مرحبا بك في موقع رؤيا الإخباري لتطلع على آخر الأحداث والمستجدات في الأردن والعالم

تعبيرية

1
Image 1 from gallery

ما أهمية الإنطباع الأول؟ هنا الإجابة

نشر :  
02:13 2018-12-10|

مع صرف النظر عن صحته أو عدمها، فللانطباع الأول أهميته في أي لقاء جديد. والكل يحرص على أن يترك أفضل انطباع عندما يلتقي جهة ما للمرة الأولى، اعتقاداً منه أن كل ما قد يأتي لاحقاً يتوقف على الصورة التي يظهر فيها أمام الطرف الآخر خلال الدقائق الأولى من اللقاء. ويمكن للانطباع الأول أن يصبح فعلاً عاملاً بالغ الأهمية عندما يتشكّل في لقاء حاسم، كما هو الحال خلال مقابلات التوظيف على سبيل المثال.

ولكن ما مدى دقة الانطباع الأول في التعبير عن حقيقة شخص ما؟ وهل تتناسق صحته مع الأهمية التي نعلقها عليه عند توجهنا إلى لقاء أول؟

 الوجه صورة العقل

يقول شيشرون، الأديب والخطيب الروماني إن "الوجه صورة العقل التي تعكسها العيون"، ويقول أرسطو إنه "من الممكن استنتاج شخصية الإنسان من سماته الخارجية". وبما أن البشر كائنات بصرية، إذ إن المنطقة البصرية في الجزء الخلفي من الدماغ تكوّن 30% من القشرة الدماغية لديهم، فغالباً ما يتم القفز إلى الحكم على الأشخاص وتكوين الانطباعات عنهم في الثواني الأولى التي يُنظر فيها إلى الوجوه. وهكذا تسيطر النظرة الأولى على كثير من المواقف واللقاءات، أو الانطباع الأول الذي نقوم من خلاله بالحكم على الأشخاص على أساس منتظم طوال الوقت بوعي أو من دون وعي.

في ما يتعلق بهذا الانطباع الأول، هناك قول معروف يقول إنك لا تحصل إلَّا على فرصة واحدة فقط لتكوين الانطباع الأول عنك. فمن العلاقات الشخصية إلى اجتماعات العمل نكوّن هذه الانطباعات على جانبي التبادل، وغالباً ما نُنصح بالثقة في حدسنا، لأن أفكارنا تخبرنا دوماً بشيء مهم.

ولكن من جهة أخرى، هناك قول معروف آخر ينصحنا بألَّا نحكم على الكتاب من غلافه، الأمر الذي يتماشى مع النقاشات العديدة التي تحثّنا على تجنب اتخاذ الأحكام السريعة، ويتناغم مع العشرات من برامج الموارد البشرية التي تعلِّم المحترفين عدم الحكم المسبق على الأشخاص استناداً إلى العرق أو الجنس أو السن.

من هنا نسأل هل الانطباعات الأولى تستحق الوقت والطاقة التي نضعها فيها؟ وما هي أهمية اللحظات القليلة الأولى من اللقاءات؟ وإلى أي مدى تحدِّد الأصدقاء الذين نتخذهم والمسار الوظيفي الذي نسعى إليه والأشخاص الذين نحبهم؟ أم هل هذه الانطباعات الأولى تعيقنا بشكل كبيــر، وبالتالـي يجب علينا أن نتعلَّم كيف نتجنبها؟ هناك نفس القدر من الحماسة لكلا الرأيين. لكن ماذا تقول الأبحاث عن ذلك؟

دقيقة للغاية

يستشهد مالكولم غلادويل في كتابه "طرفة عين" (Blink) بمجموعة كبيرة من الدراسات ليؤكد أن انطباعاتنا الأولى دقيقة إلى حد كبير، وتثبت صحتها أمام اختبار الزمن. وهو يؤيد نظرية يطلق عليها اسم "التشريح الرقيق" أو (thin-slicing)، التي تقول إننا غالباً ما ننجح في وضع تقييم دقيق لأي شخص نلتقيه اعتماداً على معرفته لبضع ثوانٍ فقط. وعن ذلك يقول غلادويل: "إنه جزء أساسي من معنى أن تكون إنساناً". ويضيف: "نحن نقوم بالتشريح الدقيق كلما نلتقي شخصاً جديداً أو نحاول أن نفهم شيئاً ما بسرعة أو نواجه وضعاً جديداً، لأن الاهتمام بتفاصيل الشرائح الدقيقة، وفي كثير من المواقف، وفي فترة قد لا تتعدّى الثانية أو الثانيتين، يمكنه أن يخبرنا الكثير". ويقدِّم غلادويل في كتابه أمثلة على التشريح الرقيق، مثل القادة العسكريين العظماء الذين يمتلكون النظرة الثاقبة أو قوة النظرة الأولى، ومن أبرزهم نابليون بونابارت، وهي النظرة التي تمكنهم من فهم ساحة المعركة على الفور. كما أن الطلاب غالباً ما يصيبون في التنبؤ بمن سيكون معلماً جيداً لهم بمجرد التقائه لثوانٍ قليلة.

للتأكيد على أهمية هذا الانطباع الأول جمعت تريشا بريكيت، وهي طالبة في علم النفس في جامعة ولاية إوريغون الأمريكية، مجموعة من أشرطة الفيديو التي تصوِّر مقابلات عمل لوظيفة معيَّنة، لاختبار ما إذا كان من الممكن تخمين النتيجة ببساطة من خلال ملاحظة التفاعل بين الشخص الذي يجري المقابلة والشخص الذي تمت مقابلته.

ووجدت أنه يمكن للمراقب أن يتنبأ بما إذا كان الشخص الذي أُجريت معه المقابلة سيحصل على الوظيفة من خلال مشاهدة أول 15 ثانية فقط من الشريط – من المصافحة إلى التحية إلى تعابير الوجه- وغير ذلك من الأمور الأخرى. فما يحدث في تلك اللحظات القليلة يكون كافياً لتحديد مستقبل الشخص المرشح للوظيفة. ويقول البروفيسور فرانك بيرنيري، الذي أشرف على دراسة الطالبة بريكيت إن : "الانطباعات الأولى هي الدوافع الأساسية لعلاقاتنا". وبمعنى ما، يمكن أن ينطبق عليها مبدأ نظرية الفوضى (chaos theory)، حيث يمكن أن يكون للظروف الأولية تأثير عميق على النتيجة النهائية.

الانطباع الأول قد يكون عشوائياً بشكل محبط

ومع ذلك، يؤكد الاقتصاديون السلوكيون، مثل دان أريلي، أن الانطباعات الأولى يمكن أن تكون مضلَّلة. ويتحدَّث رايلي عما يسميه بـ"الارتساء" (anchoring) وهو تحيّز معرفي متعلِّق بالتركيز على الجزء الأول من المعلومات التي نتلقاها حول شيء ما -سواء أكان شخصاً أو منتجاً أو شيئاً آخر تماماً- ثم نحكم على التفاعلات اللاحقة على أساس هذا الحكم الأول.

ويميل كل ما هو قريب من نقطة الارتساء إلى الاندماج بها، بينما يميل كل ما هو بعيد عنها إلى الابتعاد في الاتجاه الآخر.

فعلى سبيل المثال، يحدّد السعر الأولي المقدّم لسيارة مستعملة، سواء قبل أو في بداية المفاوضات، كنقطة محورية عشوائية لجميع المناقشات التالية (التي تكون بمثابة نقطة الارتساء). وهكذا تصبح الأسعار التي تناقش في المفاوضات أقل من تلك المعلنة، وربما حتى رخيصة بالنسبة للمشتري، حتى ولو كانت لا تزال أغلى من القيمة الحقيقية للسيارة.

يظهر هذا المثل، وفق أريلي، وجود ما يسمى بالتماسك الاعتباطي (arbitrary coherence) الذي يقول إنه على الرغم من أن الأسعار الأولية"اعتباطية "، ولكن بمجرد تثبيت هذه الأسعار في أذهاننا، فإنها لن تشكِّل فقط الأسعار الحالية ولكن أيضاً الأسعار المستقبلية. ويشبّه رايلي نقطة الارتساء هذه بالانطباع الأول الذي يحدث عند التقاء البشر فيما بينهم، حيث يدور حوله كل تحليل مستقبلي للشخصية التي نلتقيها.

إضافة إلى ذلك، على الرغم من أن الانطباع الأول يمكن أن يكون دقيقاً إلى حد ما، لا يزال من الممكن إساءة فهم شخص ما من مجرد اللقاء الأول. فبغض النظر عن مدى الذكاء الذي قد نتمتع به فنحن نخضع لجميع أنواع التحيزات المعرفية التي يمكن أن تشوّه حكمنا على الأشخاص. وهناك دراسة كلاسيكية أجريت في جامعة أوريغان الأمريكية عرض فيها على عدد من المشاركين فِلْم قصير عن امرأة تعود إلى المنزل بعد نهار طويل من العمل. في بعض الأحيان تمت تسمية الفِلْم بـ"جيني النادلة"، وفي أحيان أخرى سمي بـ"جيني أمينة المكتبة". كان فِلْماً قصيراً للغاية لم يحدث فيه الشيء الكثير، لكن اتضح أنه عندما طلب الباحثون من المشاهدين أن ينقلوا ما شاهدوه، تذكر معظمهم تفاصيل تتفق مع وظيفة المرأة. إذ حينما تم تقديم جيني كأمينة مكتبة، تذكر المشاركون أنها كانت ترتدي نظارة، على الرغم من أنها لم تكن كذلك في الواقع. فقد تكون فرضياتنا حول كيفية تصرف النادلة أو الطريقة التي قد تبدو بها أمينة المكتبة قوية إلى درجة أننا نوليها اهتماماً أكبر من الأدلة التي أمامنا.

لا تدع العاطفة تتحكم بالمنطق

واذا كان الانطباع الأول دقيقاً وفقاً لفريق معيَّن وعشوائياً بالنسبة لفريق آخر، فهل يمكننا الوثوق به طوال الوقت؟ قد نجد الجواب في كتاب "التفكير السريع والبطيء" (Thinking Fast and Slow) للمتخصص في علم النفس السلوكي البروفيسور دانييل كانيمان الذي يؤكد على ضرورة الأخذ بالحسبان الحدس والمنطق في الوقت عينه. إذ يتحدَّث عما يسميه بـ "المعالج الثنائي للدماغ"، حيث ينقسم الدماغ إلى نظامين يمليان علينا الطريقة التي نفكِّر فيها، وهما: "النظام 1" الذي يعمل بسرعة وتلقائية، وهو نظام عاطفي ولا يتطلب كثيراً من الجهد، في مقابل "النظام 2" الذي هو أبطأ، ويستلزم مزيداً من الجهد، ويعمل بشكل منهجي ومنطقي. ويعمل العقل وفقاً لتوازن دقيق ومعقد بين المنظومتين، في شد وجذب يشكِّلان أبرز قدراتنا وعيوبنا. ويقول كانيمان في حين أن أحكامنا الغريزية والفورية المعتمدة على النظام 1 يمكن أن تكون مفيدة، فنحن بحاجة إلى أن نتحقق من سلامة استجاباتنا العاطفية بالتفكير والعقل المرتكز على النظام 2. أي إنه بعبارة أخرى، كما يقول جوناثان هايدت، عالم النفس الاجتماعي، لا يجب أن ندع العاطفة تتغلَّب على العقل.

فعلى سبيل المثال، عندما نجري مقابلة مع شخص ما، فإذا ما تولَّد لدينا انطباع سيء عنه في الثواني الأولى، فعلينا أن نسأل أنفسنا عن سبب شعورنا بهذه الطريقة، وما إذا كان هذا الشعور مبرراً تماماً. ووفقاً لكانيمان، عندما نكون حزينين أو غير سعداء فإننا نميل إلى فقدان الاتصال مع الحدس الصائب لدينا. وفي كل الأحوال، لا يضر أبداً زيادة تفكير إضافي أو الحصول على رأي ثانٍ.

في نهاية المطاف، هناك وقت ومكان لهذه الانطباعات الأولى والأحكام المفاجئة. لكننا بحاجة إلى التعقل، إذ إن القفز إلى الاستنتاجات فعّال إذا كان هناك احتمال أن تكون الاستنتاجات صحيحة وأن تكون تكاليف الخطأ العرضي مقبولة، ولكنه أمر محفوف بالمخاطر عندما يكون الوضع غير مألوف، والرهانات عالية، ولا يوجد هناك متسع من وقت لجمع مزيد من المعلومات.