تعبيرية
رأس السنة الهجرية ٢٠٢٤: احتفال بالهجرة النبوية ودروس مستفادة للأجيال
يوم "محرم" والذكرى العظيمة
يصادف رأس السنة الهجرية لهذا العام 2024 / 1446هجري يوم 7 يوليو/تموز ، معلنا بداية السنة الهجرية الجديدة 1446 هجريا.
ويعد هذا اليوم مناسبة دينية مهمة يحتفل بها المسلمون في جميع أنحاء العالم لإحياء ذكرى هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة.
ويتميز هذا اليوم بالقيام بالأنشطة الدينية المختلفة مثل قراءة القرآن، وحضور المحاضرات والدروس الدينية التي تركز على أهمية الهجرة والمعاني الروحية المرتبطة بها.
تسميات
رأس السنة الهجرية والمعروفة أيضا بيوم "محرم" أو "معال هجري" يعتبر بداية السنة الهجرية الجديدة 1446 هجريا ويحتفل به المسلمون في جميع أنحاء العالم بمناسبة هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة.
الهجرة النبوية: حدث تاريخي عظيم
تمثل الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة حدثا مفصليا في تاريخ الإسلام، إذ أسست لنشوء الدولة الإسلامية وانتشار الإسلام بعد أن كان محصورا في مكة.
سبق الهجرة إعداد وتخطيط دقيق من قبل النبي وأصحابه، مما يظهر أهمية التحضير والاستعداد لكل مرحلة من مراحل الدعوة.
إعداد المهاجرين والمكان المهاجر إليه
كان لابد من إعداد المهاجرين نفسيا وروحيا لتحمل مشاق الهجرة والتضحية بكل شيء من أجل العقيدة.
وتمثلت هذه التحضيرات في التربية الإيمانية العميقة والاضطهاد الذي تعرض له المؤمنون. أما في المدينة، فقد تأكد النبي صلى الله عليه وسلم من استعداد الأنصار لاستقبال المهاجرين ودعمهم.
إن الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة (الهجرة الثانية بعد هجرة المسلمين للحبشة)، تمثل حدثا تاريخيا عظيما، إذ منه انطلقت الدولة الإسلامية وانتشر الإسلام بعد أن كان محصورا بين شعاب مكة المكرمة.
ولذلك سنتناول مقالا عن موضوع الهجرة بشكل مقتضب، محاولين التركيز على استخلاص فقه الهجرة النبوية، وتعلم فوائدها ودروسها والعبر منها. وقد سبق الهجرة إلى المدينة تمهيد وإعداد وتخطيط، وكان ذلك بتقدير الله تعالى، وتدبيره، وكان هذا الإعداد في اتجاهين: إعداد في شخصية المهاجرين، وإعداد في المكان المهاجر إليه.
إعداد شخصية المهاجرين
لم تكن الهجرة نزهة؛ ولكنها مغادرة الأرض، والأهل، وأسباب الرزق، والتخلي عن كل ذلك من أجل العقيدة، ولهذا احتاجت إلى جهد كبير، حتى وصل المهاجرون إلى قناعة كاملة بهذه الهجرة، ومن تلك الوسائل: التربية الإيمانية العميقة، والاضطهاد الذي أصاب المؤمنين، ـوتناول القرآن المكي التنويه بالهجرة، ولفت النظر إلى أن أرض الله واسعة.
قال تعالى: {قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب *} [الزمر: 10].
الإعداد في يثرب
نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يسارع بالانتقال إلى الأنصار من الأيام الأولى؛ وإنما أخر ذلك لأكثر من عامين؛ حتى تأكد أن الاستعداد لدى الأنصار قد بلغ كماله، وذلك بطلبهم هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم.
هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه
بعد أن منيت قريش بالفشل في منع الصحابة رضي الله عنهم من الهجرة إلى المدينة فقد أدركت خطورة الموقف، وخافوا على مصالحهم الاقتصادية؛ لذلك اجتمعت قريش في دار الندوة للتشاور في أمر القضاء على قائد الدعوة.
قال تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين *} [الأنفال: 30] فأذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة.
فوائد ودروس وعبر
تعطينا الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة مجموعة من الفوائد والدروس والعبر، ومنها:
1. الصراع بين الحق والباطل صراع قديم، وممتد
وهـو سنـة إلهيـة نافـذة، قـال عـز وجـل: {الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز *} [الحج: 40]. ولكن هذا الصراع معلوم العاقبة: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز *} [المجادلة: 21].
2. مكر خصوم الدعوة بالداعية أمر مستمر متكرر:
سواء عن طريق الحبس، أو القتل، أو النفي، وعلى الداعية أن يلجأ إلى ربه، وأن يثق به، ويتوكل عليه، ويعلم: أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، كما قال عز وجل: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين *} [الآنفال: 30].
3. دقة التخطيط والأخذ بالأسباب:
إن من تأمل حادثة الهجرة، ورأى دقة التخطيط فيها، ودقة الأخذ بالأسباب من ابتدائها إلى انتهائها، يدرك أن التخطيط المسدد بالوحي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كان قائما، وأن التخطيط جزء من السنة النبوية، وهو جزء من التكليف الإلهي في كل ما طولب به المسلم، وأن الذين يميلون إلى العفوية؛ بحجة أن التخطيط، وإحكام الأمور ليسا من السنة؛ أمثال هؤلاء مخطئون، ويجنون على أنفسهم، وعلى المسلمين.
4. الأخذ بالأسباب أمر ضروري:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعد كل الأسباب، واتخذ كل الوسائل؛ ولكنه في الوقت نفسه مع الله، يدعوه، ويستنصره أن يكلل سعيه بالنجاح، وهنا يستجاب الدعاء، وينصرف القوم بعد أن وقفوا على باب الغار، وتسيخ فرس سراقة في الأرض، ويكلل العمل بالنجاح.
5. الإيمان بالمعجزات الحسـية:
وقعت في الهجرة معجزات حسية، وهي دلائل ملموسة على حفظ الله، ورعايته لرسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ـ على ما روي ـ نسيج العنكبوت على فم الغار، وما جرى مع أم معبد، وما جرى مع سراقة، فعلى الدعاة ألا يتنصلوا من هذه الخوارق، بل يذكروها ما دامت ثابتة بالسنة النبوية، على أن ينبهوا الناس على أن هذه الخوارق، هي من جملة دلائل نبوته، ورسالته عليه السلام.
6. جواز الاستعانة بالكافر المأمون:
يجوز للدعاة أن يستعينوا بمن لا يؤمنون بدعوتهم ما داموا يثقون بهم، ويأتمنونهم؛ فقد رأينا: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا مشركا ليدلهما على طريق الهجرة، ودفعا إليه راحلتيهما، وواعداه عند غار ثور، وهذه أمور خطيرة أطلعاه عليها، ولاشك: أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وثقا به، وأمناه.
7. دور المرأة المسلمة في الهجرة
وقد لمعت في سماء الهجرة أسماء كثيرة، كان لها فضل كبير؛ منها: عائشة بنت أبي بكر الصديق؛ التي حفظت لنا القصة، ووعتها، وبلغتها للأمة، وأم سلمة المهاجرة الصبور، وأسماء ذات النطاقين، التي أسهمت في تموين الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار، بالماء، والغذاء.
8. الداعية يعف عن أموال الناس:
لم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب الراحلة، حتى أخذها بثمنها من أبي بكر رضي الله عنه. لكما أنه ما عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن سراقة؛ عرض عليه سراقة المساعدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حاجة لي فيها».
9. الجندية الرفيعة والبكاء من الفرح:
تظهر أثر التربية النبوية، في جندية أبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما؛ فأبو بكر رضي الله عنه عندما أراد أن يهاجر إلى المدينة، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعجل؛ لعل الله يجعل لك صاحبا»؛ بدأ في الإعداد والتخطيط للهجرة؛ فابتاع راحلتين منتظرا الإذن بالهجرة. وفي موقف علي بن أبي طالب مثال للجندي الصادق المخلص لدعوة الإسلام؛ حيث فدى قائده بحياته، ففي سلامة القائد سلامة للدعوة، وفي هلاكه خذلانها، ووهنها.
10. وضوح سنة التدرج:
حيث نلاحظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تقابل مع طلائع الأنصار الأولى، لم يفعل سوى ترغيبهم في الإسلام، وتلاوة القرآن عليهم، فلما جاؤوا في العام التالي، بايعهم على العبادات، والأخلاق، والفضائل، فلما جاؤوا في العام التالي؛ كانت بيعة العقبة الثانية على الجهاد، والنصر، والإيواء.
11. الهجرة تضحية عظيمة في سبيل الله:
كانت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من البلد الأمين تضحية عظيمة، عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «والله! إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» [أحمد (4/305) والترمذي (3925) وابن ماجه (3108)].
لقد كانت الهجرة النبوية نقطة تحول في تاريخ الإنسانية، فقد كانت الهجرة النبوية أعظم حدث حول مجرى التاريخ، وغير مسيرة الحياة ومناهجها؛ التي كانت تحياها، وتعيش محكومة بها في صورة قوانين، ونظم، وأعراف، وعادات، وأخلاق، وسلوك للأفراد والجماعات، وعقائد، وتعبدات، وعلم، ومعرفة، وجهالة، وسفه، وضلال، وهدى، وعدل، وظلم».
وهذه بعض الفوائد، والعبر، والدروس، وأترك للقارئ الكريم أن يستخرج غيرها، ويستنبط سواها من الدروس، والعبر، والفوائد الكثيرة النافعة من هذا الحدث العظيم.
