إذا كان حقُ الحياة مقرونٌ بالدفء.. ففي غزة يموتُ الحُلُم

فلسطين
نشر: 2024-02-03 14:17 آخر تحديث: 2024-02-03 14:17
تحرير: عدي صافي
طفل من غزة حافي القدمين - AFP
طفل من غزة حافي القدمين - AFP
  • أطفال غزة يعاتبون العالم بأقدام عارية ترتجف بردا
  • برداء لا يسمن ولا يغني من برد.. يسعى الغزيون لرشفة ماء "تبلُّ" روحهم العطشى للنجاة

ها قد وصلنا إلى اليوم الـ120 منذ أن أطمأن أهل غزة للمرة الأخيرة، حينما ذاقوا نوما هانئا، وتناولوا خبزا دافئا، وساروا في الطرقات باحثين عن الرزق، هناك، كد الغزيون في أشغالهم ومشاكلهم وتفاصيل دنياهم، قبل أن يسلب الاحتلال الإسرائيلي منهم كل مناحي الأمان، ويتركهم على رصيف الحياة، بلا أمل. 

الغزيون في مواجهة الصواريخ والمطر

وكأن الحرب لم تكتفِ من أهل غزة، ولم تشبع من إرسال صواريخها على رؤوس الأطفال والنساء، وإسقاط الحجارة على صدورِ الآباء المنهكين، وفطر قلوب الأمهات، حتى طاردهم شبحُ الموت من خلال البرد والمطر وضيق الحال، فمنعهم من الأمل، حتى وهم على بعد أمتار من الحياة، في المنطقة الحدودية لمدينة رفح جنوبي القطاع قرب جمهورية مصر.

120 يوما في عداد البشر وقرونٌ بالنسبة للفلسطينيين، منذ أن بدأ الاحتلال الإسرائيلي الإرهابي تنفيذ أشد وأسوأ جرائم القتل في حق البشر، يردد اللاهث الباحث عن مأوى في بيت مهدم أو خيمة ممزقة، مقولة ربما تكون الأصدق في حق الإنسانية: "إذا كان حقُ الحياة مقرونٌ بالبحث عن الدفء والغذاء، وحسب، فعلى أرضِ غزة يموتُ الحُلُم".

ولعل هذا الطفل الفلسطيني نقل صورة لا يمكن للعقل البشري أن ينسفها من ذاكرته مهما طال الزمان؛ فها هو ببراءته، ضعفه، قلة حيلته، يسيرُ حاملا عبوات فارغة آملا أن يدرج أسمه على قائمة للوائح تضم أسماء البشر، الذين كتبَ لهم القدر حياة جديدة ومنحهم رشفة ماء يبلون بها روحهم العطشى للنجاة.

الطفل السائر بخشية وقلق في مدينة رفح جنوبي غزة، تلقى الصفعات واحدة تلو الأخرة، ولم يرأف البرد القارس بعمره؛ ففي غزة يحاربك العالم، هو استقبل المطر بيدين مفتوحتين تجمعان الماء المفقود، وبجسد هزيل نسى الطعام، وطعمه، وبرداء ممزق لا يسمن ولا يغني من برد، وبأقدام حفاة عراة.

يسير طفلنا البطل وهو يرتجف، وتقترب أصابعه من التجمد، إلا أنه يناظر عدسة الصحفي ويعض على شفتيه ألما وعتابا، هو يعاتبنا، على صمتنا وهواننا وضعفنا، ربما يعاتب العالم الذي يهرول لقطع الإمدادات عن آخر من يقدم له فتات الطعام طوعا للكيان وأكاذيبه، وربما يعاتب الطقس، الذي وقف مع الصواريخ ضدهم في هذا الظرف العصيب.

ولكنه بعد أن ناظر عدسة الصحفي لبرهة من الألم، مضى وأكمل طريقه، وعرف مبكرا منذ نعومة أظافره، أن العالم لن يحرك ساكنا، هو يكمل مسيره نحو من تبقى من عائلته، مواجها كغيره من الغزيين نقص الطعام بمعدات خاوية، مقاومين برد الليل بأقمشة من الرُقَع، ويغلبون في كل يوم النعاس كي لا يفوتوا شكل الصاروخ الهابط على رؤوس النيام، كل هذا ناظروه خلال العدوان.

في غزة فقط، يهيم الآباء على وجوههم بحثا عن أقمشة تقي أبناءهم برد الشتاء القارس الذي طرق سماء القطاع، حيث باتت صواريخ جيش الاحتلال الإسرائيلي تسقط على الأبرياء تزامنا مع هطول المطر عليهم، ليفقد الغزيون آخر معاني الطمأنينة.

أخبار ذات صلة

newsletter