ارشيفية
وباء الكوليرا يقيد سفر اليمنيين وقد يحرمهم من الحج
حصد وباء الكوليرا أرواح ما لا يقل عن ١٧٨٤ شخصا في اليمن، خلال أقل من ٣ أشهر، فضلا عن الاشتباه في إصابة ٣٤٤ ألفاً و٧٥١ شخصاً على الأقل؛ ما تسبب في فرض مزيد من القيود على سفر اليمنيين خارج بلدهم، بل وبات يهدد بحرمانهم من أداء مناسك الحج في سبتمبر/أيلول المقبل.
الوباء، المنتشر في ٢١ من أصل ٢٢ محافظة يمنية، منذ ٢٧ أبريل/نيسان الماضي، فرض حصاراً جديداً على اليمنيين، الذين يعيشون أساسا تحت قيود سفر فرضتها دول التحالف العربي، التي تحارب مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) والرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، منذ ٢٦ مارس/آذار ٢٠١٥.
وأصدرت بعض الدول تعميمات بعدم استقبال يمنيين على أراضيها، ما لم يحملوا شهادة تفيد بخلوهم من الكوليرا، لمنع انتقال المرض إليها.
لكن تحذيرات منظمة الصحة العالمية بأن وباء الكوليرا، الذي ينتشر بدرجة رئيسية في اليمن وبعض الدول الإفريقية، قد ينتشر خلال موسم الحج، تمثل التهديد الأخطر.
خطر محتمل على الحجاج
فمنذ أكثر من عام، تفرض السعودية، قائدة التحالف العربي الداعم للحكومة اليمنية الشرعية، حظرا على دخول اليمنيين إلى أراضيها، وتمنع إصدار أي تاشيرات لهم، باستثناء موسم الحج.
لكن منظمة الصحة العالمية حذرت، في ١٤ يوليو/تموز الجاري، من أن "الانتشار الحالي واسع النطاق للكوليرا في اليمن وبعض الدول الإفريقية قد يشكل خطرا كبيرا على كل الحجاج وقت الحج وحتى بعد عودتهم إلى بلادهم".
ومع هذا التحذير أصبح الاستثناء الوحيد لدخول اليمنيين إلى المملكة الجارة مهددا هو الآخر؛ إذ بات مرجحا أن تلجأ الرياض إلى إصدار قرار بعدم السماح لمن يعتزمون الحج من اليمنيين بدخول أراضيها، حفاظا على سلامة قرابة أكثر من مليوني حاج.
وأثار تحذير المنظمة الدولية حالة من الفزع بين اليمنيين الراغبين في أداء مناسك الحج، معتبرين ذلك التحذير بمثابة ضوء أخضر من المنظمة الأممية بالموافقة على إجراءات منع اليمنيين من الحج هذا العام لـ"دواع صحية".
ووفق "دومينيك ليجرو"، خبير مكافحة الكوليرا في المنظمة، فإن السعودية لم تشهد أي حالات إصابة بوباء الكوليرا منذ سنوات طويلة، بفضل الرقابة الشديدة.
"ليجروا" أضاف، في إفادة دورية بالأمم المتحدة، بأن إجراءات الفحص في المطارات عديمة الفائدة من الناحية الفنية، موضحا أن المصابين بأعراض الكوليرا "هم مجرد قمة جبل الجليد، فـ٨٠% من المرضى لا تظهر عليهم الأعراض"، في تلميح إلى ضرورة عدم استقبال حتى من لم تظهر عليهم علامات الكوليرا من القادمين من الدول المصابة.
والكوليرا هي عدوى حادة تسبب الإسهال، وتنجم عن تناول أطعمة وشرب مياه ملوثة ببكتريا الكوليرا، ولا يظهر على معظم المصابين بها أية أعراض أو يبدو عليهم أعراض خفيفة، وهي قادرة على أن تودي بحياة المُصاب بها خلال ساعات إن تُرِكت دون علاج.
وتعيد الحكومة اليمنية انتشار الكوليرا في البلاد إلى أسباب عديدة؛ بينها انهيار البنية التحتية للنظام البيئي الصحي، وتلوث المياه، واختلاط مياه الصرف الصحي غير المعالجة بمياه الشرب، إضافة إلى تراكم النفايات الصلبة جراء الحرب.
شريك في الحظر
القلق من صدور قرار يمنع اليمنيين من الحج في الموسم المقبل، الذي لم يتبق عليه سوى شهر ونصف الشهر، بدأ بالفعل يتزايد لدى مواطني هذا البلد العربي، خصوصاً بعد تصريح المسؤول الأممي.
واعتبر عبد الحكيم يحيي، وهو مواطن يمني يعتزم أداء مناسك الحج هذا العام مع والدته، أن "تحذير منظمة الصحة العالمية يثير الفزع، ويحول المنظمة الأممية إلى شريك في فرض الحظر على اليمنيين، بدلا من قيامها بدورها في القضاء على وباء الكوليرا، أو توفير أجهزة حديثة لفحص اليمنيين".
وأضاف يحيي، في حديث مع الأناضول: "حصلنا على تأشيرات الحج منذ شهر شعبان.. أتمنى أن تؤدي والدتي مناسك الحج هذا العام، رغم كل الصعوبات التي نلاقيها، والسفر برا لمدة يومين، وتخوفنا من الإجراءات المتخذة في منفذ الوديعة البري على الحدود مع السعودية.. لا بد أن تجد السلطات اليمنية والسعودية ومنظمة الصحة العالمية حلولا سريعة".
ومثل يحيي يحبس قرابة ٢٢ ألف يمني يعتزمون أداء مناسك الحج أنفاسهم في انتظار تحديد مصير موسمهم هذا العام.
متابعة سعودية
حتى الآن لم ترحب السلطات السعودية رسميا بمقترح منظمة الصحة العالمية ضرورة الاحتراز من الكوليرا المنتشر في اليمن بشكل كبير، وكذلك في بعض الدول الإفريقية، ومنها الصومال وجنوب السودان.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة السعودية، مشعل الربيعان، في بيان، إن "الوزارة تدرك التحديات التي يفرضها الموقف"، في إشارة ضمنية على ما يبدو إلى أنها قد تتخذ قرارا بمنع مواطني الدول المصابة بالكوليرا الذين يعتزمون أداء مناسك الحج.
المسؤول السعودي أضاف أن وزارة الصحة "تتابع عن كثب الأحداث الصحية في جميع الدول، وتقوم بكامل التزاماتها المعتادة في أخذ الاحترازات اللازمة تجاه الحال الصحية للحجيج، كما جرت عليه العادة".
انتظار يمني
من جانبه، امتنع وزير الأوقاف في الحكومة اليمنية الشرعية، أحمد عطية، عن إعطاء أي تفاصيل للأناضول بشأن تهديد الكوليرا لموسم الحج، طالبا تأجيل الحديث، رغم استعداده مسبقا للحديث عن هذه القضية.
ويبدو أن الحكومة اليمنية تنتظر القرار السعودي، رغم أن وزارة الأوقاف السعودية، أعلنت، قبل أسابيع، أنها مستمرة في الاستعداد لموسم الحج، كما حث الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، أواخر يونيو/ حزيران الماضي، وزير الأوقاف على تذليل الصعوبات أمام الحجاج، والتي كانت موجودة خلال المواسم الماضية.
وقال مصدر مطلع في مكتب منظمة الصحة العالمية باليمن، طالبا عدم نشر اسمه، للأناضول، إنه "لم يتم اتخاذ قرار نهائي بشأن حج اليمنيين هذا العام.. ما يزال هناك المزيد من الوقت حتى حلول موسم الحج في سبتمبر (أيلول) المقبل.. نتوقع انحسارا للكوليرا في أغسطس (أب) وقد يغير هذا من مجرى الأمور".
قيود على السفر
وفضلا عن موسم الحج المهدد، قضت الكوليرا على ما تبقى من حرية تنقل اليمنيين خارج بلدهم، والتي شهدت تقييدا غير مسبوق منذ أكثر من عامين، جراء فرض التحالف العربي حظرا جويا وبريا وبحريا على اليمن، وإغلاقه لمطار صنعاء الدولي منذ أغسطس/أب ٢٠١٦.
ويسيطر مسلحو الحوثي وصالح، المتهمين بتلقي دعم عسكري إيراني، على محافظات يمنية، بينها صنعاء (شمال) منذ ٢١ سبتمبر/أيلول ٢٠١٤.
ويضطر اليمنيون في محافظات الشمال إلى الانتقال برا لأكثر من ١٠ ساعات، إلى جنوب وشرقي البلاد، من أجل السفر خارج اليمن، عبر مطاري "عدن" و"سيئون" في محافظة حضرموت، في رحلة شاقة زادها مرض الكوليرا تعقيدا.
وقال "خالد الجربي"، المسؤول الإعلامي في شركة الخطوط الجوية اليمنية، للأناضول، إن "الأردن طلب رسميا من اليمنيين الراغبين بدخول أراضيه إحضار شهادة طبية تؤكد خلوهم من الكوليرا والأمراض المعدية".
ولا يقتصر الأمر على الأردن، فوفق "أسامة عبد الرحمن"، مدير مكتب سفريات في صنعاء، فإن "جيبوتي تطلب أيضا من اليمنيين الراغبين بالقدوم إليها شهادة خلو من الأمراض، وخصوصا الكوليرا، فيما تطلب مصر تأشيرة دخول لم تكن مطلوبة قبل الحرب، وتقريرا طبيا يثبت أن الراغب بدخول مصر يقصدها للعلاج".
وحسب مصادر متطابقة في شركات سفر يمنية فإن جميع دول الخليج (السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين وسلطنة عمان) ترفض دخول اليمنيين إلى أراضيها.
وقال عبد الرحمن للأناضول إن "السعودية لم تصدر أي تأشيرات دخول ليمنيين منذ عام، باستثناء من سيؤدون موسم الحج، وحتى في موسم العمرة لم تمنح المملكة أي تأشيرات ليمنيين".
وأوضح أن "من يدخلون السعودية حاليا من اليمنيين هم من يملكون أوراق إقامة على أراضيها فقط، وهم يخضعون أيضا لفحوصات مكثفة في منفذ الوديعة البري، لاسيما منذ تفشي الكوليرا".