الصورة تعبيرية
الافتاء توضح حقيقة وجود فرق بين الأجل المقضي والأجل المسمى للإنسان
قالت دائرة الإفتاء العام، إنه لا فرق بين الأجل المسمى والأجل المقضي، لأن أجل الإنسان هو الذي علمه الله تعالى وقضاه، وموته يكون بانقضاء هذا الأجل.
جاء ذلك، في إجابة للدائرة حول سؤال وردها مفاده " هل يموت الناس بانتهاء أجلهم، وهل هناك فرق بين الأجل المسمى والأجل المقضي؛ لأن هناك مقالا متداولا فيه أن الذين يموتون بسبب التقصير في الاحتياطات يموتون بانقضاء أجلهم المقضي لا بانتهاء أجلهم المسمى؟".
وكانت الإجابة مفصلة كما يلي:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
إن من العقائد المقررة في الإسلام أن الخلق والموت والحياة بيد الله تعالى، ولا يملكها أحد من الناس، فلا أحد يستطيع أن يجلب شيئا من ذلك أو يدفعه عند وقوعه، قال الله تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور} الملك/2.
وكل إنسان يموت فهو يموت لانقضاء أجله الذي علمه الله تعالى، سواء كان موته بسبب كارثة أو مرض أو قتل أو بدون سبب مباشر ملحوظ، ولذلك يقول أهل السنة والجماعة: إن الميت والمقتول كل منهما يموت بسبب انقضاء أجله، وقال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكا، يقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى، شقي أم سعيد، فما الرزق والأجل، فيكتب في بطن أمه) رواه البخاري.
وهذه العقيدة الإسلامية متفق عليها عند أهل السنة والجماعة، يقول الإمام اللقاني في [جوهرة التوحيد]: "وميت بعمره من يقتل ... وغير هذا باطل لا يقبل"، وشرحه البيجوري (ص263): "وما ذكره الناظم هو مذهب أهل الحق، فالأجل عندهم واحد لا يقبل الزيادة والنقصان، قال الله تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} الأعراف/34، وقد دلت الأحاديث على أن كل هالك يستوفي أجله من غير تقدم عليه ولا تأخر عنه".
والأجل المسمى هو الأجل المعلوم عند الله تعالى، وبانقضائه تنقضي حياة الإنسان، والأجل واحد في الحقيقة، سواء وصفناه بالمسمى أو بالمقضي، قال الله تعالى: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون} الأنعام/60، ففي هذا الآية وصف الله الأجل المسمى بالانقضاء، فهو مسمى ومقضي معا.
والأجل المسمى عند الله لا تقدمه معصية أو تقصير ولا تؤخره طاعة، قال الله تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} النحل/61، وكثير من ظلم الناس وتقصيرهم يقابله الله بالعفو، وليس بالضرورة أن يعاقبهم الله عليه، وتقصير الناس في الأخذ بالأسباب ليس سببا في موتهم، بل سبب موتهم هو انتهاء آجالهم التي لا تتأخر ولا تتقدم؛ لأن الإنسان يموت بانقضاء أجله لا بشيء آخر، سواء كان الشخص مؤمنا أو كافرا، آخذا بالأسباب أو مقصرا فيها، جاء في كتاب [الاعتقاد للبيهقي ص171]: "{إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر}، قال: الموت، وقال يحيى بن زياد الفراء: إنما أراد مسمى عندكم".
وإيماننا بعقيدة القضاء والقدر وفق مفهوم أهل السنة والجماعة لا ينافي الأخذ بالأسباب، قال الله تعالى: {إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا، فأتبع سببا} الكهف/84-85، والله سبحانه رتب عقوبة وكفارة على القتل العمد والخطأ، وهذا لأن الإنسان في الدنيا مؤاخذ بأعماله وما يتسبب به، ولا يعفى من المساءلة استنادا إلى عقيدة القضاء والقدر، فالمخطئ أو المقصر محاسب على خطئه وتقصيره في الدنيا والآخرة.
وعليه؛ فإن أجل الإنسان هو الذي علمه الله تعالى وقضاه، وموت الإنسان يكون بانقضاء هذا الأجل، وليس هناك فرق بين الأجل المسمى والأجل المقضي، وننصح المسلمين بأخذ العلم عن أهل الاختصاص، والابتعاد عن الأفكار التي تروج من مصادر غير موثوقة ولا مختصة. والله تعالى أعلم.
