أردنيون على حافة الانتحار.. صرخة احتجاج وهرب من الواقع - فيديو

الأردن
نشر: 2018-02-02 20:08 آخر تحديث: 2018-02-02 20:55
تحرير: نور عز الدين
الصورة من الفيديو
الصورة من الفيديو

104 حالة انتحار، و388 محاولة انتحار  موثقة خلال العام الماضي، بعضهم كان يبحث عن الخلاص الأخير، وبعضهم يأس من محاولاته الفاشلة بإيجاد عمل، وآخر يبحث عن لقمة عيش، تتبعنا قصصهم في هذا التقرير لنعرف لماذا ينتحر البعض؟

أن نترك كل ما اعتدنا عليه لأن الحياة ببساطة لم تعد تحتمل يمكننا بالفعل القول أنها نهايات مترفة، هي أن تصوغ نهايتك بكل هذه العدمية وأنت تعلم أنك لا تقبل على شيء، فهذه هي نهايات الانتحار المترفة.. ورسائل مشفرة وحدهم يعلمون سرها.

مصطفى هو طفلٌ كان يبلغ من العمر ثماني سنوات أقدم على الانتحار عام 2013 بشنق نفسه داخل خزانة الملابس في غرفته بعيدا عن أعين أهله.

 ولد مصطفى بيد مقطوعة الأطراف، هذا ما شكل لديه عقدة نقص وثقة بالنفس، وزاد من تنمر الأطفال ضده عند انخراطه في المدرسة ما جعله يقدم على الانتحار، برغبة منه للخلاص من هذا الحمل الثقيل، كما وضح والده.

الأخصائية النفسية د. راوية البورنو، توضح بأن تعرضه لهذا الكم الكبير من الضغوطات دفعته ليقدم على الانتحار، لأنه لم يعد يحتمل أن يكمل حياته بهذه الطريقة، وهو يشعر بالخجل من جسده ونفسه، وهذا ما جعله حازماً على أخذ قرار الانتحار دون رجعة.

 

"أبو إيد مقطوعة"

 هكذا كان يلقبه الأطفال في مدرسته، ويقوال والد مصطفى، بأن تنمر الأطفال ضده في المدرسة زاد مشكلته سوءا، فلم يكن يحس بهذا الضغط النفسي، قبل ذهابه للمدرسة، ولكنه عندما بدأ يذهب للمدرسة اصبح يسأل والده على الدوام

 " ليش إيدي مش زي إيد كل الولاد ؟".

حالات الانتحار بين الأطفال دون سن 18 عاماً تعتبر قليلة جدا، حيث أن غالبية حالات الانتحار المسجلة هي من الفئة العمرية من عام 18 إلى 45 عاماً بحسب احصائيات الأمن العام.

فيما تؤكد الأخصائية النفسية بورنو، بأن الانتحار يقسم لأنواع فبعضه يكون بدافع الخلاص، وآخر يكون بدوافع انفعالية، وظروف مؤقتة تطرأ على حياة الفرد، فتجعله يقدم على الانتحار بسبب يأسه من تحسين حياته، أو حل مشاكله.

وما يعرف بالانتحار الانفعالي، رافق أبا راشد الزعبي أيضاً، صاحب بسطة صغيرة في جبل الحسين في عمان، رافقناه إلى بيته، وحدثنا عن محاولته للانتحار ثلاث مرات بطرق مختلفة رغم أن النتيجة كانت واحدة بأنه لم يجد مرفأه بعد.

 أبو راشد يملك بسطة صغيرة يبيع من خلالها القهوة والشاي، وهذه البسطة تشكل مصدر رزقه الوحيد، التي تعتبر أيضاً مشكلته الأساسية مع الجهات الأمنية، فهذه البسطة غير مرخصة، وهناك حملات أمنية دائمة لضبط عمل هذه البسطات وإزالتها من الطريق العام، وهذا ما زاد مشكلة أبا راشد، لأن قدرته المادية لا تمكنه من فتح محل خاص به، ويعبر بأنه يعيش حالة رعب دائمة عندما يذهب للعمل، ويفكر بأنه هل سيعود للمنزل بأجرة يومه أم ستلاحقه الشرطة ويلقى القبض عليه.


اقرأ أيضاً : خط ساخن للوقاية من الانتحار في الأردن و 104 حالات منذ بداية 2017


" إحنا صرنا كذابين لصحابين البيوت، اليوم وبكرا بدفعلك الأجار وأنا ما معي، بستحي اطلع ببناتي وولادي، كيف بدي اطعميهم وأعيشهم، إذا طلبوا مني إشي أنا مش قادر اعطيهم ياه."

 الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها أبو راشد، دفعته ليقدم على محاولة حرق نفسه وبناته أمام أعين الناس عام 2013.

محللون نفسيون وخبراء علم اجتماع، عزوا أسباب محاولات الانتحار المتزايدة خلال الأعوام الخمسة الماضية إلى العامل الاقتصادي وتأثيره على الفرد، وعلى قدرته لخلق فرص عمل تمكنه من تحقيق الاكتفاء المعيشي، وهذا ما دفع خمسة شبان قبل عامين لمحاولة رمي لأنفسهم من على عمارة " الانتحار" المعروفة بالقرب من دوار الداخلية في العاصمة عمان، قبل أن تثنيهم الأجهزة الأمنية عن الانتحار.

تعثرت بهم السبل، فوجدوا أنفسهم أمام عمارة شاهقة تحقق لهم النظر لهذه المدينة بطريقة مختلفة، ولكن هذه المرة من فوق، فيقول رائد سواغنة أحد الشباب المحاولين للانتحار " فش شغل عنا بعجلون، طلعنا ندور على شغل بعمان، ما لقينا وتعبنا على قد ما دورنا سنين، قررنا نطلع ندب حالنا من على عمارة الداخلية، اجوا الشرطة ونزلونا ووعدونا إلا يساعدونا ويلاقولنا شغل، وبس نزلنا وقعونا على تعهدات إنه ما نرجع نحاول ننتحر مرة ثانية."

  حتى أسيل" اسم مستعار" لم تجد ضالتها التي كانت تبحث عنها قبل أن تدرك أنها تعاني من مرض نفسي مزمن دفعها للانتحار.

وحتى إعداد هذا التقرير، بلغ عدد المنتحرين في الأردن 104 حالة انتحار، و388 محاولة انتحار، حيث سجلت العاصمة عمان العام الماضي، أكبر عدد من المنتحرين خلال العام الماضي ب 45 حالة، أي بنسبة 37%، وأقلها في العقبة بمعدل 3 حالات أي بنسبة 2.5%، وفقاً للاحصائيات الواردة من الأمن العام.

 الدكتور نائل العدوان، مدير المركز الوطني للصحة النفسية، أكد أنه لا توجد احصائيات دقيقة لعدد المصابين بالأمراض النفسية في الأردن، والذين اقدموا على الانتحار، موضحاً بأن بعض حالات الوفاة تسجل على أنها سقوط أو غرق وليس انتحار لغياب معرفة الدافع وتفاصيل الحادثة.

ولكن هل فكرنا يوماً كيف ننقذ أنفسنا؟

عندما يحاول شخص أن يقدم على الانتحار أو حتى تتسلل هذه الفكرة إلى مخيلته ليبدأ بالتخطيط لها كيف ننقذه قبل أن يصل إلى هذه المرحلة؟!

تكمن المشكلة في مجال الصحة النفسية في الأردن، بارتفاع التكلفة العلاجية للمرضى، والاستشارة النفسية لدى الطبيب الخاص، وفي حال لجأ الفرد لمراجعة المراكز الحكومية أو المستشفيات، فإن الأعداد الهائلة قد تحيل دون السماح له بأخذ حقه في الاستشارة العلاجية، وعدد كبير من هؤلاء المحاولين، يعبرون عن صرخة احتجاج بداخلهم تدفعهم للاقدام على هذا الفعل، التي يرجعها عدد كبير من الحالات التي قابلناها، إلى صعوبة الأوضاع الإقتصادية، وعدم قدرتهم على تأمين لقمة العيش، ما زاد الإحباط في داخلهم، في حين يخسر المنتحر راتبه التقاعدي وضمانه الاجتماعي، ما يزيد من تعقيد المشكلة فهو خسر مقدرته على الحياة وخسر مقدرة عائلته على الحياة من بعده أيضا.

الدكتور مجد الدين خمش، أكد لنا أن هؤلاء المحاولون يحتاجون لعلاج ورعاية، ومراكز اجتماعية تعيد تأهيل هؤلاء الشباب وتمكنهم من حل مشاكلهم، وليس توقيعهم على تعهدات بعدم الإقدام على هذا الفعل مرة أخرى، بل علينا أن نفهم الأسباب التي تدفعهم للانتحار، ومساعدتهم لحلها.

مؤخرا استحدثت مديرية الأمن العام، مكتب يتبع لإدارة حماية الأسرة يوفر خدمة الاتصال مجانيا للاشخاص الذين يحاولون الانتحار ، وأخذ الاستشارة النفسية والاجتماعية عبر الهاتف، ولكن هل هذه خطوة فاعلة للتقليل من عدد المنتحرين في الأردن، أم الأولة الالتفات للأسباب التي تدفع الشباب للانتحار!

هناك بعض المواقع الالكترونية توفر أيضاً مساعدات مجانية للمصابين باضطرابات نفسية من مختلف أنحاء الوطن العربي، وتوفر كذلك فيديوهات ومقالات متعلقة بحالات الصحة النفسية في المنطقة.

لذلك نحن نحتاج لمرفأ أخير يصحب هؤلاء المقدمين على انهاء حياتهم، نحو النظر للحياة بلون آخر فالأسود والأبيض يلونان الحياة بالرمادي، وللرمادي احتمالات لا تنتهى، له طعم مر بالعادة نألفه، ثم ندمنه، كالحياة تمامًا: فكلما تقدم العمر بنا غدونا أكثر تعلقا بها.

أخبار ذات صلة

newsletter