على وقع تحذير السفارات... لبنان يتجاوز قطوعا أمنيا خطيرا

عربي دولي
نشر: 2023-08-11 21:30 آخر تحديث: 2023-08-12 14:48
تحرير: جوانا ناصرالدين
سيدة لبنانية ترفع علم لبنان "تعبيرية"
سيدة لبنانية ترفع علم لبنان "تعبيرية"
  • حوادث متنقلة وانقسام عامودي على ضفة سلاح حزب الله ومنطق استخدامه في الداخل
  • تداعيات حادثة "الكحالة" ستتحول إلى مفاعيل سياسية، إذ سجل استنفار شامل على مستوى القوى السياسية المعارضة

تجاوز لبنان قطوعا أمنيا خطيرا تمثل بحادثة الكحالة في جبل لبنان على خلفية انقلاب شاحنة تابعة لحزب الله تنقل ذخائر وأسلحة، تطورت الى تلاسن مع الأهالي الذين حاولوا معرفة ما في داخل الشاحنة المغطاة، فما كان من العناصر المواكبة التابعة للحزب إلا أن اعترضتهم ومنعتهم من الإقتراب فكانت المواجهة وإطلاق النار الذي أسفر عن سقوط قتيلين أحدهم فادي بجاني ابن البلدة والثاني أحمد قصاص عنصر من حزب الله .

الاستقرار الهش

الاستقرار الهش اهتز بقوة وفي منطقة ذات حساسية عالية أعادت الى ذاكرة من عايش الحرب مشاهد ومحطّات آثمة وقاتمة ودموية حصلت على " كوع الكحالة "، وهو من الأمكنة التي بات لها بُعد في الوجدان الجماعي، تماماً كما عين الرمانة وخط التماس بين الشرقية والغربية وغيرها من المناطق.
بلدة الكحالة تقع جغرافيًا في تقاطع بالغ الدقة، ظهر ذلك في محطات بارزة: ابتداء من عامي 1969 و1970، إلى “حرب السنتين” بين العامين 1975 و 1976، مرورا بالعام 1982 أثناء الاجتياح الاسرائيلي والعام 1990 أثناء الاجتياح السوري، وصولا إلى اغتيال المصور جو بجاني، واليوم مقتل فادي يوسف بجاني.
ففي 25 آذار 1970 قتل الفلسطيني سعيد غوّاش من مخيم تل الزعتر، وكان ضابطاً في الكفاح المسلح الفلسطيني.
جرت محاولة لنقله عبر مطار بيروت إلى الأردن ولكن العملية لم تتم، تقرر نقله براً إلى دمشق عبر موكب مسلح مر في الكحالة فأطلق مسلحون النار في الهواء وحصل احتكاك مع عدد من الأهالي الذين أصيب عدد منهم، ولكنّ الموكب مر وأكمل طريقه.

الكحالة إلى الواجهة

في حرب السنتين، وقع هجومان صاعقان على الكحالة في شهر آذار من العام 1976، الاقسى كان الهجوم الثاني ، حين أطلق الرئيس الراحل بشير الجميل نداءه الشهير عبر اللاسلكي موجِّهًا كلامه إلى المدافعين عن الكحالة: "لن أسمح بدامور ثانية" (وكانت الدامور قد سقطت على يد منظمة الصاعقة في كانون الثاني من العام 1976، أي قبل شهرين من الهجوم على الكحالة).
بعد أربعة عشر عامًا ، جاء الاجتياح السوري في عملية 13 تشرين 1990، حين دفعت الكحالة ثمنًا غاليًا من أرواح أرواح أبائها.


اقرأ أيضاً : مراسلة "رؤيا": قائد الحرس الثوري الإيراني في بيروت للقاء نصر الله


وفي آب من العام 2001 بدأت المظاهرات المناهضة للوصاية السرية سرعان ما تطورت الى اعمال عنف ، بدأت شرارتها في الكحالة. فأثناء مرور البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير في طريق عودته من الجبل، أوقف في الكحالة وأُطلقت شعارات مندّدة بالرئيس إميل لحود والمنظومة الأمنية السائدة آنذاك ، فكانت تلك الوقفة الاحتجاجية الشرارة لـ7 آب في اليوم التالي.
أما الكأس الذي فاضت به مرارة لدى أبناء الكحالة ، كانت في اغتيال المصور جو بجاني أمام منزله وحتى اليوم لم يظهر شيء في التحقيقات، وقد بلغ الغموض بهذه القضية حدًا دفع زوجته مع ابنتيه الصغيرتين إلى مغادرة لبنان نهائيا.


اليوم عادت الكحالة الى الواجهة، وما إن وقعت الحادثة حتى توالت التحليلات حول أبعادها وتداعياتها، واعتبارها جزءاً من التصعيد بهدف فرض وقائع جديدة او تسوية كما درجت العادة في لبنان بعد كل اهتزاز أمني. وذهب البعض الى اعتبار ما يجري منذ أحداث عين الحلوة الدموية مروراً بحوادث أمنية متفرقة واغتيالات كان أخطرها خطف وقتل المسؤول السابق في حزب القوات اللبنانية إلياس الحصروني في الجنوب، في خانة الترابط ولم يعد ممكناً تسجيلها ضد مجهول.

توترات أمنية 

تقول مصادر متابعة لـ"رؤيا" ان "المسألة لم تعد مسألة نقل سلاح، بل احتقان بلغ ذروته خصوصا وأنه ترافق مع ارتفاع أصوات التحريض واستعادة لغة الأمن الذاتي والمواجهة ذات البعد الطائفي"، وتضيف "كأن هناك من يريد عن سابق تصور وتصميم رمي الزيت على النار، وإذكاء الفتن المتنقلة التي تأخذ لبنان الى الفوضى والتقسيم".
ويتساءل أبناء الكحالة ومواطنون لبانيون عبر رؤيا:" كيف تمرّ شاحنة بمواكبة أمنية، كتلك التي شهدها كوع الكحالة؟" و"كم من شاحنة تحمل شحنات عسكرية، من أين تنطلق؟ وإلى أين تتجه؟" تستطرد مصادر سياسية بالسؤال "ما هو المدى الذي سيبلغه حزب الله في سلوكه؟ وهل اتخذ الحزب قرارًا ببدء استثمار فائض القوة، أو فائض الاستقواء؟".
واذا كانت حادثة الكحالة وما سبقها من توترات أمنية في أكثر من منطقة لبنانية تزامنت مع تحذيرات دول في مجلس التعاون الخليجي بمغادرة لبنان او منع السفر اليه, ووضعت الأمن كالهشيم تحت الرماد, فإنها كذلك أعادت طرح السؤال الأكبر حول سلاح حزب الله والانقسام الكبير حوله والخوف من استخدامه في الداخل . فاستعيدت سلسلة من الأحداث انغمس فيها سلاح حزب الله علناً في معارك وأحداث داخلية .

مسلحو حزب الله

ففي السابع من ايار عام 2008 انتشر مسلحو حزب الله في شوارع بيروت "دفاعا عن السلاح" ووقعت اشتباكات على مدى ايام امتدت الى منطقتي الشويفات والشوف في جبل لبنان أسفرت عن مقتل أكثر من سبعين شخصا واعتبرت ميدانياً الأكثر خطورة وعنفاً منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990.
وفي السادس عشر من تشرين الأول عام 2021 تحول حراك لحزب الله وحركة أمل في منطقة الطيونة في بيروت الى اشتباك مسلح بين الشياح وعين الرمانة أدى الى سقوط سبعة قتلى واتهم حزب الله يومها القوات اللبنانية بالمسؤولية عن افتعال الاشتباك.
وما بين الحادثتين اغتيالات وحوادث قتل وجهت فيها اصابع الاتهام الى حزب الله.


اقرأ أيضاً : بالفيديو.. سلاح خليجي اقتصادي في وجه لبنان المتمسك بمقولة: "لا داع للهلع"


اليوم يبدو أن تداعيات حادثة "الكحالة" ستتحول إلى مفاعيل سياسية، إذ سجل استنفار شامل على مستوى القوى السياسية المعارضة التي التقت على ضرورة الانتقال إلى مرحلة النضال الوجودي والكياني بوجه هيمنة سلاح "حزب الله" على القرار في البلاد، وفق تصريحات لرئيس "حزب الكتائب" النائب سامي الجميل.
ويشير الصحافي طوني بولس لـ"رؤيا "إلى " أن اتصالات مكثفة تجري بين الأحزاب المعارضة، إذ يتم نقاش خطوات منسقة للمرحلة المقبلة ضمنها عقد جبهة سياسية واسعة مشابهة لجبهة العام 2005 المناهضة للوجود السوري في لبنان".

ويضيف بولس أن "مجموعات عديدة تؤيد هذا التوجه لأن طرح سلاح حزب الله على طاولة البحث بات أولوية لمستقبل هذا السلاح المشرع في البيان الوزاري للحكومة".

وهنا تقول مصادر مواكبة للحراك السياسي لرؤيا ان "المشهد الذي تبلور بعد الحادث والانقسام الحاد الذي ترتب عليه والمشابه للانقسام القائم حول الاستحقاق الرئاسي يسمح بالخشية من وجود قطوعات أمنية اخطر سيكون لبنان أمام اختبار تجاوزها ".
أوساط سياسية تقرأ عبر رؤيا هذا الاسبوع الأمني وتداعياته وتقول في الخلاصة إن "حزب الله خرج من واقعة الكحالة متضرراً مسيحياً ووطنياً واستعيد الخطاب المتشدد ضد سلاح الحزب وهجه" . وتضيف الأوساط إن " المعارضة ربحت على خطين الاول مراكمة نقاطها السياسية من خلال مواجهة الحزب برفضها الحوار ورفضها مرشحه أصلا سليمان فرنجية".
كل ما يجري في لبنان اليوم لا يعبر سوى عن حجم التوتر والاحتقان في الشارع وخلف الأبواب المغلقة، ويضغط على مجمل الواقع الداخلي ويفرض نفسه بقوة على المشهد السياسي وبالتالي الإستحقاق الرئاسي.
ويبقى السؤال الأهم بالنسبة للجميع هل هذه الاحداث حصلت بنتيجة ظروف موضوعية، أم أن هناك أياد خفية تعمل على تأجيجها أوالاستثمار بها.

أخبار ذات صلة

newsletter