مواطنو كوريا الشمالية لا يعرفون شيئاً عن الكريسماس ويحتفلون بجدة الزعيم بدلاً منه
مواطنو كوريا الشمالية لا يعرفون شيئاً عن عيد الميلاد ويحتفلون بجدة الزعيم بدلاً منه
إذا أجريت بحثاً سريعاً على موقع جوجل عن "أعياد الميلاد في كوريا الشمالية"، فلن تظهر لك نتائج كثيرة.
من الصحف الأميركية الصفراء التي تصف كيم جونغ-أون بأنه "الوغد الذي سرق أعياد الميلاد"، إلى الكثير من سترات أعياد الميلاد غير الاعتيادية التي تحمل تورياتٍ ساخرة يمكن تخمينها عن أعياد الميلاد والأسلحة النووية، يصعب التحقُّق مع كل هذا، من شكل الموسم الاحتفالي في أكثر أنظمة العالم سرية وانعزالية.
الإجابة القصيرة هي أنه أشبه باللامناسبة. فبينما يعيش بابا نويل في مخيلة ملايين الأطفال بالغرب، فإنه ليس شخصيةً خياليةً حتى عند أطفال جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية؛ وذلك لأن حكومة كوريا الشمالية تجتهد في ألا تتسرَّب أي معلومات عن العطلات الدينية إلى ما تُسمى مملكة الناسك؛ ومن ثم التالي لا يعرف مواطنوها أن هناك أناساً في الغرب يأكلون الحلوى، ويلتهمون فطائر اللحم المفروم، وينشدون بحماسة تراتيل أعياد الميلاد، وفق صحيفة الإندبندنت البريطانية.
وذلك لأن في كوريا الشمالية، ذلك البلد الذي يُعد أحد أكثر البلدان عدائية وقمعاً تجاه الأديان المنظمة، يمكن أن تُسجَن، وتُعذَّب، أو يُحكَم عليك بالإعدام لأنك احتفلت بأعياد الميلاد فقط!
يقول كانغ جيمين، (٣١ عاماً)، الذي كبر في شوارع العاصمة بيونغ يانغ الأسمنتية الميتة، إنه لم يسمع قط بأعياد الميلاد أثناء عيشه هناك.
عائلة كيم هي ربُّهم!
ويتابع كانغ: "لا يوجد كريسماس في كوريا الشمالية. لم أكن أعرف أنه موجود، فعيد الميلاد هو يوم ميلاد يسوع المسيح وكوريا الشمالية دولة شيوعية والناس لا يعرفون من هو يسوع المسيح. لا يعرفون من هو الرب. عائلة كيم هي ربهم!".
بل والغريب أنك ستجد شجرات أعياد الميلاد المُزيَّنة بالأجراس والأضواء في بيونغ يانغ، لكنها هناك طيلة العام، وغالباً لا يعرف المواطنون شيئاً عن دلالتها الاحتفالية.
لكن ذلك لا يعني أن حكومة كوريا الشمالية كانت سعيدةً بالبرج الشبيه بشجرة أعياد الميلاد الذي بنته حكومة كوريا الجنوبية بالقرب من حدودها الشمالية.
يمكن لسكان المدن القريبة بكوريا الشمالية أن يروا البرج، الذي يبعد نحو ٣ كم عن الحدود وأضيء سابقاً في أعياد الميلاد. وكانت كوريا الشمالية قد هدَّدت بقصفه في ٢٠١٤؛ لغضبها مما سمته "حرباً نفسية".
ورغم حظر أعياد الميلاد في كوريا الشمالية، فإن الاحتفال بميلاد كيم جونغ سوك، جدة كيم جونغ-أون الراحلة، ليس محظوراً بالتأكيد؛ إذ يحتفل الناس بميلاد الرمز الثوري، ليلة أعياد الميلاد، بالحج إلى مدينةٍ في الشمال الشرقي تُدعى هويريونغ (محل ميلادها).
يتابع كانغ: "يوم ميلاد كيم جونغ-إيل وكيم جونغ-أون -الرجال- أهم، لكن يُحتفل يوم ميلاد كيم جونغ سوك. يجتمع الناس معاً ويشربون، وأحياناً يُفرِطون في الشرب".
ويقول كانغ إنه لم يعرف أي مسيحيين عندما كان يعيش في كوريا الشمالية، مضيفاً: "لم أعرف أي مسيحيين أو شخص يؤمن بالله. تتحكَّم الحكومة في كل وسائل الإعلام والإنترنت، ولا يعرف أحدٌ ممن قابلتهم من هو المسيح".
كان البلد مسيحياً جداً
لكن الأمر لم يكن هكذا دائماً؛ إذ كانت بيونغ يانغ أشبه بمرتعٍ للمسيحية قبل الحرب الكورية، التي قسَّمَت شبه الجزيرة إلى شمال شيوعي وجنوب رأسمالي، والواقع أن غالبية الوعاظ المسيحيين كانوا من شمال البلاد.
يتذكَّر كانغ قائلاً: "منذ نحو ٦٠ عاماً، كان البلد مسيحياً جداً، وكان يُسمى أورشليم الشرق".
يقول إن البلاد أصبحت متديِّنة بشكل متزايد منذ ١٩٩٦؛ بسبب ازدياد عدد الكوريين الشماليين الذين هربوا والتقوا قساوسة في الصين، ثم عادوا لاحقاً لكوريا الشمالية للتبشير بمعتقدهم.
لكن كانغ يقول إنه لم يسمع بأولئك الذين يمارسون المسيحية في السر؛ لأنه كان يعيش بعيداً عن الحدود مع الصين ليعرف ما كان يدور هناك. يقول كانغ: "أعتقد أن الناس كانوا يمارسون الطقوس، لكنني لم ألتق أي مسيحي".
لكنه سمع بالعقوبات الشديدة التي تُنفَّذ على من يجرؤون على ممارسة الدين في الدولة الملحدة.
يتابع كانغ: "لا يمكنك أن تبوح بمسيحيتك. فإن فعلت، فسيرسلونك إلى معسكر اعتقال. سمعت عن عائلة آمنت بالله واعتقلهم البوليس السري. كلهم ميتون الآن، حتى الأطفال، ١٠ أعوام و٧ أعوام".
ويضيف: "كان صديقي يعمل بالشرطة السرية وأخبرني بأنهم ألقوا القبض على عائلةٍ كانت تُبشِّر بالمسيحية. حاولوا استجوابهم ليعرفوا معلومات مثل أين عرفوا الرب وكيف حصلوا على أناجيلهم. السبب الوحيد الذي جعلهم يطعمونهم هو المعلومات، لكن العائلة لم تقل أو تأكل أي شيء، وبدلاً من ذلك ماتوا".
ومع ذلك، لا قيمة للكنائس التي تسمح بوجودها الدولة وتتحكَّم فيها؛ إذ تتبع شكلاً مختلفاً لدرجة كبيرة عمَّا نعتقده في الغرب. ويُقدِّر مركز قاعدة بيانات حقوق الإنسان بكوريا الشمالية عدد المنشآت الدينية في البلاد بـ١٢١ منشأة، من بينها ٦٤ معبداً بوذياً، و٥٢ معبداً شوندوجياً، و٥ كنائس مسيحية تتحكَّم فيها الدولة.
لم يسمع كانغ إلا بكنيسةٍ واحدة، لكنه يقول إن من المستحيل زيارتها لغالبية الناس: "لا يمكن لعامة المواطنين زيارتها معظم الوقت. فالسيطرة عليها مُحكَمةٌ وهي موجودة لزوَّار البلاد؛ لذلك إذا سأل أحدهم: (هل عندكم كنائس؟) يمكنهم أن يجيبوا: (بالتأكيد عندنا كنائس، عندنا كل شيء؛ لأننا بلد حر)، ثم يأخذونهم في جولة".
حظر دخول المواطنين إلى دور العبادة
يذكر كانغ أنه التقى رجلاً أميركياً زار الكنيسة بالفعل ولاحظ مدى زيفها: "قال الرجل إنهم كانوا ينشدون ترانيم مسيحية وكانت مثالية، وإن الأمر بدا كأن لديهم المجموعة نفسها في الكنيسة كل يوم يتدرَّبون وينشدون معاً".
يذكرنا هذا بنتائج تقرير معهد كوريا للتوحيد الوطني، المُموَّل من حكومة كوريا الجنوبية، والذي أفاد حظر دخول المواطنين إلى دور العبادة واعتقاد عامة المواطنين أن هذه الأماكن هي في الأساس "مزارات سياحية للأجانب".
تمكَّن كانغ (٣١ عاماً)، من الهرب من كوريا الشمالية عام ٢٠٠٧ عندما كان في العشرين من عمره. أُلقِيَ القبض عليه وأخته ٦ مرات قبل أن يصلا للصين، لكنهما كانا يدفعان رشىً في كل مرة؛ إذ تمكَّن، لحسن حظه، من ادخار بعض الأموال من بيع البضائع الإلكترونية بالسوق السوداء، وهي ظاهرةٌ متنامية تفشل الحكومة في إحكام السيطرة عليها.
وبعد عدد من المهمات الفاشلة، تمكَّنَ كانغ أخيراً من الوصول إلى مُهرِّبٍ دفع له ١٠ آلاف دولار ليعبر إلى الصين. وهناك وجد مُهرِّباً آخر نقله بجواز سفر مزور إلى بريطانيا حيث طلب اللجوء.
ويعيش كانغ الآن في شمال مالدن، وهي ضاحية هادئة جنوب غربي لندن، يعيش بها نحو ٧٠٠ كوري شمالي، وهم يُشكِّلون أكبر جالية كورية شمالية في أوروبا. ويعمل كانغ هناك بوكالة سفر كورية، ويحاول حالياً نشر مذكراته.
بالطبع، تغيَّرَت كوريا الشمالية منذ هروب كانغ؛ إذ يتوقع موقع NK News الأميركي، المختص بنشر أخبار وتحليلات عن كوريا الشمالية، أن بعض المواطنين أصبحوا على علم بأعياد الميلاد، رغم منعهم من الاحتفال بها.
كما يذكر كذلك أن كنائس الدولة تحتفل بأعياد الميلاد، ويتفاخر إعلام كوريا الشمالية بأن طقوس الصلاة "تُقام عبر البلاد" في يوم أعياد الميلاد. أي أن أعياد الميلاد، فيما يبدو، موجودة في كوريا الشمالية للسياح الأجانب الذين يحتفلون بها في ظروف مُحكَمَة غير متاحة لعامة المواطنين.
ووجد تقريرٌ عن الحرية الدينية في كوريا الشمالية نشرته وزارة الخارجية الأميركية عام ٢٠١٦، أن كنائس الدولة تحتوي على حافلات طوال العام.
وجاء في التقرير: "ذكر المُشرِّعون الأجانب الذين حضروا الصلوات في بيونغ يانغ في سنواتٍ سابقة، أن الحشود وصلت وغادرت الصلوات في جماعات بحافلات، والبعض لاحظ أن المصلين لم يكن بينهم أي أطفال".
وأضاف التقرير: "ذكر بعض الأجانب أنهم مُنِعوا من التواصل مع المصلين، وأوضح البعض أن التواصل بينهم كان محدوداً. لم يتمكَّن المراقبون الأجانب من التأكُّد من مدى سيطرة الحكومة على تلك المجموعات، لكنهم افترضوا عموماً أن الحكومة تراقبهم من كثب".
كذلك، أكَّدَ مايكل غليندينينغ، الذي يعمل مديراً لمؤسسة خيرية بلندن تُدعى Connect: North Korea، تعمل على ربط اللاجئين الكوريين بالعالم عبر برامج تعليمية وفنية، صحة نتائج التقرير في تحليلاته.
ي نشاط عام يعترف بأي ديانة ستحظره الدولة
ويضيف: "أي نشاط عام يعترف بأي ديانة ستحظره الدولة وتسيطر عليه".
يقول غليندينينغ إنه من المُحتَمَل أن يوجد بعض المسيحيين الذين يحتفلون بأعياد الميلاد في كوريا الشمالية، لكنهم سيُجبَرون على فعل ذلك بشكلٍ سري.
ويتابع: "من المُحتَمَل جداً أن هناك عدداً صغيراً من الكوريين الشماليين الذين يعرفون أعياد الميلاد وسيحتفلون بها خلف الأبواب المغلقة أو في تجمعات صغيرة. لكن لو كان الناس يحتفلون بأعياد الميلاد فهم بالتأكيد شرذمة، لن تكون هناك أي هدايا أو شجرات، فقط صلاة".
ويقول إن من المستحيل تحديد عدد المسيحيين الذين يعيشون بكوريا الشمالية بدقةٍ؛ لأن من الواضح أن الباحثين لن يتمكَّنوا من إجراء مقابلات مع الناس هناك بسهولة.
ويضيف: "أي صلاة أو طقس ديني يحدث داخل المنازل؛ لأنهم ممنوعون من المشاركة أو قراءة الإنجيل على الملأ؛ لذلك يحدث كل شيء بسرية".
ويُقدَر عدد مسيحيي كوريا الشمالية من ٢٠٠ ألف إلى ٤٠٠ ألف، لكن بالتأكيد يصعُب تحديد الرقم بدقة.
ووصل تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن الحرية في البلاد إلى استنتاج، مفاده أنه من الصعب تحديد عدد المسيحيين سراً هناك.
وجاء في التقرير: "بينما تُقدِّر بعض المنظمات المستقلة والأكاديميين عدد المسيحيين الذين يمارسون معتقدهم سراً ببضع مئات الآلاف، يتساءل البعض عن وجود كنيسة سرية كبيرة، أو يستنتجون أن من المستحيل تقدير عدد المؤمنين السريين بدقة".
ويضيف: "يُقال إن التجمعات السرية المستقلة صغيرة جداً وتحدث عادة في المنازل. وقد أكَّدَ بعض الفارين وجود مواد دينية محظورة، واجتماعات دينية تُعقَد سراً؛ بسبب التواصل بين الجماعات والأفراد على الحدود مع الصين".
ويتابع: "ذكرت بعض المنظمات غير الحكومية تواصل الكنائس السرية بعضها مع بعض عبر شبكات راسخة. يُذكَر أن الحكومة لم تسمح للأجانب بالتأكُّد من تلك الادعاءات".
كذلك، تقصَّى التقرير قمع المسيحيين؛ إذ ذكر أن المجموعات الدينية وجمعيات حقوق الإنسان خارج البلاد قدَّمَت العديد من التقارير التي تُوثِّق اعتقال أعضاء الكنائس السرية، وضربهم، وتعذيبهم، أو قتلهم، فقط لممارستهم معتقداتهم الدينية.
بكل بساطة، من الواضح أن الاحتفال بعيد الميلاد خارج كنائس الدولة يمكن أن يتسبَّب في عواقب وخيمة، في واحدٍ من أكثر أنظمة العالم استبداداً.