المصرف المركزي اليمني
هكذا أصبح المصرف المركزي اليمني ساحة إضافية للحرب
يدقق موظفون بأعداد كبيرة في الأموال داخل مبنى متضرر يعمل منه المصرف المركزي اليمن في مدينة عدن الجنوبية، وقد تحوّل إلى جبهة في الحرب الدائرة في اليمن، مع سعيه لإنقاذ الاقتصاد.
ويسعى موظفو المصرف المركزي في المبنى الذي يحمل آثار رصاص في المدينة الساحلية، لإعادة الحياة إلى العملة التي خسرت نحو ثلثي قيمتها منذ 2015، ففاقمت معدلات البطالة وصعّبت على ملايين السكان تحصيل قوتهم اليومي.
ويتوقع المصرف أن تدخله ثلاثة مليارات دولار من دول مانحة، بينها الكويت والإمارات قريبا؛ لوضع حد للتضخم وتراجع العملة.
وفي كانون الثاني/ يناير، أعلنت السعودية إيداع ملياري دولار في المصرف المركزي، أضافت إليها في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر منحة بقيمة مئتي مليون دولار.
ويشهد اليمن، أفقر دول شبه الجزيرة العربية، حربا مدمّرة بين الحكومة والحوثيين منذ 2014، أدّت إلى أزمة إنسانية كبرى وضعت 14 مليون شخص على حافة المجاعة، لكنها دفعت أيضا العملة وقطاعات اقتصادية عديدة نحو الانهيار.
أخطر الجبهات
وأقرّ نائب محافظ البنك المركزي شكيب حبيشي الأسبوع الماضي، بأن المصرف يعاني لفرض سلطته على فروعه في المناطق الواقعة خارج سيطرة الحكومة، وبينها صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون منذ 2014.
وتدير الحكومة المعترف بها دوليا البنك المركزي اليمني من عدن، عاصمتها المؤقتة، منذ 2016، بعدما اتّهمت "المتمردين" باستخدام أموال المصرف لتمويل أنفسهم، وهو ما نفاه الحوثيون.
وأدى نقل عمليات المصرف المركزي إلى عدن إلى وجود مركزين ماليين يتعاملان مع عملة واحدة، الأول في المدينة الجنوبية، والثاني في صنعاء.
وتوصّلت أطراف النزاع الأسبوع الماضي إلى اتفاقات في السويد؛ لوقف لإطلاق النار في الحديدة، وعقد جولة جديدة من المحادثات الشهر المقبل، لكنها فشلت في التوافق حول كيفية دفع رواتب الموظفين الحكوميين في كافة المناطق.
وقال دبلوماسي شارك في المحادثات لوكالة فرانس برس إن "الحوثيين رفضوا أن يقوم المصرف المركزي في عدن بتولي عملية دفع الرواتب".
ويرى وسام قيد المدير التنفيذي في مشروع حكومي لدعم المؤسسات الصغيرة أن المصرف المركزي "أصبح أحد أخطر الجبهات في حرب اليمن"، مضيفا أن "معدلات القتلى جراء القصف والألغام والعمليات العسكرية بالآلاف (..)، لكن أعدادا أكبر من اليمنيين قضوا نتيجة الفقر (..)، بينما يجد المصرف المركزي نفسه في وسط الأزمة".
تضخم مرتفع
شهد اقتصاد اليمن انكماشا بنحو 50 بالمئة منذ التدهور في النزاع في آذار/ مارس 2015 حين تدخّلت السعودية على رأس تحالف عسكري دعما للحكومة المعترف بها دوليا، ومن المتوقع أن ينكمش مجددا بنحو 40 بالمئة هذا العام، بحسب البنك الدولي.
وأضعف انهيار العملة القدرة الشرائية لدى ملايين اليمنيين بينما يعاني القطاع الخاص من خسارات ومن إفلاس لدى العديد من شركاته التي تغلق أبوابها أو تقوم بطرد موظفين.
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، قال رئيس الوزراء معين عبد الملك أنه يطمح إلى إعادة تصدير النفط وهو ما كان يسهم في تحصيل ثلاثة أرباع إيرادات الدولة، لكن الخوف يعتري اليمنيين من وضع أموالهم في المصارف.
ويقول موظف خمسيني في مدرسة في عدن: "المصارف غالبا ما تقول: ليس لدينا أموال. عودوا غدا، او الأسبوع المقبل".
ويشكو أصحاب أعمال في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين من أنهم يعجزون عن استيراد البضائع، لأن المصرف المركزي يطلب الدفع نقدا.
في المقابل، يقول رجال أعمال إن المتمردين يمنعونهم من فتح حسابات لتحويل أموال إلى المصرف المركزي في عدن.
وقال محافظ المصرف المركزي محمد زمام هذا الشهر إن "خمسة من موظفي الفرع في صنعاء فروا إلى عدن بسبب مخاوف على أرواحهم"، مضيفا أننا "نطلب من المتمردين أن يحيدوا القطاع المصرفي (..)، فهذه هي الطريقة الوحيدة لإطعام الناس"، بحسب تعبيره.