مياه - تعبيرية
الواقع المائي في الأردن بين حقائق ضاغطة وخطط واعدة
يضع الواقع المائي "الضاغط" الأردن أمام خيارات "محدودة"، لا تملك الحكومة فيها ترف الوقت لاتخاذ إجراءات "واقعية ومتسارعة"، لا سيما في ظل تنامي الفجوة بين تزايد الطلب وشح المياه، حيث تقدر احتياجات الأردن من المياه بـ3 ملايين متر مكعب يوميا للاستخدامات كافة.
وتحرص الاردن، في هذا الإطار، على تنويع مصادر الأمن المائي، تعزيزا لعناصر قوة الدولة، المسؤولة عن الحفاظ على أمنها المائي الحالي والمستقبلي، وصولا إلى مرحلة التزويد اليومي المستدام للمياه بدلا من التزويد الأسبوعي.
وتواجه الاردن عجزا مائيا يتفاقم بشكل سنوي، من المتوقع أن يبلغ خلال العام المقبل نحو 60 مليون متر مكعب في قطاع مياه الشرب وحده، بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة المياه والري، في ظل تراجع المواسم المطرية بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة، ما أدى لجعل الأردن ثاني أفقر دولة مائية في العالم.
وفي ظل تنامي الفجوة بين الموجود والمطلوب من حيث المصادر المائية، تشكل استضافة الأردن منذ أكثر من 10 أعوام للاجئين السوريين، ضغطا مباشرا على بنية الدولة التحتية ومرافقها الخدمية ومواردها الطبيعية، وعلى رأسها المياه التي يتزايد الطلب عليها مع نمو استخدامات المرافق البلدية والمنزلية المختلفة، واستخدامات الصناعة والزراعة والسياحة الأخرى، الناتجة عن نمو عدد السكان، وفقا لتصريحات رسمية.
وتضطر الأردن لاستخدام نسب كبيرة من مياه الزراعة للشرب والاستخدام المنزلي، بسبب قلة الكميات المتوفرة، ما أدى إلى تراجع كميات المياه المخصصة للزراعة، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على الإنتاج الزراعي، الذي يعد مرتكزا أساسيا للأمن الغذائي المرتبط بكل أشكاله مع الأمن المائي، ويعتبر بدوره ركيزة للأمن الصحي.
وتبين احصاءات وزارة الزراعة أن حوالي 400 ألف دونم في الأغوار تحصل على 40 بالمئة فقط من كمياتها المائية المستحقة، وهي غير كافية لغسل التربة، وتؤثر على إنتاجيتها، فيما يهدد الاستمرار بهذه الحالة بفقدان تلك الأراضي إنتاجيتها الزراعية خلال الأعوام الـ15 أو الـ20 المقبلة.
وبحسب وزارة المياه، تبلغ حصة الفرد في الأردن من المياه 90 مترا مكعبا سنويا لكل الاستخدامات، في حين يبلغ خط الفقر المائي عالميا 500 متر مكعب سنويا، وفقا لدراسات دولية تتوقع انخفاض حصة الفرد بالاردن إلى 60 مترا مكعبا سنويا بحلول عام 2040، في ظل المصادر المائية المتوفرة ومعدلات الطلب الطبيعية المتوقعة.
وتفاديا للوصول إلى أيام عجاف، والتي من الممكن أن يهدد "العطش" فيها الأجيال المستقبلية، شرعت الحكومات المتعاقبة باتخاذ إجراءات "متسارعة" لتنفيذ حلول مائية استراتيجية لمواجهة العجز المائي، تصدرها تنفيذ خط الديسي عام 2010، بكلفة رأسمالية بلغت نحو مليار دينار، لنقل 100 مليون متر مكعب تغطي مختلف أنواع الاستخدامات.
وخصصت الحكومة خلال عامي 2021 و2022 نحو 400 مليون دولار؛ لتقليل نسبة الفاقد المائي في مختلف محافظات الأردن، من خلال تحديث منظومة الشبكات وتعزيزها، وضبط السرقات والتعديات على خطوط المياه، واتباع إدارة مائية حصيفة.
كما باشرت وزارة المياه منذ أشهر بحفر آبار في المناطق البازلتية، وحسبان، والقطرانة، والحسا، والشيدية، لاستخراج المياه الجوفية من الطبقات العميقة، حيث حفرت 21 بئرا على أعماق عالية من 1000 إلى 1200 متر، بحجم إنفاق يبلغ 14 مليون دينار.
وتتطلب معالجة المياه الجوفية المستخرجة من الآبار العميقة كلفا عالية حتى تصل لمستويات المواصفة الفنية الأردنية للمياه، وذلك بسبب ارتفاع حرارتها، وملوحتها، ووجود نسب إشعاع فيها، بحسب ما أوضحت وزارة المياه التي أكدت الاستمرار في حفر واستكشاف الآبار الجوفية العميقة في مناطق مختلفة.
وتمثل تحلية مياه البحر حلا استراتيجيا لانخفاض كلف التحلية مقارنة بكلف حفر الآبار الجوفية العميقة ومعالجة مياهها، ولا سيما أن الإنفاق على مشاريع التحلية أكثر فعالية وفائدة من الإنفاق على حفر الآبار العميقة التي تواجه استنزافا كبيرا بسبب محدودية مصادر المياه وتراجع المواسم المطرية، بحسب ما تشير إليه دراسات بهذا الصدد.
ويشكل مشروع الناقل الوطني، أولوية أولى للأمن المائي الأردني، ويتصدر أولويات الحكومة الاقتصادية، باعتباره أكبر مشروع مائي في تاريخ الاردن، ومن أهم المشاريع الاستثمارية الوطنية، حيث تقدر قيمة المشروع الرأسمالية بـ5ر2 مليار دولار، جزء منها دعم حكومي، وأخر على شكل منح وقروض ميسرة يجري التفاوض عليها.
وتعمل الحكومة بشكل حثيث لتنفيذ المشروع، حيث جرى تأهيل 5 ائتلافات، سيجري تسليمها وثائق العطاء قبل نهاية العام الحالي، وستمنح 6 أشهر لتقديم عروضها المالية والفنية، بحسب بيان لوزارة المياه، والذي رجح أن يجري التوقيع مع الائتلاف الأفضل قبل نهاية العم المقبل، وبدء إنتاج المياه من المشروع عام 2027.
وتقول الوزارة، إن مشروع الناقل الوطني من شأنه أن يوفر من 300 إلى 350 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من البحر الأحمر سنويا، تغطي احتياجات الأردن لمياه الشرب حتى عام 2040، وستكون أكبر كمية مياه يحصل الفرد عليها من مصدر واحد.
غير أن التوقعات تشير إلى أن هذه الكميات لا تكفي لزيادة المصادر المخصصة للزراعة والصناعة والسياحة، ما يعزز حاجة الاردن لإيجاد مصادر مائية إضافية لمواكبة احتياجاتها المتنامية لتتمكن من إحداث نمو في قطاعات اقتصادية حيوية.
