مرحبا بك في موقع رؤيا الإخباري لتطلع على آخر الأحداث والمستجدات في الأردن والعالم

شعار الامم المتحدة

Image 1 from gallery

«الأمم المتحدة».. أيقونة حقوق الإنسان الغائبة عن العمل

نشر :  
منذ 7 سنوات|
اخر تحديث :  
منذ 7 سنوات|

عام 2011، تم التصويت على انضمام فلسطين إلى منظمة اليونسكو، بعد عدة محاولات من الحكومة الفلسطينية لتنال عضوية الأمم المتحدة، أو أحد وكالاتها، وكان الرد السريع بقرار من الولايات المتحدة الأمريكية بإعلان الوقف الفوري للمساعدات المقدمة لليونسكو، والتي تُقدر بـ 22% من ميزانيتها، إذ ينصُّ القانون الأمريكي على منع تمويل أي منظمة تعطي عضوية كاملة لجماعة أو منظمة غير معترف بها دوليًا. وبناءً على قرار وقف المساعدات الأمريكية لليونسكو، قامت الأخيرة بتعليق تنفيذ عدة برامج تنموية وبرامج مساعدات في عدة دول كأفغانستان، والعراق وفلسطين وغيرها، فقد تسبَّب القرار الأمريكي بعجز قوي في ميزانية المنظمة وعدم قدرتها على الوفاء باحتياجاتها اللازمة للاستمرار. سنعرف نهاية هذه القصة فيما بعد.
السلام العالمي كان الحُلم!

عام 1945، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، اجتمع ممثلون لـ50 دولة في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة، حيث تم وضع ميثاق لمنظمة دولية هدفها نشر السلام والحؤول دون وقوع المزيد من الحروب في العالم، فخرجت «الأمم المتحدة».

منذ نشأتها، تسعى الأمم المتحدة لتحقيق عدَّة أهداف أولها وأهمَّها «إحلال السلام والأمن العالميَّين»، إلى جانب تقديم المساعدات للدول النامية والمتضررة من الحروب أو الكوارث الطبيعية، وحماية حقوق الإنسان وتحقيق التقدُّم والنمو للعالم. جعلت تلك الأهداف من الأمم المتحدة حلًا مثاليًا لمشكلات العالم بأكمله، لكنّ ما حدث ولا يزال يحدث في العالم يجعل العديد من التساؤلات حول دور الأمم المتحدة في العالم وقدرتها على تحقيق أهدافها تدور في الأفق دون إجابة. فمع نهاية الحرب الباردة، أصبحت الأمم المتحدة مسرحًا للصراعات الداخلية، وهو ما جعلها تقف في موضع جمود أمام العديد من المشكلات العالمية، والتي سنذكر بعضًا منها حاليًا.

رواندا والكونغو

عام 1994، ومع اشتعال الحرب الأهلية، بدأت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في التوافد على رواندا. اشتعلت أحداث العنف في البلاد وانتشرت المذابح وعمليات القتل والاغتصاب الجماعيين، واستغل الأطفال في عمليات الإتجار بالبشر وفي القيام بأعمال إبادة في تلك الحرب. وسط هذه الفوضى، تخلّت إحدى القوات التابعة للأمم المتحدة عن مدرسة لجأ إليها المئات من «التوتسي» الذين تُرتكب في حقهم المجازر من قِبل «الهوتو»، انسحبت القوات الدولية من أجل توفير الحماية لأجانب هاربين من جحيم الحرب المستعرة هناك، وخلال ساعات من رحيل القوات الدولية، قُتل أكثر من 2000 من التوتسي بالرصاص والقنابل اليدوية والأسلحة البيضاء في تلك المدرسة.

لم تكن تلك هي الأزمة الوحيدة التي قابلت بعثات الأمم المتحدة في تلك البلاد، فبعد سنوات من الحرب الأهلية وجرائم الحرب التي راح ضحيتها الآلاف من القتلي والمشردين وضحايا الاغتصاب من النساء والأطفال، انتهى الصراع باستيلاء متمردي التوتسي على السلطة في رواندا، وفرار عناصر الهوتو إلى جمهورية الكونغو «زائير سابقًا»، ليتحالفوا مع القوات الحكومية هناك لقتال قبائل التوتسي ومحاولة طردهم. اشتعل الصراع مرة أخرى، وقامت السلطة الجديدة في رواندا بإرسال عناصرها لمناصرة قبائل التوتسي في الكونغو، وبدأ ما عُرف بعد ذلك بـ «الحرب العالمية الأولى في إفريقيا» والتي راح ضحيتها ما يقارب 5 ملايين شخص في صراع امتد منذ 1994 وحتى 2003.

عام 1999 أرسلت الأمم المتحدة بعثة دولية أخرى لحفظ السلام في الكونغو، كان قوامها 20 ألف جندي، واُعتبرت من أكبر بعثات حفظ السلام في العالم، وكانت مُكلفة بحماية المدنيين والعمل على إحلال السلام في المنطقة، وكذلك المساعدة في إعادة إعمار البلاد. ورغم أن تلك القوات قد لعبت دورًا رئيسًا في تنظيم الانتخابات الرئاسية في الكونغو، وكذلك محاربة مجموعات المتمردين هناك، لكن تقريرًا للأمم المتحدة صدر عام 2009 كان يحمل مفاجئة غير سارة للجميع. خرج التقرير بنتائج تقول أن قوات الأمم المتحدة لم تحرك ساكنًا أمام جماعات المتمردين التي قامت بأعمال سلب ونهب، وعمليات اغتصاب، وأعمال عنف في البلاد، بل إن صحيفة بي بي سي نقلت عن تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن صمت القوات الدولية عن تلك الأعمال جعل الأمم المتحدة تخاطر بظهورها كمشارك في تلك الأعمال الوحشية. واُتهمت قوات الأمم المتحدة بالوقوف على الحياد فيما يتعلق باغتصاب 150 امرأة وطفل على بُعد أميال قليلة من قاعدة للقوات الدولية، بينما أعلنت حكومة الكونغو عن قدرتها على حفظ أمن وسلامة بلادها وطلبت من القوات الدولية المغادرة.


العراق

اجتاحت القوات العراقية إمارة الكويت عام 1990، وهو ما دفع قوات تحالف دولية مكونة من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة لشن حرب على القوات العراقية، ما عُرف فيما بعد باسم «حرب الخليج الثانية»، ولم تُرجح النتائج كفة القوات الدولية فقط، بل انتهى الأمر بفرض حصار دولي على العراق لمنع النظام العراقي، بقيادة صادم حسين حينها، من استيراد أسلحة أو ذخيرة من الخارج.

كانت النتائج كارثية فقد تسبَّب الحصار بموت ما يُقارب مليون ونصف المليون عراقي نتيجة نقص الغذاء والأدوية والحاجات الأساسية التي منع الحصار دخولها للعراق بعد الحرب. عام 1991 أعلنت الأمم المتحدة برنامج «النفط مقابل الغذاء» كبديل يسمح للعراق بتصدير النفط مقابل الحاجات الأساسية التي يحتاجها الشعب العراقي للحياة، ورفضت الحكومة العراقية البرنامج بأكمله حتى عام 1996، والذي شهد توقيع مذكرة تفاهم بين الأمم المتحدة والحكومة العراقية بدأ على إثرها البرنامج في العمل، وتم بالفعل تصدير أول شحنة نفط عراقية في نفس العام، واستلمت على إثرها العراق أول شحنة غذائية حسب البرنامج في مارس(آذار) 1997.

فسادٌ داخلي، وفوضى!

عام 2004 نشرت جريدة المدى العراقية قائمة تضم أسماء ما يقارب 270 شخصًا من بينهم مسؤولون في الأمم المتحدة، وسياسيين أجانب وعراقيين قد تورطوا في الحصول على أموال غير مشروعة من بيع النفط العراقي من خلال برنامج النفط مقابل الغذاء. بدأت الشكوك تُحيط بالبرنامج، ادعاءات بتهريب النفط لصالح الحكومة العراقية، وعقود سرية تذهب فوائدها للقائمين على البرنامج أنفسهم من داخل الأمم المتحدة، وفساد الغذاء والأدوية، والتي يتم بيعها للعراقيين بأسعار أعلى من أسعارها الحقيقية، وغيرها من الاتهامات التي نالت أحدها من «كوجو» نجل «كوفي عنان» «الأمين العام السابق للأمم المتحدة»، والذي اُتهم بالتربح من برنامج النفط مقابل الغذاء عن طريق إحدى الشركات التي كانت جزءًا من البرنامج والتي كان كوجو أحد مستشاريها، بينما الفضيحة الأكبر نالت من «بينون سيفان» المدير التنفيذي لبرنامج النفط مقابل الغذاء، والمسؤول المباشر الذي عينته الأمم المتحدة لإدراة البرنامج والإشراف عليه.

أجرت الأمم المتحدة تحقيقًا في قضايا الفساد التي أحاطت بالمشروع عام 2005، أي بعد عام من انتشار الاتهامات حول البرنامج والقائمين عليه، وهو ما جعل الشكوك تتزايد حول المدى الذي وصل إليه الفساد داخل الأمم المتحدة نفسها، وخرج تقرير لجنة التحقيق التي شكلتها الأمم المتحدة برئاسة بول فولكر بعدَّة نتائج تقول بأنه قد بلغ الدخل الخاص ببيع النفط العراقي ما يفوق الـ 64 مليار دولار، وزعتها الأمم المتحدة وفقًا لعدة بنود تشمل: التعويض عن خسائر الحرب، والأنشطة الإنسانية التي تُقام داخل العراق، وسداد ثمن المساعدات الغذائية والأدوية والاحتياجات التي تذهب للعراق، وصندوق تنمية العراق، وكذلك لدفع المرتبات والمعاشات للإداريين القائمين على تنفيذ البرنامج والذين عينتهم الأمم المتحدة للقيام بذلك، أي أن تلك المرتبات كانت تُدفع من أموال العراقيين.

خلصت لجنة التحقيق إلى أن النظام العراقي بإدارة صدام حسين قد حصل على ما يقارب 13.6مليار دولار غير شرعية من بيع النفط لدول الجوار بما يخالف العقوبات المفروضة عليه من قبل مجلس الأمن الدولي، بينما وُزعت مليارات من الدولارات على الشركات المساهمة في البرنامج، وعدد من القائمين عليه، كعمولات ورسوم إضافية غير قانونية على الخدمات والسلع التي تُقدم في إطار البرنامج، وانتهت اللجنة التي شكلتها الأمم المتحدة مع لجنة تحقيقات شكلتها الولايات المتحدة إلى اتهام عدد من الأفراد القائمين على تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء بالتربح غير المشروع، ومن أبرز نتائج تلك التحقيقات أن «بينون سيفان» «القائم على تنفيذ البرنامج» قد حصل وحده على ما يُقارب 150ألف دولار من أموال الرشاوى.

البوسنة والهرسك

بعد عامٍ واحد من الكارثة التي لحقت بالأمم المتحدة في رواندا، تكرَّر الموقف ثانية بانسحاب قوة هولندية كانت تحمي آلاف المسلمين البوسنيين في سربرنتيسا، حيث قام الصرب بقتل أكثر من 8000 رجل وشاب وطفل بعد إخراج النساء والفتيات من أحد النقاط الآمنة التي كانت في حماية القوات الدولية، وقاموا بقتل جميع الرجال الذين تواجدوا فيها. ولم تكن الإبادة الجماعية هي المشكلة الوحيدة التي واجهتها الأمم المتحدة في البوسنة واُتهمت بالتغاضي عنها، إذ أنه خلال وبعد انتهاء الحرب التي اشتعلت في «يوغوسلافيا السابقة»، بين الصرب ومسلمي البوسنة من عام 1992 وحتى أواخر 1995، تجاهلت الأمم المتحدة العديد من التقارير عن أعمال إتجار بالبشر وعمليات اغتصاب جماعية تجري في البوسنة على مرأى ومسمع القوات الدولية، بل إن عناصر من تلك القوات قد تورطت في تلك العمليات حسب رواية «كاثرين بولكوفاش» والتي عملت في وحدة شرطة بوسنية شكلتها الأمم المتحدة في البوسنة والهرسك، وكانت بولكوفاش تُحقق بشكل شخصي في جرائم التحرش الجنسي والإتجار بالبشر التي انتشرت في البوسنة خلال الحرب وبعدها، وقد طُردت كاثرين من عملها بعد أيامٍ من إبلاغها عن تورط وحدات من القوات الدولية ومن الشرطة البوسنية كذلك في عمليات تهريب الفتيات من البوسنة وإستغلالهن جنسيًا والإتجار بهن.

كاثرين بولكوفاش

والحقيقة أن الأمر لم ينتهي في البوسنة، فـ «جاك بول كلاين» الذي ترأس بعثة الأمم المتحدة في البوسنة والهرسك والذي تجاهل بلاغات بولكوفاش عن جرائم الإتجار بالبشر، وبعد انتهاء بعثة الأمم المتحدة في البوسنة عام 2003، تولى رئاسة بعثة السلام التابعة للأمم المتحدة في ليبريا، واتهمت القوات الدولية تحت قيادته هناك بالقيام بأفعالٍ غير أخلاقية. أقيل على إثرها من منصبه.

ما الذي يحدث داخل أسوار المنظمة العالمية؟

منذ عدة سنوات، أطلقت الأمم المتحدة تقريرًا أشرف عليه رؤساء وزراء عدة دول منهم موزمبيق وباكستان والنرويج، وخرج التقرير بعدة نتائج صادمة عن الدور الذي تلعبه الأمم المتحدة حول العالم، إذ وصف التقرير عمل الأمم المتحدة بأنه: ضعيف، وإدراتها بأنها غير فعالة. وقال التقرير كذلك بأن الأمم المتحدة تضع أهدافًا لا تستطيع بلوغها، وأنها تسعى لتحقيق أهدافها على حساب الدول الأشد فقرًا، إذ أن التعاون بين وكالات الأمم المتحدة يتجه نحو الصراع على مصادر التمويل، والتغافل عن الهدف الأهم لهذه المؤسسات، وأن بعض وكالات الأمم المتحدة مثل: المياة والطاقة، تتنافس على مصادر محدودة وأنها تعمل ضد نفسها، وفي النهاية، يقول التقرير أن الأمم المتحدة قد خذلت الضعفاء والفقراء.

بعد تعليق مساعدات اليونسكو من قِبل الولايات المتحدة، توقفت عدة برامج ترعاها المنظمة عن العمل، من ضمنها بعض البرامج التي ترعى المصالح الأمريكية داخل العراق ذاتها في فترة الحرب، كما نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين من اليونسكو. وعدَّد التقرير بعضًا من المشاريع التي أغلقتها اليونسكو، مثل: تحليل مصادر المياة العذبة في العراق، ومحو الأمية في أفغانستان، ودراسات عن جفاف مياة الشرب في إفريقيا وغيرها من المشروعات المهمة حول العالم. تسببت المشكلات المالية التي مرت بها اليونسكو، والأمم المتحدة بالتبعية، باعتبارها المنظومة الأم، في فتح ملفات المالية داخل الأمم المتحدة، والتساؤل عن ميزانية تلك الإمبراطورية المترامية الأطراف، وهو أحد الأسباب التي جعلت الجارديان تتساءل في مقالٍ لها عن مستقبل الأمم المتحدة، حيث يصف المقال المنظمة العالمية بأنها أصبحت منتفخة بالبيروقراطية، وأن أهم معالهما – مجلس الأمن – يبدو غير قادر على حفظ الأمن أو رعاية السلام حول العالم، وتتساءل في النهاية، عن المستقبل غير واضح المعالم للأمم المتحدة، وهدفها الرئيس: حفظ السلام حول العالم!