أوبك لا تملك جميع أوراق اللعب بسوق النفط.. إليك قائمة بالرابحين والخاسرين من اتفاق خفض الإنتاج

اقتصاد
نشر: 2016-12-05 00:07 آخر تحديث: 2023-06-18 15:20
منظمة أوبك
منظمة أوبك

كان الأمر يحتاج إلى سنتين من النزاع، قبل أن توافق السعودية وباقي الدول الأعضاء بمنظمة الأوبك على خفض الإنتاج، وهو الاتفاق الذي وصلت إليه دول المنظمة في اجتماعها في فيينا الأسبوع الماضي.

منذ انهيار أسعار النفط عام 2014، تحاول كبرى الدول المنتجة للبترول التوصل إلى اتفاقٍ لاستعادة السيطرة على سوق النفط، وزيادة مواردها المالية التي تأثرت بشدة. ولكن اختيار الدول التي ستتحمل الجزء الأكبر من الخفض في الإنتاج كان تحدياً صعباً للغاية أمام الوصول إلى هذا الاتفاق.


إقرأ أيضاً: إرتفاع أسعار النفط بعد إتفاق أوبك على خفض الإنتاج


ولكن مع استمرار انخفاض الأسعار في العام الحالي، أصبح هذا التحدي أقل صعوبة. ومع عدم وجود أية توقعات بانتعاش سوق النفط مرة أخرى في هذا الوضع، بدأت الدول الأعضاء بالمنظمة أخيراً في التنازل الواحدة تلو الأخرى، وتوصلت إلى الاتفاق بخفض الإنتاج في الاجتماع بمدينة فيينا الأسبوع الماضي. كما وافقت روسيا، وهي دولة غير عضوة بالمنظمة، على تخفيض إنتاجها أيضاً.

خفض الانتاج

هذا يعني أنه بالنسبة لسائقي السيارات في المملكة المتحدة، فإن الأيام التي كانوا يشترون فيها لتر البنزين مقابل جنيه إسترليني واحد ستصبح قريباً من الماضي.

كانت أسعار النفط قد وصلت إلى أدنى معدلاتها في يناير/كانون الثاني الماضي، حين انخفض سعر البرميل من خام برنت إلى 27 دولاراً، وتنبأ بعض المحللين بإمكانية تراجعه إلى 10 دولارات. وكان هناك شعورٌ بالابتهاج بين قادة الدول الغربية، الذين تجرؤوا على الاعتقاد بأن عصر النمو الاقتصادي الرهيب الذي تميزت به فترة التسعينات، والذي دعمته أسعار النفط شديدة الانخفاض التي نادراً ما كانت تتعدى 20 دولاراً للبرميل، على وشك العودة.

ولكن استمرار هذه الأسعار شديدة الانخفاض لفترة طويلة لم يكن مُقَدَّراً. إذ سرعان ما ارتفع سعر خام برنت، وتأرجح السعر بقية العام بين 40 دولاراً و50 دولاراً للبرميل. ومع ذلك، أرادت دول الأوبك، التي تنتج ثلث النفط الخام بالعالم ارتفاعاً أكبر بالأسعار، وأعلنت أنها ستقوم بخفض الإنتاج بنسبة حوالي 4%، أو ما يعادل 1.2 مليون برميل يومياً، وذلك لخفض معدل الإنتاج إلى 32.5 مليون برميل يومياً بحلول شهر يناير.

هذا الخفض بالإنتاج هو محاولة لجعل الحد الأدنى لسعر برميل النفط حوالي 50 دولاراً، وزيادة ذلك الحد إلى 60 دولاراً للبرميل خلال بضعة أشهر.

انتعاش الأسعار

يقول ميهير كاباديا، المدير التنفيذي لشركة "صن جلوبال" للاستثمارات، عن أسعار النفط إنَّها "في طريقها إلى العودة إلى طبيعتها. فهذا العمل المُنَسَّق الأول بين دول الأوبك خلال السنوات الثمانية الماضية وضع بالتأكيد توقعاتٍ جديدة لأسعار النفط. تأثير هذا الاتفاق على أسعار النفط على المدى الطويل سيعتمد على تنفيذ الاتفاقية ومدى الالتزام بها".

ولكن، في الوقت نفسه، يتوقع القليل من العاملين بمجال النفط عودة الأسعار إلى المستوى المرتفع الذي كانت عليه في بداية العقد، وكان من ذلك وصول سعر برميل البترول إلى ذروته منذ عامين، إذ بلغ سعره 114 دولاراً. ومن المرجح ألا يرتفع سعر البرميل عن 60 دولاراً، وذلك لأن أميركا، التي ليست من الدول الأعضاء بالأوبك الذين يبلغ عددهم 13 دولة، في الغالب ستعود إلى الإنتاج مرة أخرى من حقول النفط الصخري، التي أوقفت الإنتاج بها في العامين الماضيين.

إذ كان ظهور النفط الصخري وبداية حفر الآبار لاستخراجه، وهي العملية التي يتم فيها ضخ مزيج من الكيماويات، والماء، والرمل في الصخور الكثيفة لتحرير النفط المُخَزَّن بها، هو الأمر الذي منع منظمة الأوبك من التحكم في العرض والطلب بسوق النفط كما كانت تفعل في الماضي.

يقول المحللون ببنك "سوسيتيه جنرال"، إنَّ "مخزون النفط الخام العالمي، وبالأخص الأميركي، حالياً في مستوياتٍ عالية للغاية، وذلك بعد عامين من الوفرة الشديدة في العرض. وبينما يُعَد الاتفاق الذي توصلت إليه دول الأوبك مهماً جداً، وسيؤدي إلى السحب من المخزون الاحتياطي العالمي بشكلٍ متوسط العام القادم، إلا أن الأمر سيحتاج إلى أكثر من عام حتى يمكن لمستويات المخزون النفطي العودة إلى وضعها الطبيعي".

عودة منصات الحفر بسهول تكساس وداكوتا في أميركا، التي كانت توقفت عن العمل سابقاً، إلى الحفر مرة أخرى هي نتيجة لإجراءات تخفيض النفقات، التي تضمنت تخفيض عدد العاملين، واتباع صناعة النفط الأميركية لنهجٍ أكثر بساطة في الحفر، وهي الأمور التي اضطر الأميركيون للقيام بها بعد الانخفاض الشديد لأسعار النفط بعد عام 2014، الذي جعل عملية الحفر غير مربحة بالنسبة للعديد من الشركات.

منذ سنواتٍ قليلة، كانت العديد من الشركات تكافح لتحقيق الأرباح حينما كان سعر البرميل 70 دولاراً. الآن، وبعد هذه الإجراءات، يمكن لهذه الشركات المنافسة في سوق النفط مع انخفاض الأسعار، وتوقَّع العديد منهم أن يصل سعر خام غرب تكساس إلى 50 دولاراً، وهو أحد خامات النفط الخفيفة، ويقل سعره عن سعر خام برنت بحوالي 5 دولارات.

النفط الأميركي

منذ بداية شهر يونيو/حزيران تنتقل حوالي 25 منصة نفط أميركية كل شهر إلى السوق. وتقول معظم الشركات إنَّها ستتخذ نهجاً حذراً في العمل، وذلك لتعطي نفسها الوقت لتقييم اتفاقية الأوبك، وما إن كانت ستصمد لفترةٍ طويلة.

ويقول المحللون بشركة "أوكسفورد إيكونوميكس" للاستشارات، إنَّ صناعة النفط الصخري الأميركي على صواب في حذرها بشأن الوضع. فنقص الطلب العالمي على النفط يمثل أيضاً ضغطاً على الأسعار، وسيؤدي إلى منع الأسعار من الارتفاع عن 60 دولاراً للبرميل، على الأقل حتى نهاية عام 2018. كما أن تكرار الحوادث السابقة لقيام دول الأوبك بالغش لزيادة إيراداتها، وذلك بضخ كمياتٍ أكبر من النفط في مخالفةٍ لاتفاقيات خفض الإنتاج، سيؤدي على الأرجح إلى تقويض جهود خفض الإنتاج.

استنفدت المملكة العربية السعودية، التي لطالما كانت المنتِج الأكبر للنفط والطرف السياسي الأقوى في منظمة الأوبك، جزءاً كبيراً من احتياطاتها النقدية للتعويض عن النقص في إيراداتها بسبب انخفاض أسعار النفط في العامين الماضيين. كانت تأمل السعودية في تعطيل صناعة النفط الصخري الأميركية بالحفاظ على الاستمرار في انخفاض الأسعار. وطبقاً لهذه الخطة، كانت ستقوم برفع الأسعار مرة أخرى من خلال خفض الإنتاج في الوقت المناسب. ولكن صناعة النفط الأميركية لم تنهَرْ، وعانت السعودية من عجزٍ بالموازنة العامة بسبب استمرار انخفاض أسعار النفط وقلة الإيرادات، مما أرغم الملك سلمان، ملك السعودية، على تخفيض الدعم والخدمات في السعودية للخروج من هذه الورطة.

طبقاً للاتفاق الذي توصلت إليه دول الأوبك في فيينا الأسبوع الماضي، تتحمل السعودية الجزء الأكبر من الخفض بالإنتاج بحوالي 0.49 مليون برميل يومياً، وتتحمل العراق، والإمارات العربية المتحدة، والكويت كمياتٍ أقل من ذلك. كما وعدت بعض الدول الأخرى بخفض الإنتاج بشكلٍ طفيف، كالجزائر، وأنغولا، وفنزويلا. بينما إيران، التي من الممكن أن يُعَاد فرض بعض العقوبات الاقتصادية عليها حين يتولى الرئيس المنتخب ترامب رئاسة أميركا، سُمِحَ لها بتجميد الإنتاج أو زيادته بشكلٍ طفيف.

بدا يوم الجمعة الماضي، 2 ديسمبر/كانون الأول، أن هذه الاستراتيجية الجديدة ناجحة. فسعر خام برنت ارتفع عن السعر الذي لم يتغير عنه منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، والذي كان يتراوح من 43 إلى 54 دولاراً للبرميل، مما يمثل دفعةً للإيرادات بمجال النفط، وهو الأمر الذي يتوق إليه منتجو النفط.

ولكن نتيجةً لوجود منتجي النفط الصخري الأميركيين في السوق، هذه الاستراتيجية ستتمكن فقط على الأرجح من وضع حد أدنى لسعر برميل النفط، ولكنها لن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكلٍ كبير.

عقبات أمام أسعار النفط

وتقول شركة "أوكسفورد إيكونوميكس"، إنَّه حتى مع وضع الغش من قبل دول الأوبك جانباً، فإن ضعف الطلب على النفط، نتيجة للوضع الحالي للاقتصاد العالمي، يُعَد من أكبر العقبات أمام ارتفاع أسعار النفط.

كما أن هشاشة الاتفاق الذي تم التوصل إليه بفيينا، والفترة الزمنية الموضوعة لتنفيذه التي قُدِّرَت بحوالي 6 أشهر، هما عاملان آخران يساهمان في صعوبة توقع ما سيحدث بسوق النفط.

وأيضاً روسيا، التي ليست عضواً بمنظمة الأوبك، وتنتج كمية كبيرة من النفط كالسعودية، تُعَد سبباً إضافياً للحذر. فمن المفترض أن روسيا جزءٌ من هذه الاتفاقية الجديدة، ومن المقرر أن يعلن المسؤولون الروسيون خفض الإنتاج الأسبوع القادم.

ومع أنه على الأرجح سيُقَام المؤتمر الصحفي بالفعل، إلا أن المحللين يشككون في إمكانية خفض روسيا لإنتاجها من النفط بشكلٍ كبير، وذلك لأن إيرادات النفط تشكل الجزء الأكبر من دخل الحكومة الروسية.

يقول جوشوا ماهوني، المحلل السوقي بشركة "أي جي" للمراهنات، إنَّ "الارتفاع المحتمل في إنتاج أميركا من النفط، نتيجةً لارتفاع الأسعار، وازدياد عدد منصات النفط العاملة بأميركا، سيعوضان بعضاً من النقص في العرض الذي سينتج عن خفض الإنتاج بالدول الأخرى. وفي الوقت نفسه، فإنَّ وجود غموض حول كمية إنتاج كل دولة من النفط يعني أن تنفيذ هذه الدول للاتفاق ليس شيئاً موثوقاً به في أفضل الأحوال".

تنفيذ التعهدات الواردة في اتفاق فيينا هو الوسيلة الرئيسية لمنع انهيار أسعار النفط مجدداً. ولكن علاقات العرض والطلب، التي تقع معظمها خارج سيطرة الأوبك، تعني أن أسعار النفط لن تتغير كثيراً خلال العامين القادمين.

الرابحون من الاتفاق

شركة "بريتش بتروليوم" وشركة "شل": ساهم احتمال خفض الإنتاج بدايةً من شهر يناير/كانون الثاني في رفع أسعار البترول الأسبوع الماضي، وارتفعت معها أسهم شركات الطاقة. كانت شركتا "رويال داتش شل" و"بريتش بتروليوم" من أكثر الشركات ربحاً في مؤشر "فاينانشال تايمز 100"، المؤشر الذي يضم أكبر 100 شركة بريطانية في بورصة لندن، في يوم الاتفاق، وذلك بسبب التكهنات بإمكانية وصول سعر برميل النفط إلى 60 دولاراً.

نيكولا ستورجيون: احتمالية ارتفاع أسعار البترول من المفترض أن تسبب بعض الارتياح لرئيسة وزراء اسكتلندا. إذ شكَّل عدم ارتفاع أسعار النفط عن 50 دولاراً للبرميل لأكثر من عام ضغطاً شديداً على صناعة النفط ببحر الشمال. كما أن عملية الوصول إلى النفط بالمنطقة وإنتاجه تزداد صعوبتها، وجعل العائد القليل لصناعة النفط تبرير الاستثمار في استخراج النفط من المنطقة أمراً صعباً.

وهذا بدوره أثَّرَ بشدة على توفر الوظائف، وعائدات الضرائب، وسبَّب نقصاً شديداً في الدخل القومي لاسكتلندا. وتضخَّم عجز الموازنة العام الماضي في اسكتلندا، وذلك بسبب انخفاض حصتها من عائدات الضرائب على نفط بحر الشمال من 1.8 مليار جنيه إسترليني عام 2014 إلى 60 مليون جنيه إسترليني عام 2015.

صناعة النفط الصخري: ساهم ضعف الطلب بسوق النفط، بالإضافة إلى قرار السعودية بعدم خفض مستويات الإنتاج، في استمرار انخفاض أسعار النفط منذ صيف عام 2014. كانت تأمل السعودية أن تؤدي أسعار النفط المنخفضة إلى الإطاحة بشركات النفط الصخري الأميركية خارج السوق، وذلك لارتفاع تكاليف التشغيل بها. ولكن هذا لم يحدث، والآن، ومع الارتفاع الحالي بالأسعار، من المتوقع أن تكثف حقول النفط الصخري بالولايات المتحدة الأميركية من إنتاجها.

الخاسرون من الاتفاق

سائقو السيارات: من المتوقع أن ترتفع أسعار البنزين بعد ارتفاع أسعار النفط نتيجة لاتفاق الأوبك. في المملكة المتحدة، من الممكن أن يزداد سعر لتر البنزين بحوالي 9 بنسات، مما سيزيد تكلفة ملء خزان وقود أية سيارة عائلية حوالي 5 جنيهات إسترلينية، وذلك طبقاً لمنظمات السيارات. من الممكن أن يؤدي أيضاً الارتفاع بأسعار النفط إلى رفع قيمة فواتير الطاقة بالمنازل، إذ تتبع أسعار الغاز الطبيعي أسعار النفط إلى حدٍّ ما.

ولكن هذه الخسارة بالنسبة لمستخدمي الوقود من الممكن أن تكون مكسباً بالنسبة لأنصار حماية البيئة، إذ من الممكن أن يؤدي الارتفاع في أسعار الوقود بالسائقين إلى استخدام السيارات الكهربائية، أو القيادة لوقتٍ أقل.

المملكة العربية السعودية: أغرقت السعودية سوق النفط بالنفط الرخيص، وذلك في محاولة لتدمير صناعة النفط الصخري بالولايات المتحدة الأميركية. وتتحمل الجزء الأكبر من خفض الإنتاج باتفاق الأوبك. من ناحيةٍ أخرى، ستكسب السعودية القليل من ارتفاع أسعار النفط، وهذا من شأنه أن يعوض قليلاً من التكلفة التي ستتحملها من خفضها للإنتاج، وأيضاً سترتفع قيمة أسهم شركة البترول الحكومية "أرامكو"، التي تخطط السعودية لتعويمها.

شركات الخطوط الجوية: استفادت هذه الشركات من أسعار الوقود الرخيصة طوال العامين الماضيين، ولكن الآن تبدو تكاليفها في طريقها للارتفاع. كما انخفضت قيمة أسهم شركات الخطوط الجوية، ومنها شركة "رايان إير" وشركة "إيزي جيت"، عندما توصلت دول الأوبك إلى اتفاقها.

أخبار ذات صلة

newsletter