيّد النخب فحسب، بل وحَدّ من إمكانية اكتشافها.
مصلحة البلد من ناحية، وطموحات الشباب الذين يشكلون غالبية الأردنيين، من ناحية أخرى، تستوجبان إعادة تفكير في ماهية المؤسسات التي صنعت رجالات الماضي الذين لا غنى عنهم. وليس المطلوب استنساخ هذه المؤسسات بالضرورة، بل وضع نموذج متطور يواكب التغيرات الكبيرة والمتواصلة التي لحقت بالبلد خلال العقود الماضية.
اليوم، صارت محاولة تشكيل حكومة في الأردن، أو إشغال موقع رفيع، مسألة شاقة مرهقة للذهن، بحكم محدودية النخب التي تخلقها المؤسسات الرسمية؛ المدنية والعسكرية. وتصبح القضية أكثر تعقيداً بإضافة مؤسسات المجتمع المدني، ومنها النقابات والأحزاب.
الاعتراف بهذه الإشكالية ضرورة، حتى نحمي مستقبل الأردن بعد عقدين من الزمان. فهذا الوطن شيّده ورعاه أبناؤه الأقوياء، ولمثلهم تحتاج حمايته وصون مسيرته؛ شخصيات ثقيلة، يُستثمر فيها اليوم لتكون قيادات المستقبل.
وضمن هؤلاء، الشباب المهمشون فكريا، الذين يصعب عليهم الانخراط بشكل حقيقي وفاعل في العمل الوطني العام، طالما أن الأطر والأوعية الفكرية المنشودة غائبة بشكل تام.
وبناء المستقبل بحاجة لأحزاب من نوع مختلف، تقودها شخصيات برؤية إصلاحية وطنية أيضاً، فتكون بذلك حقاً حاضنة للشباب ليبنوا قدراتهم وقناعاتهم، بدلا من تركهم صيدا سهلا للفكر المتطرف غير السوي.
يمكن للدولة أن تلجأ إلى نخب العقود الماضية. لكن هذا الأمر غير ممكن إلى ما لانهاية. فلا بد من التحضر للمستقبل، وليدرك شباب اليوم أنهم قادة الغد.
مصلحة الأردن تقتضي من بعض من يمسهم الكلام، التخلي عن بعض أنانيتهم، لإفساح المجال للشباب. فتمكين الشباب يتجاوز العبارات الرنانة بأنهم مركز الكون، فيما هم فعلياً على الهوامش في أغلب الأحيان.